هل ستؤدي استراتيجية “حزب الله” إلى إغراقِ لبنان في “طوفان الأقصى”؟

مايكل يونغ*

بعد ثلاثة أيام على الهجوم الذي شنّته حركة “حماس” على إسرائيل، يتساءل العديد من الناس ما إذا كان من الممكن احتواء الصراع بين “حماس” وإسرائيل في غزة وما حولها. فقد نشرت الدولة العبرية تعزيزات كثيفة على حدودها الشمالية مع لبنان خلال ال 24 ساعة الماضية، ما يشير إلى أن إسرائيل تستعدُّ لصراعٍ مُحتَمَلٍ مع “حزب الله”، وهو ما سيمثّلُ تصعيدًا كبيرًا.

يوم الأحد الفائت، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أنَّ إيران و”حزب الله” تعاونا بشكلٍ وثيق مع “حماس” في تنظيم هجمات السابع من تشرين الأول (أكتوبر). وإذا كان هذا صحيحًا، فإنه يشيرُ إلى مستوى من التخطيط والتنسيق يجعل من المرجح جدًا أن يكون الأطراف الثلاثة اتفقوا على ما يمكن أن يُشكّلَ “خطوطًا حمراء” للانتقام الإسرائيلي، التي بعدها سيدخل “حزب الله” المعركة.

وهذا ما تمَّ تأكيده بشكلٍ أو بآخر في مقالٍ نشرته صحيفة “الأخبار” المقرّبة من “حزب الله” في بيروت يوم 9 تشرين الأول/أكتوبر. أشارت الصحيفة إلى أن “قوى محور المقاومة وضعت سقفًا مُعَيَّنًا لما أسمته الخطوط الحمراء، والتي يعلمها العدو، والتي إذا تم تجاوزها تحت أي ظرف من الظروف، ستشتعل الجبهات، ربما دفعة واحدة”.

ولم تحدد الصحيفة ماهية هذه الخطوط الحمراء، لكن إشارتها إلى ردودٍ مُتزامنة مُحتَمَلة على مختلف الجبهات، أشارت بشكلٍ غير مباشر إلى ما أسماه “حزب الله” “توحيد الجبهات” أو “توحيد الساحات”. ويكاد يكون من المؤكد أن هذا الجهد ترعاه إيران لتشكيل جبهةٍ واسعة ضد إسرائيل ــمن غزة، ولبنان، وربما سوريا، وربما الضفة الغربيةــ وإحاطة الدولة العبرية بجدارٍ من الصواريخ.

ويبدو أن هذا التصعيد في المواجهة مع إسرائيل يخدم أغراضًا عدة: عرقلة التسوية السلمية بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل؛ والإظهار لإسرائيل أن لدى إيران العديد من الخيارات لمواجهة القصف الإسرائيلي المنهجي لمواقع إيران و”حزب الله” في سوريا؛ والأهم من ذلك، وضع “حماس” في موقفٍ يسمح لها بالسيطرة على القضية الفلسطينية، على حساب حركة “فتح” الرئيسة، وربما تصبح الممثل الرئيس للشعب الفلسطيني القادر على قيادة صراع مسلح جديد.

في هذا الإطار الأوسع يجب تقييم ما يمكن أن يحدث في لبنان. من خلال تسليط الضوء على استراتيجية “توحيد الساحات”، لا يستطيع “حزب الله” أن يقفَ مَكتوفَ الأيدي إذا هدّدت إسرائيل “حماس” وجوديًا. ولا يمكنه أن يظل متفرّجًا وخاملًا إذا دخلت القوات الإسرائيلية غزة وبدأت قتل العديد من المدنيين.

ولكن هذا هو المكان الذي يبدأ فيه عدم اليقين. إذا دخلت إسرائيل غزة وطاردت قيادات “حماس”، فإن أولوية “حزب الله” سوف تتلخّص في فتح جبهة ثانية (وربما ثالثة ورابعة) ضد إسرائيل لوقف الزخم الإسرائيلي. ومن خلال القيام بذلك، فإنه سبجلب ويستعين بميليشياتٍ مسلحة من العراق وربما اليمن لتعزيز قواته، الأمر الذي قد يؤدي إلى توسيع نطاق العمليات.

وبمجرد حدوث ذلك، فإنه يعني تكثيفًا جذريًا للصراع واحتمالًا حقيقيًا للغاية بأن يتحوّلَ إلى حربٍ إقليمية. وفي ظل هذه الظروف، فإن العمليات العسكرية الإسرائيلية قد تشمل إيران، وهو ما قد يجتذب الولايات المتحدة، ما يؤدّي إلى وضعٍ بالغ الخطورة على مستوى العالم.

مع ذلك، فإن جميع الأطراف تدرك هذا الواقع، والأهم من ذلك أن نتائج مثل هذا الحريق لن تكون قابلة للتنبؤ إلى حدٍّ كبير. لذلك، من المرجح أن تكون أحزاب محور الممانعة قد فكرت في طُرُقٍ أخرى لتجنّب مثل هذه النتيجة. فبعد أن وجهت ضربة قاسية ضد إسرائيل، فمن المنطقي بالنسبة إليها أن تتوقف وتستغل نجاحها سياسيًا، بدلًا من الدخول في حرب قد تؤدي عواقبها النهائية إلى إضعاف محور الممانعة.

أينَ توجد هذه الأمور؟ أوّلًا، في دافع “حزب الله” للدخول في المعركة بمجرد دخول القوات الإسرائيلية إلى غزة. من خلال عدم تحديد خطوط حمراء إسرائيلية واضحة حتى الآن، ربما يحاول “حزب الله” تجنّب حبس نفسه في موقفٍ يتعيّن عليه فيه التصعيد. ثانيًا، قد تختلف طبيعة الانتقام. فإذا كانت “حماس” تتعرّض للضرب من جانب إسرائيل ولكنها تمكنت من الصمود في معركة غزة، فقد يقرر “حزب الله” أنه لا يحتاج إلى فتح جبهة جديدة، باستثناء الهجمات المحدودة نسبيًا ضد إسرائيل.

من المفارقات أن التفكيرَ الإسرائيلي قد يكون أقرب إلى تفكير “حزب الله” أكثر مما نعرف ونعتقد. وإسرائيل أيضًا قد لا تستمتع بحرب إقليمية. ولذلك، يمكنها أيضًا أن تقبل بتفاهم غير مكتوب مع “حزب الله” يمنح الحزب درجةً من الحرية لضرب أهداف إسرائيلية، وبعدها ستضرب إسرائيل لبنان بشدة.

هل سيكون هذا للمرة الأولى؟ ليس صحيحًا. أثناء احتلالها للبنان، توصّلت إسرائيل، وبشكل غير مباشر، مع “حزب الله”، إلى تفاهم نيسان (إبريل) 1996، الذي كان يهدف إلى تجنب وقوع إصابات في صفوف المدنيين وتجنب قصف “حزب الله” لإسرائيل. ومع ذلك، كان البُعدُ الضمني للاتفاق هو أنه إذا فشلت إسرائيل في الوفاء بالتزاماتها من الصفقة وقتلت أو جرحت مدنيين، فإنها ستعتبر انتقام “حزب الله” في الأراضي الإسرائيلية ضمن القواعد المقبولة للعبة.

لدى جميع الأطراف مصلحة في تجنّب حدوث انفجار إقليمي، ولكن من المهم أن نلاحظ أنه إذا امتدَّ الصراعُ في غزة إلى لبنان، فإن هذا الانفجار سيكون أكثر احتمالًا. علاوة على ذلك، فإن الهاجس الرئيس لإسرائيل هو مصير عشرات الإسرائيليين الذين اختطفهم الفلسطينيون، والذين تقدر “الأخبار” عددهم، سواء كان ذلك موثوقًا أم لا، بـ 130 شخصًا.

وسيتعيّن على “حزب الله” بدوره أن يشرحَ الحرب المدمّرة للشعب اللبناني الذي تعارض غالبيته بشدة ما يفعله “حزب الله” اليوم. يأتي ذلك في وقت انهار اقتصاد لبنان ويشعر اللبنانيون بالاشمئزاز.

كل هذا لا يعني أن حربًا شاملة قد لا تحدث، ولكن ربما لا تعتبرها جميع الأطراف الخيار المرغوب فيه أكثر إذا تمكنت من حفظ ماء وجهها من خلال الانخراط في أعمالٍ أقل حجمًا تحافظ على قدرتها على الردع. وما يمكن أن نراه في الفترة المقبلة هو جهدٌ من جانب الجميع للتحرك على أطرافِ أصابعهم بين قطرات المطر لتجنّب حربٍ كبرى. ولكن ما مدى سهولة الوقوف على أطراف أصابعك بين قطرات المطر؟

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى