الماهاتما بالريشة الطبشورية

آدارش باجي في صورة له عند افتتاح معرضه قبل أَيام

هنري زغيب*

بين الظواهر الفنية التي يعتمدها الرسامون: تمجيدُ الكبار، دينيِّهم والدنيويّ، بعدد من الأَعمال التي تُبرز هؤُلاء في وجوه أَو مواقف أَو مواقع مختلفة، تجعلهم في الرؤْية وتُبقي على وهجهم الدائم.

هذا ما اعتمده الرسام الهندي آدارْش باجي (Adarsh Baji) في وضعه رسومًا مختلفة لأَيقونة الهند الخالدة الماهاتما غاندي.

فكيف كان ذلك؟

غاندي رسول السلام

الماهاتما

كان موهانداس كارامشانْد غاندي (1869-1948) شخصية فذة في الهند، حتى أَن شاعر الهند الأَكبر رابندرانات طاغور (1861-1941) هو الذي سنة 1915 أَطلق عليه لقب “ماهاتما”، والكلمة من السنسكريتية وتعني “الروح الأَكبر”.

وإِذ صدرت معظم الأَعمال عن غاندي حول فلسفته اللاعنف، ودعوته إِلى السلام، وتأْثيره في جيله وما تلاه من أَجيال في الهند، اختار الرسام أَن يخلِّد ذكراه تشكيليًّا في مجموعة رسوم بالقلم الرصاص والقلم الطبشوري، تُظهر أَفكاره وسيرته ومسيرته الفريدة، بدأَت عرضَها هذا الأُسبوع “غالري كالاكْريتي” في حيدر آباد.

المعرض، وعنوانه “أَعطُوا السلام فرصة”، يستمر ثلاثة أَسابيع: حتى الثامن عشر من هذا الشهر.

الناحل الذي غيَّر تاريخ بلاده

من هو آدارش؟

ولد سنة 1982 في مدينة غونتور (64 كلم جنوبي خليج البنغال)، ويُشتهَر باعتماده عددًا من الوسائط الفنية بين زيتية ومائية وطبشورية. نال منحة دراسة خمس سنوات (2004-2009) من مؤَسسة كريشْناكْريتي، ونال شهادة البكالوريوس في الفنون الجميلة من “جامعة جواهر لال نهرو للهندسة والفنون الجميلة” وشهادة الماسترز من جامعة حيدر آباد.

شارك في وُرش عمل كثيرة لدى مناطق عدة من الهند، منها في بارودا سنة 2014، وفي نيودلهي سنة 2015، وفي مومباي سنة 2016، وفي أَحمد آباد سنة 2017، ونال “جائزة كالاناد” الهندية الكبرى للرسم بالقلم الرصاص، والجائزة الأُولى من المعرض الوطني التاسع والعشرين للفنون الحديثة في ناغبور (2016)، ومنذ 2005 تنتشر أَعماله في عدد كبير من المجموعات الخاصة في البلاد.

غاندي في رؤْية باجي

هو وغاندي

ركَّز باجي الكثير من أَعماله على شخصية غاندي، ومفهومه للسلام، ورؤْيته للهند، والتزامه بقضاياها الشائكة. معظم أَعماله بالطبشور. بدأَ بها قبل نحو عشر سنوات (2013) كي يركِّز شخصية هذا الرجل الاستثنائي وتأْثيره في تاريخ الهند، وقبلذاك تأْثيره عليه شخصيًّا: رجل ناحل شبه سقيم غيَّر في قدَر بلاد كبرى كالهند. وفيما كان العالم كلُّه يتخبط في خلافاته ومشاكله ومعضلاته وحروبه كان غاندي يبشِّر بالسلام الذي كان سلاحه الأَمضى، فاعتمد باجي سلاح السلام ضد العنف، وغيَّر الأَسلحة إِلى زهور وجمال طبيعة وهناءة وسلام هادئ. لذا يتساءل دومًا أَن إِذا كان العالم يحيِّي في غاندي أَفكاره وأعماله، على العالم أَن يواظب على رسالة غاندي في نشْر السلام وعيشها كل يوم أَفرادًا ومجتمعات.

قاعة المعرض قبل الافتتاح

معرضه عن غاندي

أَهمية المعرض أَنه لا يجمّد غاندي في زمان ومكان، بل يوسِّعهما انطلاقًا من غاندي إِلى العصر الحالي وما يكتنفه من فكر مستمد من غاندي بلوغًا إِلى معالِم الحرية والحياة الرافضة العبودية.

هذا المعرض عمِل عليه باجي ثلاث سنوات متواصلة، انغمس خلالها في فكر غاندي وشخصيته وسيرته ومسيرته، فكان هذا الانغماس الكامل مثمرًا بوضع مجموعة رسوم لغاندي في أَوضاع مختلفة ذات مغازٍ ومعانٍ متنوعة من سيرته وتفكيره ونشاطه. ولأَنه يرتاح إِلى الرسم بالطبشور، أَنتج أَعمالًا مذهلة الدقة كأَنها ليست بالطبشور، فأَسس وسيطة تشكيلية جديدة خاصة به، تَمكَّن بها من وضع أَعمال له أُخرى بين جداريات كبيرة ونقوش ومنحوتات.

اللافت أَن معرضه عن غاندي يستقطب مئات الرواد، ويتوقَّع النقاد مزيدًا منهم طوال الأَسابيع الثلاثة المقبلة حتى نهاية موعده في الثامن عشر من هذا الشهر.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com  أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib
  • يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى