دولُ الخليج تَضَعُ أُطُرًا تنظيميّة للتمويل اللامركزي

يُمكِنُ للتمويل اللامركزي أن يَسمحَ لدولِ مجلسِ التعاون الخليجي تعزيزَ قطاعاتها المالية، وأن يؤدّي إلى عملياتِ تبادلِ العملات المشفّرة الجديدة بزيادة الشفافية والأمان والشمولية.

الهيئة العامة لسوق المال في عُمان: تتطلّع إلى إنشاءِ إطارٍ تنظيمي جديد لصناعة الأصول الافتراضية.

عمّار الحلّاق*

فيما تتطلّعُ دولُ مجلس التعاون الخليجي إلى تسخيرِ واستخدام أشكالٍ جديدة من التكنولوجيا المالية (fintech)، مثل “بلوكتشان” (blockchain)، وتعميق خدماتها المالية وتوسيع الشمول المالي، تتبنّى الحكومات التمويل اللامركزي وتعمل على جذب شركاتِ العملات المشفّرة إلى المنطقة.

في التمويل اللامركزي –حيث الخدمات المالية تجري من نظيرٍ إلى نظير بدون سلطةٍ مركزية أو وسيطٍ يشارك في التجارة والإقراض والاستثمار وغيرها من الأنشطة– ترى دولُ مجلس التعاون الخليجي فُرصةً لتنويعِ اقتصاداتها واحتضانِ تكنولوجيا الWeb3 – مثل “بلوكتشان” وإنترنت الأشياء، والذكاء الاصطناعي، والواقع الافتراضي، والتعلّم الآلي، والجيل الخامس، والحوسبة السحابية والحوسبة المتطورة– لتعزيزِ الخدمات المالية مع الاقتصادات القائمة على الرموز.

في نيسان (إبريل)، اقترحت هيئة التسجيل في سوق أبوظبي العالمية، وهي مركز مالي دولي ومنطقة حرة، إطارًا تشريعيًا لتكنولوجيا دفتر الأستاذ المُوزِّع التي تستهدف الإفصاحات والتصفية وهياكل الحوكمة لبناء اقتصاد التمويل اللامركزي.

في وقتٍ سابق من الشهر الفائت، بدأت هيئة الأوراق المالية والسلع في الإمارات العربية المتحدة قبول طلبات الترخيص للشركات التي تتطلع إلى تقديم خدمات التشفير بعد صياغة وإصدار نظامِ ترخيصٍ إلزامي يعتمد على نموذج سلطة دبي لتنظيم الأصول الافتراضية، والتي وضعت إطارها التنظيمي الخاص بالتشفير في آذار (مارس).

سهولة المعاملات

مع ارتفاعِ أسعار الفائدة الأميركية وتصاعد معدل التضخّم الذي يُضعِفُ العديد من العملات الورقية في جميع أنحاء العالم، فإنَّ العملات المشفّرة والتبادلات اللامركزية التي يتم تداولها بها تسمح للمستخدمين في الأسواق الناشئة الحدَّ من التعرّض لضغوط الاقتصاد الكلي وتيسير تدفق المعاملات.

يمكنُ أن يقدّمَ التمويل اللامركزي أيضًا مزايا كبيرة في جميع أنحاء الاقتصاد، لأنه يُخفّضُ الرسومَ بسبب نقص الوسطاء، ويُعزّزُ الشفافية والأمان باستخدام تقنية “بلوكتشاين”، ويخلق معاملات سلسة بين الحسابات والكيانات التي لا يوجد فيها كيانٌ مركزي.

شهدت العملات المُشَفَّرة، التي يُنظَرُ إليها منذ فترة طويلة على أنها وسيلةُ تَحَوُّطٍ ضدّ التضخم، واحدة من أكبر الانخفاضات منذ النصف الثاني من العام 2021، عندما تصاعد التضخم في جميع أنحاء العالم، ما دفع العديد من البنوك والمؤسسات المالية إلى التشكيك في استدامتها – وأبرزها بعد انهيار شركة تبادل العملات المشفّرة المتمركزة في جزر البهاماس “أف تي أكس” (FTX) في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.

لا تزال الأسواق الغربية متقلّبة في ما يتعلق بالعملات المشفّرة، ليس أقلها مع تقارير وسائل الإعلام الدولية في نيسان (إبريل) الماضي أنَّ أكبر منصة تداول للعملات المشفرة في العالم، “بينانس” (Binance)، قد خلطت أموال العملاء مع إيرادات الشركة في العامين 2020 و2021.

ومع ذلك، فإن الأسواق الناشئة تقود امتصاص تبنّي العملات المشفرة لتعزيز الشمول المالي، خصوصًا بعد أن حفّزت جائحة كوفيد-19 النمو واعتماد حلول التجارة الإلكترونية الجديدة وجذب العديد من المواطنين للبحث عن طرقٍ مبتكرة للوصول إلى الخدمات المالية.

إقليميًا، كان 50٪ من المواطنين في الشرق الأوسط وأفريقيا لا يملكون حسابات مصرفية في العام 2021، بينما بلغ متوسط أميركا الجنوبية والوسطى 38٪، وأوروبا الشرقية 33٪، وآسيا والمحيط الهادئ 24٪. وفي الوقت نفسه، فإن 94٪ من المواطنين في غرب ووسط أوروبا لديهم حسابات مصرفية، وفقًا لدراسة أجرتها منصة الأبحاث البريطانية “ميرشانت ماشين” (Merchant Machine).

جاء أكبر نمو في تبنّي العملة المشفرة في العام 2022 في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث بلغ حجم المعاملات المشفّرة 566 مليار دولار من تموز (يوليو) 2021 إلى حزيران (يونيو) 2022، بزيادة 48٪ عن الفترة نفسها من العام السابق، في حين نمت معاملات التشفير في أميركا اللاتينية بنسبة 40٪، وأميركا الشمالية 36٪، ووسط وجنوب آسيا 35٪، ومناطق أخرى 22٪ أو أقل، وفقًا لتقرير صادر عن “تشايناليسيس” (Chainanalysis).

احتلت تركيا المرتبة الأولى في سوق العملات المشفرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حيث بلغ حجم المعاملات فيها 192 مليار دولار، تلتها مصر ثم لبنان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

لزيادة الأمان لمستخدمي العملات المشفّرة، أطلقت شركاتٌ عدة عملاتٍ مُستَقرّة – وهي عملاتٌ مُشَفّرة مُرتَبطة بأصلٍ مرجعي مثل العملات الورقية، أو السلع المتداولة في البورصة مثل النفط أو الذهب، أو العملات المشفرة الأخرى مثل البيتكوين أو الإيثيريوم.

في آذار (مارس)، أطلقت منصة الأصول الرقمية والعملات المشفرة “AsHuMon” عملةً مُستَقِرّة مُبتَكَرة مدعومة بسبع عملات إقليمية، وفي أيار (مايو)، جمع بروتوكول التمويل اللامركزي “نوم فينانس” (Num Finance) تمويلًا بقيمة 1.5 مليون دولار لتوسيع عروضها من العملات المستقرة في أميركا اللاتينية والشرق الأوسط، والتي ستتضمن عملةً معدنية تصدرُ في حزيران (يونيو) مربوطةً بالدينار البحريني.

إذا تمكّنت دول الخليج من الاستمرار في البناء على زخمها التنظيمي وجذب التمويل اللامركزي، واستمرّت الشركات والمواطنون عبر الأسواق الناشئة في تبنّي العملات المشفّرة ونموذج التمويل اللامركزي، فهناك فرصٌ كبيرة للتبادلات التي تتخذ من منطقة الخليج مقرًا لها لتصبح رائدة عالميًا في التكنولوجيا الناشئة. من المتوقع أن يصل سوق التمويل اللامركزي العالمي إلى 232.2 مليار دولار بحلول العام 2030، ارتفاعًا من 12.0 مليار دولار في العام 2021، وفقًا لشركة الاستشارات الاقتصادية “زيون لأبحاث السوق” (Zion Market Research).

التقدم التنظيمي

إنَّ مصلحةَ دول مجلس التعاون الخليجي للاستفادة من وعد التمويل اللامركزي يتطلّب قوانين وأنظمة شفافة لجذب الشركات الأجنبية، وهو أمرٌ تم التأكيد عليه في التطورات الأخيرة في أبو ظبي ودبي.

بالإضافة إلى الإمارات، أنشأت سلطنة عُمان فريقَ عملٍ رفيع المستوى في العام 2021 لدراسة المزايا الاقتصادية لاستخدام العملات المشفرة، واتخذت الهيئة العامة لسوق المال، وهي الجهة المنظمة للأسواق المالية، تدابير لقوننة وتنظيم منتجات وخدمات التمويل اللامركزي. في العام 2022، تم تعيين شركة استشارية لتقديم المشورة بشأن الإطار التنظيمي. وبالمثل، في تشرين الأول (أكتوبر)، حثَّ البنك المركزي العُماني علنًا المواطنين والمُقيمين على توخّي الحذر في استخدام العملات المشفّرة بعد موجةٍ من الاحتيال العالمية.

في الآونة الأخيرة، ذكرت وسائل الإعلام الدولية في شباط (فبراير) أن الهيئة العامة لسوق المال العُمانية تتطلّع إلى إنشاءِ إطارٍ تنظيمي جديد لصناعة الأصول الافتراضية.

وفي الوقت نفسه، تعمل سلطة دبي لتنظيم الأصول الافتراضية على إنشاء وفرض ضمانات شاملة، وتوضيح تكاليف الامتثال التي يمكن أن تكون نموذجًا للمنطقة. يجب على الشركات التي تتطلع إلى تقديم خدمات الصرف والتبادل دَفع رسوم طلبٍ قدرها 100,000 درهم (27,200 دولار) ورسوم إشرافٍ سنوية تبلغ ضعف هذا المبلغ. بمجرّد القبول، يمكن للشركات التقدّم بطلبٍ للحصول على خدماتٍ أخرى مثل الإقراض الذي يجلب رسوم ترخيص إضافية.

على الرُغمِ من أن القواعد لا تزال قيد التنفيذ، إلّا أنها تخلق فرصة للإمارة لتحقيق طموحاتها في تشجيع اعتماد تقنية “بلوكتشاين” والعملة المشفرة، وجذب أكثر من 1000 شركة و40,000 وظيفة افتراضية بحلول العام 2030. في العام 2017، بدأت دبي العمل على أول عملة مشفرة حكومية في العالم تدعى “emCash”، والتي تم إطلاقها في العام 2020.

من جهتها حرصت أبو ظبي دائمًا على تطوير نفسها كمركز رائد للتمويل اللامركزي، مع إدخال هيئة التسجيل في سوق أبوظبي العالمية قوانين الأصول الرقمية في العام 2018. في شباط (فبراير) أُطلِقَ “المركز 71” (Hub 71)، النظام البيئي العالمي للتكنولوجيا الموجود في هيئة التسجيل في سوق أبوظبي العالمية، مبادرة بقيمة 2 ملياري دولار سُمِّيت “مركز 71 + أصول رقمية” (Hub71+ Digital Assets) لدعم تكنولوجيا “Web3” والشركات الناشئة في مجال تقنية “بلوكتشاين” في المنطقة.

تم تعيين الإطار التشريعي الذي اقترحته هيئة التسجيل في سوق أبوظبي العالمية لتحفيز شركات التشفير لتأسيس نفسها وتنمية أعمالها. جمعت منصة التمويل اللامركزي ” ZKX” ومقرها الإمارات في العام الماضي 4.5 ملايين دولار في جولة تمويل أوّلية من “Alameda Research” و”Amber Group” و”Crypto.com” و”Huobi” و”StarkWare”، بهدف زيادة سرعة المعاملات وخفض رسوم الغاز.

تسعى البحرين أيضًا إلى تطوير نظامها الإيكولوجي لخدمات التشفير وقد طورت قوانين أصول التشفير الخاصة بها للترخيص، وهي جهود مهدت الطريق لـ”بينانس” (Binance) لإطلاق أول منصة لها في دول مجلس التعاون الخليجي في كانون الثاني (يناير) في المنامة.

  • عمّار الحلّاق هو مراسل “أسواق العرب” في دولة الإمارات العربية المتحدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى