اللاجئون السوريون في لبنان… قُنبُلَةٌ موقوتةٌ تُثيرُ مخاوِفَ جميع اللبنانيين

لا يزالُ لبنان يواجه أزمةً إنسانية طاحنة بسبب تدفُّق اللاجئين السوريين. وفي ظل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية غير المسبوقة، أصبحت الحكومة غير قادرة على التعامل مع المشكلة بينما يحثّ المجتمع الدولي على الالتزام بمبادئ حماية اللاجئين. ومع عدم وجودِ حلٍّ واضحٍ في الأفق في سوريا، فإنَّ إعطاءَ الأولوية للتدابير الفعالة التي تحمي اللاجئين والمواطنين اللبنانيين على حدٍّ سواء أمرٌ ضروري.

الرئيس بشار الأسد: نظامه يقف حجر عثرة أمام عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم.

الدكتور إيلي أبوعون وموللي غالاغر*

بعدَ مرور أكثر من عقدٍ على اندلاع الحرب الأهلية السورية، ترسم الخسائر الإنسانية الناجمة عن الحرب صورةً قاتمة – للاجئين والمجتمعات التي تستضيفهم. وبغض النظر عن المقياس المستخدم لتحديد عدد اللاجئين في لبنان، فإنَّ البلاد تُصَنَّف باستمرار بين الدول الخمس الأولى على مستوى العالم من حيث أكبر عدد من اللاجئين بالنسبة إلى عدد السكان.

ونظرًا لطبيعة النزوح التي طال أمدها وعدم وجود حلول قابلة للتطبيق، فمن الأهمية بمكان أن يتبنى لبنان وشركاؤه الدوليون حلولًا دائمة وفعّالة تدعم مبادئ القانون الدولي مع الحفاظِ أيضًا على الاستقرار الداخلي في لبنان وحقوق المواطنين اللبنانيين.

وبخلاف العمال المهاجرين الذين يُقَدَّرُ عددهم بـ 135 ألف عامل، تقدر الحكومة أن ما يقرب من 1.5 مليون لاجئ سوري يقيمون حاليًا في لبنان، إلى جانب 200 ألف لاجئ فلسطيني آخر وحوالي 12 ألف لاجئ من أصول أخرى. مع إجمالي عدد السكان الذي يبلغ حوالي 5 ملايين نسمة، يواجه لبنان أزمات داخلية متعددة الأوجه ومتفاقمة. وتنبع هذه الأسباب من اختلال التوازن الديموغرافي، والانهيار الاقتصادي التام (منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2019)، والاضطرابات الاجتماعية، وجائحة كوفيد-19، وتداعيات انفجار مرفَإِ بيروت (آب/أغسطس 2020). وفي هذا السياق، فإنَّ الأُسَرَ اللبنانية الضعيفة التي تكافح من أجل تغطية نفقاتها هي الأكثر تأثُّرًا بتحويل الحكومة للموارد من الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والرعاية الصحية والتعليم.

وقد أدى وجود اللاجئين السوريين في لبنان إلى تفاقُمِ التوتّرات الطائفية بشكلٍ كبير، مع زيادةٍ طفيفة في التدابير التقييدية والخطاب المُناهِض للاجئين. وأدّى التنافس على الوصول إلى الخدمات والسلع إلى تفاقُمِ التوتّرات بين اللبنانيين والسوريين وكذلك بين اللبنانيين أنفسهم. على الصعيد الوطني، هناكَ صورةٌ نمطية بمستوياتٍ غير مسبوقة تربُطُ بين اللاجئ و انعدامِ الأمن والسلامة. وقد أدى العنف المستمر في الجنوب منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2023 ووصول الأُسَر النازحة داخليًا من هذه المنطقة إلى مزيد من الضغط على الموارد، ما أدّى إلى تفاقُم المُنافَسة على السكن والوظائف والمساعدات. ومع تصاعد الضغوط على الحكومة اللبنانية من مواطنيها المُثقلين بالأعباء، ومن المجتمع الدولي الذي يحثُّ البلاد على الالتزام بالمبادئ الدولية لحماية اللاجئين والحدّ من الهجرة غير الشرعية، هناك حاجةٌ إلى نهجٍ جديد في التعامل مع أزمة اللاجئين السوريين.

تُعرِّف اتفاقية اللاجئين لعام 1951 اللاجئ بأنه “أيُّ شخصٍ يوجد خارج البلد الذي يحمل جنسيته بسببِ خوفٍ له ما يُبرّره من التعرّض للاضطهاد بسبب عِرقِه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية مُعَيَّنة أو أرائه السياسية، ولا يستطيع، أو لا يرغب، بسبب ذلك الخوف، أن يستَظِلَّ بحماية ذلك البلد؛ أو بسبب هذا الخوف لا يستطيع، أو لا يرغب في العودة إلى ذلك البلد”.

على الرُغمِ من أنَّ لبنان لم يُوَقِّع على اتفاقية اللاجئين لعام 1951، إلّا أّنُهُ مُلتَزِمٌ بالعديد من المعاهدات والمواثيق الدولية الأخرى بما فيها العهدَين الدوليين وكذلك اتفاقية مناهضة التعذيب، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ومعاهدات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها، وعددٌ آخر منها، على سبيل المثال لا الحصر. وفي ضوء ذلك، يتعيّنُ على لبنان حماية الكرامة الإنسانية للاجئين وأمنهم من خلال التمسُّكِ بمَبدَإِ عَدَمِ الإعادة القسرية، الذي يضمن، بموجب القانون الدولي، عدم إعادة أيِّ شخصٍ إلى بلدٍ قد يتعرَّضُ فيه للتعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو العقوبة المُهينة، وغيرها من الأضرار التي لا يُمكِنُ إصلاحها.

يتعلّقُ التعريف الدولي لللاجئ بالأفراد الذين لديهم خوفٌ مشروعٌ من العودة إلى بلدهم، ولا يوجد ما يبرر تطبيقه على نطاقٍ واسعٍ على شعبٍ بأكمله. إنَّ التقييمَ العام الذي يَعتَبِرُ سوريا بأكملها غير آمنة لا يُبرِّرُ اعتبار كلِّ سوري في لبنان على أنّهُ لاجئ. لا تُمنَحُ صفةُ اللاجئ بناءً على ادعاءات الأفراد أو مخاوفهم فقط؛ بل نتيجة آلياتٍ وإجراءاتٍ قانونية تعتمدها سلطات البلد المضيف من دون مخالفة القانون الدولي. ولا يوجدُ سببٌ أن يكونَ وَضعُ لبنان مختلفًا في ما يخصُّ اللاجئين السوريين.

الواقع أنَّ المشكلة الأساسية تكمنُ في اعتبارِ كلِّ سوري في لبنان “لاجئ” من قبل وكالات الأمم المتحدة وبإغفال السلطات اللبنانية وعدم قيامها بدورها.

لم تتعامَل حكوماتُ لبنان المُتعاقِبة بفعالية وموضوعية مع قضية اللاجئين السوريين، مما تسبّبَ في تحدّياتٍ خطيرة تتجاوز الأعداد الهائلة للاجئين وتضغطُ على المجتمعات المُضيفة. وتشمل التحديات وجود عدد كبير من الأطفال غير المُسَجَّلين المولودين لأبوين سوريين، واستغلال السوريين من قبل أصحاب العمل، وارتفاع معدلات الهجرة غير الشرعية، وحالات الاستخدام الاحتيالي للمُساعداتِ المُقَدَّمة من المنظّمات الدولية.

عادةً، يتمُّ حلُّ أزماتِ اللاجئين من خلالِ اعتمادِ واحدٍ من ثلاثةِ حلولٍ دائمة: العودة إلى البلد الأصلي بمجرّد تحسُّنِ الظروف، أو إعادة التوطين في بلدٍ ثالث، أو الاندماج في المجتمع المُضيف. ونظرًا لنقصِ الدعم الدولي، فإنَّ العودةَ إلى الوطن وإعادةَ التوطين تكادان أن تكونا مستحيلتَين. لكن دَمج اللاجئين الذين يُشكّلون حوالي ثلاثين في المئة من السكان في لبنان يُعتَبَرُ تحدّيًا وجوديًا للبلاد.

مع تراجُعِ حِدّة المواجهة العسكرية في سوريا، يرى المزيدُ من الدول أنّهُ ينبغي إعادة تقييم الوضع للسماح بالعودة الطوعية للاجئين السوريين إلى وطنهم. في تموز(يوليو) 2023، نصَّ قرارُ البرلمان الأوروبي بشأن الوضع في لبنان (2742/2023) بوضوحٍ على أنَّ “الشروطَ غير مُستوفاة لعَودَةٍ طوعية وكريمة للاجئين في المناطق المُعرَّضة للنزاع في سوريا”، مما أرسى الأساس للتمييز بين المناطق “المُعَرَّضة للنزاع” وأجزاءٍ أخرى من سوريا.

قامت دولٌ مثل الدنمارك بتحديثِ تصنيفها، مما يسمح بعودة السوريين إلى “المناطق الآمنة” المُعَيَّنة والمُصَنّفة الآن. على مدى العقد الماضي، تجاهلت السلطات اللبنانية باستمرار الدعوات لإعادة تحديد وضع اللاجئين السوريين في لبنان، وفشلت في تحديدِ مَن يَحُقُّ له البقاء ومَن هو المؤهَّل للعودة.

للتمييز بين اللاجئين السوريين وغير اللاجئين، على السلطات اللبنانية تشكيل لجنة مشتركة تتألف من مسؤولين من قيادة الجيش والمديرية العامة للأمن العام. وأن تقومَ هذه اللجنة بمراقبة الأوضاع في سوريا ومتابعة المناطق التي تحسّنت أوضاعها. وبناءً على هذه التقارير العامة، سيتم مراجعة وضع كل لاجئ سوري في لبنان.

ويجب على اللاجئين الآتين من مناطق تُعتَبَرُ آمنة الآن أن يتقدّموا بطلبٍ للحصولِ على إقامةٍ مؤقتة وفقًا للإجراءاتِ التشريعية اللبنانية الخاصة بالعمال الأجانب أو العودة إلى سوريا. ولأنَّ لبنان مُلتَزِمٌ بمبدَإِ عدمِ الإعادة القسرية، فإنَّ السوريين الذين لديهم مخاوف مشروعة تتعلّقُ بالسلامة سيتمكّنون من الوصول إلى لجنةِ استئنافٍ شبهِ قضائية، حيث سيتمُّ درسُ الحالات بشكلٍ فردي، مع مُراعاةِ الظروف الخاصة بدلًا من التقييم الشامل لسوريا. إذا كانَ خَوفُ مُقَدِّمِ الطلب من التعرُّضِ للأذى مُبرَّرًا ومؤكَّدًا، فسيتمُّ منحه الحماية القانونية الكاملة وفقًا للمعايير الدولية.

في حين أنهُ ينبغي النظر بجدّية في إمكانية عودة اللاجئين السوريين إلى المناطق السورية التي لا تشهدُ نزاعًا مُسلَّحًا حاليًا، إلّا أنَّ هناكَ عددًا من العقبات التي يجب التغلّب عليها. في أعقاب التقارب السعودي مع نظام الأسد، اجتمع وزراء خارجية الأردن والمملكة العربية السعودية والعراق وسوريا ومصر في عمّان، الأردن، في الأول من أيار (مايو) 2023. ويؤكّدُ البيان الختامي، الذي أقرّهُ جميع الوزراء، بمن فيهم الوزير السوري، على ضرورة قيام الحكومة السورية بإعطاء الأولوية للعودة الطوعية والآمنة للاجئين واتخاذ الخطوات اللازمة لبدء تنفيذ عودتهم على الفور. كما نصَّ على أنَّ الحكومة السورية والدول المُضيفة ستعمل على تعزيز تعاونها لتنظيمِ العودةِ الطوعية والآمنة، مع توضيح التدابير لتسهيل هذه العملية، بما في ذلك إدراج اللاجئين في مراسيم العفو العام. لقد كشفَ البيانُ حقيقةَ أنَّ نظام الأسد لا يزالُ يُشَكّلُ عائقًا كبيرًا أمامَ إعادة اللاجئين إلى وطنهم. وفي غيابِ أفُقِ رفع العقوباتِ وتدفُّقِ الأموال لإعادة الإعمار، فإنَّ الأسد غيرُ مُستَعِدٍّ لتسهيل عودة اللاجئين السوريين من دون إعادة قبوله من المجتمع الدولي وفي غيابِ الدعم المالي.

قد يَجدُ اللاجئون السوريون العائدون، الذين فقدوا أوراقهم الشخصية أو العقارية نتيجةً للنهب أو الضرر، صعوبةً في إثباتِ هويَّتهم أو مُلكِيَّتهم للممتلكات، الأمر الذي سيكون له عددٌ من الآثار السلبية. وقد لا يتمكّنون من إعادة منازلهم أو أراضيهم، مما يتسبّب في نزاعاتٍ حول السكن والأراضي والممتلكات. وسيؤدّي عدم تحديد الهوية أيضًا إلى الحدِّ من إمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية والحماية القانونية وفُرَص العمل، مما سوف يُفاقِم ضعفهم ويجعل إعادة إدماجهم في مجتمعاتهم أمرًا بالغ الصعوبة. ويُسلّطُ هذا الوضعُ الضوءَ على الحاجة إلى آلياتِ دعمٍ شاملة لمساعدة اللاجئين على استعادةِ هويَّاتهم القانونية وحقوق المُلكية عند عودتهم، الأمر الذي يتطلّبُ التعاونَ الكامل من البيروقراطية السورية – وهو جُهدٌ يفتقرُ حاليًا إلى الدعم السياسي في دمشق.

أدّت أزمة اللاجئين السوريين المستمرة منذ أكثر من عقد من الزمان في لبنان إلى استنزافِ موارد البلاد وتفاقم الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية. رُغمَ أنَّ لبنان مُلزَمٌ بموجب القانون الدولي بحماية اللاجئين ودعم عدم الإعادة القسرية، فإنَّ الخيارات المحدودة لمعالجة وجود العدد الكبير من السكان السوريين في لبنان وما يرتبط به من توتّراتٍ بين الطوائف تؤكّدُ على ضرورة اتباعِ نَهجٍ جديد.

ومن خلال معالجة الوضع القانوني للسوريين في لبنان والتمييز بين اللاجئين والمهاجرين (غير اللاجئين)، يستطيعُ لبنان ضمان تخصيص الموارد بشكل أكثر كفاءة، وتعزيز التماسك الاجتماعي، وتوفير الحماية القانونية اللازمة التي يحق للاجئين الحقيقيين الحصول عليها.

  • الدكتور إيلي أبو عون هو أستاذٌ محاضر في جامعة القديس يوسف في بيروت
  • موللي غالاغر هي أخصّائية برامج في منظمة “البحث عن أرضية مشتركة” .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى