الإتِّحاد يَتَمَرجَل

راشد فايد*

لا داعي للَومِ الإتحاد الأوروبي على قرارٍ “يدعَمُ إبقاء اللاجئين السوريين في لبنان”، فهو نهجٌ كانت ذروته تبلوَرت في مواقف مؤتمر بروكسل قبل أسابيع، حين تمَّ رَفضِ عودة النازحين إلى بلادهم. وكما أثار موقفُ بروكسل موجةَ غضبٍ سياسية في بيروت، يومها، من دون أن يصدرَ أيُّ تعليقٍ رسمي عن الحكومة اللبنانية أو وزارة خارجيتها، يتكرّرُ الأمرُ اليوم، ويُتيحُ الصمتُ اللبناني، للمحايدين، الاستنتاج أنَّ البرلمانَ الأوروبي مُحِقٌّ في “اتهامِ الشعبِ اللبناني بالسماح للخطاب المُناهض للاجئين بالازدهار”، وفق قول النائب الفرنسي في البرلمان الأوروبي اليميني تييري مارياني، أنَّ “البرلمان الأوروبي صوّت بغالبية ساحقة على قرارٍ يدعمُ إبقاء اللاجئين السوريين في لبنان”.وقال: “البرلمان الأوروبي سيتّهم تقريبًا أحد أكثر الشعوب ترحيبًا بضيوفه، بكراهية الاجانب”، و”الأسوأ من ذلك أنه يدعو مجددًا إلى إبقاء اللاجئين السوريين على الأراضي اللبنانية بدلًا من إعادتهم الى سوريا”.

واضحٌ أنَّ الإتحاد الأوروبي “يَتمرجَل” على لبنان الضعيف، ويتجاهل مسؤولية النظام السوري عمّا آلَ إليه حال السوريين من تهجير، داخل بلادهم، ولدى جيرانهم، لا سيما لبنان، حيث يكاد يتوازى عدد اللاجئين (40 % من المقيمين على الأراضي اللبنانية) مع عدد اللبنانيين، مع فارق أساسي أنَّ المساعدات الدولية، لا سيما الأممية والأوروبية والعربية، تُركّزُ على تحسين ظروف “الضيوف” ولا تساوي المحليين بهم، إلّا لمامًا. وبرُغمِ أنَّ القرارَ الأخير لفت إلى ما سمّاه “عدم تلبية الشروط للعودة الطوعية والكريمة للاجئين في المناطق المُعرَّضة للصراع في سوريا”، فإنه لم يفرض أي توجيه إلزامي على النظام السوري، وبدا كلامه إليه أقرب إلى نصائح، موجَّهة إلى صاحب نيّات حسنة، لم يعرقل، ويمنع أبناء بلده من العودة إليه، ويُطبّقُ عليهم شروطًا أمنية وسياسية، لا تُمارَس سوى في الأنظمة الديكتاتورية، وهو ليس غريبًا عنها.

يمكن اختصار فحوى القرار الأوروبي بأنه حوى توصيات للبنان، أقرب إلى أمنيات، لا تُلزمُ أحدًا، تتميّز بإثارة “العَلك” السياسي، الذي لن يُقدّمَ أو يؤخّرَ في المسألة، طالما لا ينطوي على خطةِ حلٍّ قابلٍ للتنفيذ، بل جمع ملاحظات يعرفها كل متابع.

لم يرَ الاتحاد في توصياته، غير الملزمة، أهمية تقديم مقترح تنفيذي، ولولا بند تشكيل فريق عمل دولي، لكان فحوى المقررات مجرد رفع عتب يصلح فيه قول “وفيت قسطك للعلى فنم”، الذي يُنسَبُ إلى خليل مطران، وجبران خليل جبران في آنٍ واحد.

كان يمكن، من باب التوجيهات الأوروبية، الإستدلال بما أقدمت عليه تركيا، بترحيلها قبل أيام مجموعات من اللاجئين إلى مناطق آمنة في بلادهم، وهو ما يمكن للبنان، بإشراف أممي، أن ينفذه في الأراضي السورية الآمنة حيث يمكن نصب خيم مؤاتية، بمواصفات مناسبة، تحت إشراف الأمم المتحدة، يقيمون فيها إلى أن يعاد إعمار المناطق المتضررة،على أن يكون الأمر، بكل مراحله طواعية وبكرامة مصانة.

كون التوصيات غير ملزمة للبنان بشيء، لا يعني أن تتجاهلها الحكومة اللبنانية، فلا تَدخُلُ مُنفَرِدة في ماضي الأيام الآتية (عنوان لأنسي الحاج) بل يرافقها توضيح لبناني للتجنّي الأوروبي، ووزن عبء اللاجئين، سوريين وفلسطينيين، على لبنان، خصوصًا في ظل دولة متهالكة، لم  تفكر يومًا بأبعد من أنفها.

في المقابل، لم يلحظ الإتحاد الأوروبي رفض مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة المعنية بالموضوع، إعطاء جداول رسمية للسلطات اللبنانية إلّا عبر منحهم إقامات دائمة، وهو ما يعتبر توطينًا مبطّنًا، يرفق بالتلويح بمساعدات مالية للبنان إن رضخ.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى