التَّعميم 166 في لبنان:  الخَيبَةُ مُضاعَفَة

البروفسور مارون خاطر*

بَعدَ مَخاضٍ بدا عسيرًا، خَرَجَ التعَّميم 166 عن مصرف لبنان إلى النُّور “كتعديلٍ غَيرِ بَديل” عن التعميم 151 الذي بَقي طَيفه حاضرًا عبر الإبقاء على سعر الـ 15000 ليرة كأداةٍ مُستدامة لتذويب الودائع بانتظارِ تَحديدِ سِعرِ صَرفٍ سَيبقى غَير قابل للتطبيق.

لم يَتَطابَق التَّعديل الجَديد بالكامِل مع ما تَمَّ تسريبُهُ مِن معلوماتٍ حَولَ مَضمونه فَصَدَرَ مُضافًا إليه القَليلُ مِمَّا يَشفي والكثير ممَّا يُدمي. من الثَّابت أنَّ أيَّ تعديلٍ لأيِّ تعميمٍ لا يُمكنُ أن يُشكِّل حلًّا لمشكلة الودائع إلَّا أنَّ التعميم 166 كان يبدو قبل إعلانه وكأنه توزيعٌ عادلٌ للفُتات المُتساقط عن طاولة مَن أضاعوا الحُقوق والآمال على أصحابِ الحَقّ والمَال فأتت الحقيقة مُغايرة. يُسَجَّل للتَّعميمِ الجَديد أنَّه أكَّد وأثبَتَ أنَّ الوَدائعَ المُقوَّمَة بالدولار بعد 31 تشرين الأول (أكتوبر) 2019 هي ودائع “مؤهَّلة” داحضًا زَعم المُفاوضين الخُبثاء. إلَّا أنَّ مصرفَ لبنان وبِحَصرِهِ الاستفادة من التعميم 166 بأصحاب الحسابات المَفتوحة بعد نِهايَة تشرين الأوَّل (أكتوبر) 2019، يَكون قد وَضَعَ في مَصَاف “غير المؤَهَّلين” الكثيرين من أصحاب الحِسابات المُقوَّمة بالدولار من الذين لم يَستفيدوا مِن مُندَرَجات التَّعميم 158 ولم يَفتحوا حساباتٍ جديدة بعد 31 تشرين الأول (أكتوبر) 2019. فبالإضافة إلى شروطه التَّعجيزية، خَضَعَت الاستفادة من التَّعميم 158 لاستنسابيَّة المَصارف وظُلمها بحيث لم يَتعدَّ عدد المودعين المستفيدين منه 200 ألف مودع مما يجعل عدد الحسابات المُستفيدة أقل من 200 ألف حساب إذا تمَّ احتساب الحسابات المشتركة. حالَ ذلك دونَ جَعِل التَّعميم 158 مَمَرًّا سهلًا إلى الودائع وشَجَّعَ الكثيرين على سَحبِ أموالهم عبر شيكاتٍ مصرفيَّة أو على نقلها إلى مصارف أخرى دون أن يَتَمَكَّن التَّعميم 682 المؤجَّل من إنصافهم؛ وهو لَن يُنصِفَ الكثيرين إن طُبّق. في سياقٍ مُتَّصِل نُشيرُ إلى أنَّ في مَنع “كلِّ مَن استفادَ أو يستفيد من التَّعميم 158″من الاستفادة من التَّعميم الجديد إجحافٌ كبير بِحَقّ من وَقَعَ جُزءٌ صغيرٌ من أرصِدَةِ حساباتِهِ تَحت مظلَّة التَّعميم 158 في الوقت الذي بَقي الجُزءُ الأكبر من ودائعه ممنوعًا من الاستفادة فباتت “غير مؤهَّلة” أيضًا وأيضًا.

إن لَم تَكُن هذه الأخطاءُ البنيويَّة مقصودةً، فإننا نَنتظرُ ونُطالِبُ بتعديلِ التَّعميم 166 بأسرعِ وَقتٍ مُمكِن. إنَّها المَرَّة الثَّانية التي نطلبُ فيها تعديلًا بنيويًا لتعميم بعد أن طلبناه بإلحاح عند إصدار التَّعميم 682!

في سياقٍ مُتَّصِل مُتَعلق بشروط الاستفادة من التَّعميم 166 نسأل: هل من مُستفيدٍ من التعميم 158 بعد 31 تشرين الأول (أكتوبر) 2019؟ ألم يكن هذا التاريخ أحد أسباب “الحُرم” والظُّلم؟ أمَّا إذا كانَ المَقصود هو التَّعميم 682 فنسأل: ألم يَلمس حاكم مصرف لبنان بالإنابة تلكّؤًا مِن قبل المصارف حيال تطبيق هذا التعميم بَعدَ طلبِ تأجيله بالتَّوازي مع عدمِ إصدارِ آلياتِهِ التطبيقيَّة؟ إنَّ مَنعَ المُضاربين والمُستفيدين من “صَيرفة”، ومَن حَوَّلَ مبالغ ضخمة إلى الدولار ومَن سَدَّد القروض، من الاستفادة من التَّعميم 166 تدبيرٌ ممتاز، إلَّا أنَّه يَبقى عُرضَةً لاستنسابيَّة المصارف، مما يدفعنا لأن نسأل من دونِ وَجَل: لِمَن فَتَحَت المَصارف حِسابات جديدة بعد 31 تشرين الأول (أكتوبر) ليستفيدوا وَحدَهُم من التَّعميم 166؟ ألمستثمرون لبنانييون وعرب استقطبهم الانهيار؟ أم لِمَن أراد أن يُحَوّلَ وديعته إلى الدولار وتسديد قرضه والمتاجرة بالشيكات والاستفادة من “صيرفة” التي أمَّنت تكاليف تشغيل المصارف ومصدر دخل الكثير من مدراء وموظَّفي الفُروع لأشهر طويلة؟ إستطرادًا نسأل: إذا كانَ مَن لم يَستفِد من التَّعميم 158 قبل 31 تشرين الأول (أكتوبر) 2019 لا يستفيد اليوم من التَّعميم 166، وإذا كان مَن يَستفيدون من التعميم 158 عبر التعميم 682 لا يستفيدون أيضًا، وإذا كان السَّواد الأعظم مِمَّن فَتَحَ حسابات بالدولار بعد 31 تشرين الأول (أكتوبر) 2019 فعلوا ذلك للمضاربة أو لتسديد القروض أو للتحويل إلى الدولار وهم مَمنوعون من الاستفادة، وعن حَقّ، فمَن هم المُستَفيدون من هذا التعميم؟ إنَّهُم قِلةٌ قَليلةٌ مِنَ المُودعين مِمَّن أذَنَ لَهم القَدَر بالفُتات مكافأةً أو سَتَصنَع لَهُم المَصارف بَعضَ القَدَر “بالمُوارَبَة”.

لماذا تَرفُضُ المصارف تعميمًا بكلفةٍ زهيدة يُثيرُ ضجةً كبيرة، لا يَردع الاستنسابيَّة ولا يُحاسب أحدًا؟ تعميمٌ يَضَع الحَجر الأساس لجدولة الودائع على عشرات السنين! تَعميمٌ يضمن ديمومة تذويب الودائع بسبب استمرار إمكانية السَّحب بحسب التعميم 151 لِمَن لم يَستَفِد من التعميم 166 أو لمَن يَرغب وهم كثيرون كما بدا. الأخطر أنَّه قد يتمُّ اعتماد سعر صرف جديد للودائع على طريقة “الكِحل أفضَل من العَمى” يكون أكثر من ضُعف الـ 15,000 ليرة وأقل من نِصف الـ 90,000 ليرة فَيَستَعِر “الهيركات الإرادي” كنتيجة للظلم ولفقدان الأمل فتتخلّص المصارف من المزيد من الودائع عَبر “التَّذويب القَسري”.

رَضي المودعون بالظلم عدلًا فلم يأتِهِم العدل حتى من طريق الظلم …

التعميم 166 كما صدر يجعل الجنازة حامية والخَيبة مُضاعفة … فَهَل يَسمح التعديل للظلم أن يكون أكثر َعدلًا؟

إنَّ غدًا لناظِرِهِ قَريب!

  • البروفسور مارون خاطر هو أكاديمي لبناني، كاتب وباحث في الشؤون الماليَّة والاقتصاديَّة. يمكن متابعته عبر منصة تويتر (X) على: @ProfessorKhater
  • يَصدُرُ هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى