العالمُ يتخلّى عن منظّمةِ التجارةِ العالمية وأميركا والصين تقودان الطريق
يُخاطِرُ العالم بالعودة إلى بيئات التجارة في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، عندما أدى التحوّل الواسع النطاق إلى الحماية التجارية إلى انكماشٍ دراماتيكي في التجارة العالمية، والذي أدى إلى تفاقم الكساد الأعظم وساعد على تعجيل الحرب العالمية الثانية.
كريستين هوبويل*
على مدى أكثر من 75 عامًا، ساعد نظامُ التجارة المُتَعدّد الأطراف على ضمانِ الاستقرارِ والنظامِ في الاقتصادِ العالمي. فقد جمعت “الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة” وخليفتها، منظمة التجارة العالمية، الدولَ للتعاوُنِ في خفض التعريفات الجمركية وغيرها من الحواجز التجارية، وتعزيز التكامل الاقتصادي العالمي ووضع قواعد تَحكُمُ التجارة. وقد أثبت هذا النظام فعاليته بشكلٍ غير عادي وعزّزَ عصرًا من الرخاء العالمي غير المسبوق.
لكن الآن أصبح هذا النظام التجاري الليبرالي في أزمة. فقد انهارَ التعاون الدولي في مجال التجارة إلى حدٍّ كبير، حيث تخلّت الولايات المتحدة، بطلة الأسواق المفتوحة منذ فترة طويلة، عن التزامها بالتجارة الحرة والتعاون المُتعدّد الأطراف واحترام سيادة القانون. ومن خلال فرض التعريفات الجمركية وتوفير الإعانات الضخمة عبر قطاعات صناعية متعدّدة، انتهكت واشنطن علنًا قواعد ومبادئ منظمة التجارة العالمية. وعلى نحوٍ مُماثل، شَوَّهت الصين التجارة وسلَّحتها بشكلٍ متزايد من خلال استخدامها للدعم والإعانات والإكراه الاقتصادي. ولكي تتجنّب الولايات المتحدة العقاب على انتهاكاتها، قامت أيضًا بشلِّ آليةِ إنفاذِ النظام القائم، الأمر الذي عرّضَ النظام التجاري للخطر بشكلٍ كامل.
على الرُغمِ من الجهود التي يبذلها العديد من الدول للحفاظ على التعددية على قيد الحياة وعلى ديمومة النظام التجاري القائم على القواعد، فإنَّ دولًا أخرى ــبما فيها العديد من الاقتصادات الناشئة الكبرى مثل الهند وإندونيسياــ قَوّضَت هذه الجهود من خلال عرقلةِ المفاوضات التجارية وإعاقة إنفاذ قواعد التجارة العالمية. ومن دون وضع القواعد وإنفاذها على نحوٍ فعّال، فإنَّ النظام التجاري قد ينحدرُ إلى الفوضى ــ فيحل محل النظام والاستقرار، اللذين كانا الأساس للازدهار والسلام العالميين على مدى السنوات الخمس والسبعين الماضية، الفوضى والصراع.
الصيد البحري
الغَرَضُ الأساس لمنظمة التجارة العالمية هو وضعُ وإنفاذُ القواعد التي تحكم التجارة الدولية، في المقام الأول من خلال تسهيل المفاوضات بين أعضائها. ولكن على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، كانت مفاوضات منظمة التجارة العالمية تؤدّي في كثير من الأحيان إلى طريق مسدود، وهو ما يتَّضح بشكلٍ خاص في جولة الدوحة الفاشلة من المحادثات التي بدأت في العام 2001 لخفض الحواجز التجارية في جميع أنحاء العالم. وانهارت هذه المفاوضات إلى حدٍّ كبير بسبب الصراع بين الصين والولايات المتحدة، حيث رفضت بكين خفض تعريفاتها الجمركية في مجالاتٍ مثل الزراعة والمواد الكيميائية والآلات الصناعية بدون تخفيضاتٍ أكبر لإعانات المزارع الأميركية. إنَّ إحياءَ مفاوضات منظمة التجارة العالمية أمرٌ ضروري للحفاظ على التعاون الدولي في مجال التجارة وضمان مواكبة القواعد العالمية للتجارة للتحديات المُتطوِّرة التي تواجه الاقتصاد العالمي. وسوف يكون الاختبار الحاسم لعزم المجتمع الدولي على استعادة صياغة القواعد التجارية العالمية هو المفاوضات الحالية لمنظمة التجارة العالمية بشأن إعانات الصيد.
أدت الإعانات التي تُقدّمها الحكومات الوطنية لمصايد الأسماك إلى أزمة الصيد الجائر. لقد تمَّ بالفعل استغلالُ تسعين في المئة من مخزونات الأسماك العالمية بالكامل، أو الإفراط في استغلالها، أو استنفادها. ولأنَّ العديدَ من البلدان النامية تعتمدُ بشكلٍ كبير على صيد الأسماك لتحقيق الأمن الغذائي، وسُبُل العيش، والصادرات، فإنها مُعرَّضةٌ بشكلٍ حاد لانخفاضِ مخزونات الأسماك، وبالتالي فقد دعت إلى فرض قواعد صارمة على الإعانات. لذا، فإنَّ التوصُّلَ إلى اتفاقٍ في إطار منظمة التجارة العالمية للحدِّ من هذه الإعانات الضارة من شأنه أن يُمثّلَ فوزًا للتجارة والتنمية والبيئة.
في العام 2022، توصّلت منظمة التجارة العالمية إلى اتفاقٍ أوّلي لحظر الدعم للصيد غير القانوني وغير المُبلَّغ عنه وغير المُنظَّم، وصيد المخزونات المُستَنفَدة، والصيد في أعالي البحار غير المنظَّمة. لكن هذه لا تُمثّلُ سوى جُزءٍ ضئيلٍ من جميع الإعانات الضارة لمصايد الأسماك. لقد تمَّ تركُ العمل الحقيقي المُتمثّل في معالجة الإعانات التي تشجع على الإفراط في الصيد والصيد الجائر ــاصطياد عدد كبير جدًا من السفن لأسماك كثيرة جدًاــ لاجتماعٍ رفيع المستوى لمنظمة التجارة العالمية في شباط (فبراير)2024. وكاد هذا الاجتماع أن ينتجَ اتفاقًا تاريخيًا لتقييد مثل هذه الإعانات، لكن الهند عرقلت الاتفاق بالإصرار على إعفاءاتٍ شاملة من شأنها أن تجعله بلا معنى إلى حدٍّ كبير. وكانت الهند الدولة الوحيدة التي عارضت الاتفاق، ولكن بما أنَّ قواعد منظمة التجارة العالمية تتطلّب الإجماع، فقد انهارت المفاوضات.
ونظرًا للتحدّي المُتمثّل في تأمين الإجماع، سعت الدول إلى إحياء وظيفة التفاوض في منظمة التجارة العالمية من خلال الاتفاقيات المتعددة الأطراف، والتي هي اختيارية ولا تنطبق إلّا على مجموعاٍت فرعية من أعضاء المنظمة الذين يختارون التوقيع عليها، بدلًا من الاتفاقيات المتعددة الأطراف التقليدية التي تُلزِمُ العضوية بأكملها. وتهدف إحدى هذه الاتفاقيات، التي وقعتها 128 دولة في العام 2024، إلى تسهيل الاستثمار الأجنبي المباشر بشكلٍ أفضل، على سبيل المثال، من خلال تبسيط عمليات الترخيص البيروقراطية للمستثمرين.
من المُتوقّع أن تُولّد الاتفاقية مكاسب اقتصادية عالمية كبيرة، وسوف تعود أغلبها على البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط. ويرى المؤيدون أنها وسيلةٌ مهمة للدول النامية للمُطالبة بحصّةٍ أكبر من الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي ومعالجة فجوات الاستثمار الكبيرة في تلك البلدان. ولكن لكي تدخل الاتفاقية حيّز التنفيذ، فلا بدّ من تبنّيها في البنية القانونية لمنظمة التجارة العالمية ــ وهو إنجازٌ يتطلّب موافقة جميع الأعضاء. وقد عرقلت هذا الجُزء الأخير من العملية ثلاث دول، الهند وجنوب أفريقيا وتركيا، التي تعترض من حيثُ المبدَإِ على فكرة الاتفاقيات المتعددة الأطراف الكثيرة (وليس المتعددة الأطراف المحدودة) داخل منظمة التجارة العالمية.
لقد أدّت قدرة عدد قليل من الدول على عرقلة هذه الجهود التفاوضية وغيرها إلى توليد إحباطٍ شديد بين الدول الأعضاء. وعلى النقيض من خط الصدع بين الشمال والجنوب الذي ميّزَ في كثيرِ من الأحيان سياسات التجارة العالمية في الماضي، ففي كلٍّ من حالتَي دعم مصايد الأسماك والاتفاقية المتعلقة بالاستثمار الأجنبي، كانت الدول النامية في مواجهة بعضها البعض. وفي تصريحاتٍ صريحةٍ بشكل غير عادي، أدانت المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونجو إيويالا الدول التي تبنّت ما وصفته بموقف تفاوضي “خاسر-خاسر”، وبالتالي، كما قالت، ألحقت الضرر بالمنظمة من خلال منع التوصّل إلى اتفاق.
في الفراغ
إنَّ التهديدَ الأعظم والأكثر إلحاحًا للنظام التجاري الليبرالي يأتي من إضعافِ آلية تسوية المُنازعات في منظمة التجارة العالمية. إنَّ نظام المنظمة للفصل في المنازعات التجارية ضروريٌّ لإنفاذِ قواعد التجارة العالمية، وقد حقق معدلات عالية للغاية من الامتثال. وإذا تبيّنَ أنَّ دولةً ما تنتهكُ قواعد منظمة التجارة العالمية، فإنها مُلزَمةٌ بوقفِ الإجراء المخالف أو تقديمِ تعويضٍ مُتناسب؛ وإذا فشلت في القيام بذلك، فإنَّ الدول المتضررة مُخوَّلة قانونًا بالردّ.
لكن في السنوات الأخيرة، اتخذت الولايات المتحدة خطواتٍ مُتعَمدة لتعطيل آلية تسوية المنازعات في منظمة التجارة العالمية حتى تتمكن واشنطن من متابعة السياسات التي تنتهك قواعد المنظمة مع الإفلات من العقاب. ومنذ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، منعت الولايات المتحدة جميع التعيينات القضائية في هيئة الاستئناف التابعة لمنظمة التجارة العالمية، وهي مجموعةٌ من سبعة قضاة تنظر في الطعون المتعلقة بأحكام منظمة التجارة العالمية الصادرة بشأن المنازعات. في غياب القضاة للنظر في الطعون، لم تتمكن هذه الهيئة من العمل منذ العام 2019. ونتيجةً لذلك، يمكن لأي دولة تقع على الجانب العقابي من حكم منظمة التجارة العالمية ببساطة أن تستأنفه وتؤخر تنفيذه إلى أجل غير مسمى. وقد أصبح هذا معروفًا باسم الاستئناف “في الفراغ”. وفي غياب نظام نزاع وظيفي لضمان إنفاذ قواعد منظمة التجارة العالمية، فإن نظام التجارة بأكمله معرَّضٌ لخطر الانهيار.
الولايات المتحدة هي المصدر الأكبر للطعون في الفراغ، حيث تمثل 38٪. وعلى الرُغم من التزامها المزعوم بالتعاون الدولي وسيادة القانون، استمرت إدارة جو بايدن في انتهاك قواعد منظمة التجارة العالمية بشكل صارخ بينما رفضت استعادة هيئة الاستئناف، مما يُمكّنُ واشنطن من منع الأحكام ضد التعريفات الجمركية غير القانونية والإعانات التي تفرضها منظمة التجارة العالمية من خلال الاستئناف في الفراغ.
لكنَّ العديدَ من البلدان الأخرى تحذو حذو الولايات المتحدة بشكلٍ متزايد، مستغلّةً غياب هيئة الاستئناف لتحدّي قواعد منظمة التجارة العالمية علنًا. على سبيل المثال، فرضت إندونيسيا حظرًا على تصدير النيكل الخام، وهو مكوِّنٌ رئيس في الفولاذ المُقاوم للصدأ وبطاريات السيارات الكهربائية. ويضرُّ الحظر بالشركات والصناعات الأجنبية من خلال قطع إمداداتها من خام النيكل بشكل غير قانوني. تُسيطرُ إندونيسيا على أكثر من نصف إمدادات العالم من النيكل، وتهدفُ من خلال حظر صادرات النيكل إلى إجبار الشركات التي تعالج النيكل على الانتقال إلى البلاد. في العام 2022، نجح الاتحاد الأوروبي في الطعن في حظر إندونيسيا في منظمة التجارة العالمية. أمرت لجنة المنازعات في منظمة التجارة العالمية إندونيسيا بإزالة قيود التصدير، لكنَّ إندونيسيا استأنفت في الفراغ لمنع الحكم. وبدلًا من إلغاء حظر التصدير، تعمل إندونيسيا الآن على توسيعه ليشمل معادن أخرى غير معالجة.
واتخذت الهند خطوات مماثلة. سعيًا إلى محاكاة نموذج التنمية في الصين، وضعت الهند نظامًا واسع النطاق من الإعانات المرتبطة بـ “المناطق الاقتصادية الخاصة” لتعزيز صادراتها. ونتيجةً لهذا، غمر صناعات الصلب والأدوية الأميركية طوفانًا من الواردات الرخيصة المدعومة من الهند. ورفعت الولايات المتحدة قضية أمام منظمة التجارة العالمية تطعن في الدعم وفازت بها. وحكمت اللجنة بأنَّ الدعمَ الذي تقدّمه الهند ينتهك قواعد منظمة التجارة العالمية ويجب إزالته. في البداية احتفلت واشنطن بالحكم باعتباره “انتصارًا مدويًا للولايات المتحدة”، قائلة إنَّ أدوات إنفاذ القانون التي توفرها منظمة التجارة العالمية من شأنها أن تضمن تكافؤ الفرص للعمال الأميركيين. ولكن الهند حَرَمت الحكم من أيِّ قوة قانونية بعد فترة وجيزة من خلال الاستئناف ببساطة في الفراغ.
إن هذه الحالات ليست معزولة: إذ يتم الآن استئناف ثُلثَي أحكام منظمة التجارة العالمية في الفراغ. كما إنَّ البلدان تتقدم بقضايا أقل إلى منظمة التجارة العالمية في المقام الأول. لقد انخفض عدد النزاعات التي تُرفَع إلى منظمة التجارة العالمية لمعالجتها والبت فيها إلى حوالي ثلث ما كان عليه قبل انهيار هيئة الاستئناف. ويأتي هذا الانخفاض الحاد في عدد النزاعات المرفوعة إلى المنظمة حتى مع تبنّي المزيد من الدول لتدابير تجارية حمائية تتعارض مع قواعد المنظمة. لم تعد البلدان ترى منظمة التجارة العالمية كوسيلةٍ فعّالة لفرض حقوقها في النظام التجاري الدولي. ومع هذا الانهيار في آلية إنفاذ منظمة التجارة العالمية، فإنَّ انتهاك القواعد سوف ينتشر بشكل كبير.
وفي محاولة للحفاظ على آلية وظيفية لتسوية النزاعات وضمان بقاء قواعد منظمة التجارة العالمية قابلة للتنفيذ، أطلقت مجموعة من الدول بقيادة الاتحاد الأوروبي ترتيب التحكيم المؤقت متعدد الأطراف، والذي بدأ الاستماع إلى القضايا في العام 2022. ويكرر ترتيب التحكيم المؤقت متعدد الأطراف دور هيئة الاستئناف، لكنه ينطبق فقط على الدول المشاركة. وحتى الآن، لم توافق سوى 53 دولة (بما فيها الدول الأعضاء ال27 في الاتحاد الأوروبي) على المشاركة. وتظلُّ غالبية الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية (166 دولة) خارج الآلية الجديدة، وبالتالي فهي حرة في انتهاك القواعد. لكن إذا نجحت الولايات المتحدة في إلغاء حظر تعيين القضاة في هيئة الاستئناف، فسوف يتم استعادة آلية إنفاذ منظمة التجارة العالمية بالكامل على الفور.
إنهيارُ النظام
إنَّ الأزمة في النظام التجاري الليبرالي تتجاوز الآن المنافسة بين الولايات المتحدة والصين. فقد أدَّى تجاهل البلدين للمعايير والمؤسسات الراسخة إلى إضعاف الحوافز التي تدفع الدول الأخرى إلى الالتزام بهذا النظام والحفاظ عليه. ويتبنّى عددٌ متزايد من البلدان نهجًا محصلته صفر في التعامل مع التجارة، حيث تضع مكاسبها القصيرة الأجل قبل المصالح المشتركة الطويلة الأجل ــ وهي على وجه التحديد الحفاظ على نظام تجاري مستقر قائم على القواعد. ورُغمَ أنَّ دولًا عدة تسعى إلى إنقاذ النظام والدفاع عنه، فإنَّ العديد من الدول الأخرى تقوّضه من خلال إحباط مفاوضات منظمة التجارة العالمية، وانتهاك قواعد التجارة العالمية من دون عقاب، وإعاقة الجهود الرامية إلى استعادة تسوية المنازعات وإنفاذها.
لقد وضع هجوم الولايات المتحدة على هيئة الاستئناف التابعة لمنظمة التجارة العالمية النظام التجاري العالمي على مسار جديد وخطير. وبدون حواجز منظمة التجارة العالمية، لن يكونَ هناك ما يكفي من الوسائل لكَبحِ الدوافع الحمائية للدول. إنَّ العواقب المُحتَملة واضحة بالفعل: دوامات المنافسة من الإعانات الحكومية، وحروب التعريفات الجمركية، وغير ذلك من السياسات التي من شأنها أن ترفع التكاليف، وتُغذّي التضخم، وتؤدي إلى تضخم العجز الحكومي. وهذا من شأنه أن يجعلَ الجميع تقريبًا ــ من مستهلكين، ودافعي الضرائب، وعمال، وشركات ــ في حالٍ أسوَإٍ، ويخلق اضطرابات اقتصادية عميقة. وسوف تتصاعد التوترات والصراعات بين الدول، حتى بين الحلفاء السابقين.
إنَّ اشتعالَ نيران القومية الاقتصادية أمرٌ صعب الاحتواء. ويخاطر العالم بالعودة إلى بيئات التجارة في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، عندما أدى التحوّل الواسع النطاق إلى الحماية التجارية إلى انكماشٍ دراماتيكي في التجارة العالمية والذي أدّى إلى تفاقم الكساد الأعظم وساعد على تعجيل الحرب العالمية الثانية. وهذه الفوضى هي على وجه التحديد ما تمّ تصميم النظام التجاري الليبرالي القائم على القواعد لمنعها.
وقد يصل العدد المتزايد من البلدان التي تتحدى قواعد منظمة التجارة العالمية إلى نقطةِ تحوُّلٍ حيث ينهار النظام التجاري المتعدد الأطراف تمامًا. ومن شأن عكس التكامل الاقتصادي العالمي أن يجلب معه انعدام القانون المتزايد والصراع والفوضى في الاقتصاد العالمي والنظام الدولي ككل. وإذا حدث هذا العكس -إذا فشل العالم في استعادة احترامه لقواعد التجارة- فلن يكونَ النظامُ الناتجُ سلميًا.
- كريستين هوبويل هي مديرة معهد ليو للقضايا العالمية وأستاذة ورئيسة قسم أبحاث كندا في السياسة العالمية في كلية السياسة العامة والشؤون العالمية في جامعة كولومبيا البريطانية.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.