لمن سيقترع الأكراد في الانتخابات التركية؟

سلجوق أيدين*

فرض حزب العدالة والتنمية، بقيادة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، هيمنته على السياسة التركية زهاء عقدَين من الزمن إلى حين بلوغه مرحلةٍ من الهشاشة في العام 2019، حين مُني بالخسارة في الانتخابات البلدية في محافظتَين مهمّتَين، أنقرة واسطنبول، حيث فاز حزب الشعب الجمهوري المعارض، بدعمٍ علني من حزب “الجيد” اليميني القومي التركي بالإضافة إلى الدعم الصامت من حزب الشعوب الديموقراطي .

في الانتخابات البلدية في العام 2019، دعم حزب الشعوب الديموقراطي ضمنًا التحالف بين حزب الشعب الجمهوري وحزب “الجيد”، وبرهن عن دورٍ أساسي في مساعدة حزب الشعب الجمهوري على انتزاع السيطرة على المحافظتَين الرئيستين من حزب العدالة والتنمية.

في العام 2023، تخلّى حزب الشعوب الديموقراطي عن مناوراته خلف الكواليس، وتقدّم إلى الواجهة قوّةً سياسية حازمة ضد أردوغان. خلافًا للانتخابات السابقة، سارع حزب الشعوب الديموقراطي إلى الإعلان على الملأ عن دعمه لترشّح كمال كليجدار أوغلو للرئاسة. فحين قدّم كيليجدار أوغلو ترشيحه إلى تحالف الأمة، المعروف أيضًا بطاولة الستة، أبدى حزب الشعب الجمهوري والأحزاب الأربعة الأخرى دعمها لهذا الترشيح، في ما خلا ميرال أكشينار، زعيمة حزب “الجيد” التي دعمت ترشيح عمدة أنقرة منصور يافاش أو عمدة اسطنبول إكرام إمام أوغلو.

تسبب رفض أكشينار لترشيح كيليجدار أوغلو بأزمة قصيرة الأجل داخل كتلة المعارضة. فقد اعتبرت أكشينار أن يافاش وإمام أوغلو أكثر شعبية في استطلاعات الرأي. وحُلَّت المسألة في نهاية المطاف بعرض منصب نائب الرئيس على يافاش وإمام أوغلو على السواء في حال انتخاب كيليجدار أوغلو. عكست هذه المعطيات الكاملة صراعًا على السلطة داخل كتلة المعارضة المناهضة لأردوغان بين حزب الشعوب الديموقراطي وحزب “الجيد”.

تسلّم كيليجدار أوغلو مقاليد حزب الشعب الجمهوري بعد استقالة السياسي المخضرم دنيز بايكال في العام 2010. ومنذ ذلك الوقت، أحدث تبدّلًا في الحزب الذي تحوّل من جبهة قومية شديدة العلمانية تنظر باحتقار إلى المُحافظة الدينية إلى منظمة ليبرالية أكثر شمولًا تضم كوادر ليبراليين.

يعتبر عدد كبير من المراقبين السياسيين أن كيليجدار أوغلو هو المهندس الأساسي لكتلة المعارضة المناهضة لأردوغان. صحيحٌ أنَّ قادة الكتلة يختلفون حول مجموعة من المسائل، لكنهم نجحوا في وضع خريطة طريق سياسية.

وفي مسعى لاستقطاب أصوات المحافظين، وعد كيليجدار أوغلو بتطبيق مفهوم يُسمّى باللغة التركية “hellalesme“، والمقصود به الإقرار بالأخطاء التي ارتُكِبت في الماضي وتصحيحها في الحاضر. الجمهور المُستهدَف هنا هو المحافظون في تركيا، الذين يشكّلون العمود الفقري لحزب العدالة والتنمية، وتشمل الأخطاء السابقة التي يشير إليها كيليجدار أوغلو الحظر الشهير الذي فُرِض على الحجاب وغيره من أشكال التمييز التي واجهها المحافظون على أيدي الحكّام السابقين المنتمين إلى حزب الشعب الجمهوري. قد ينطبق هذا المفهوم حتى على الأكراد الذين يتساءلون عما سيقدّمه كيليجدار أوغلو لهم.

كي يتمكّن كيليجدار أوغلو من إلحاق الهزيمة بأردوغان، يحتاج إلى تأييد حزب الشعوب الديموقراطي، وحزب “الجيد” والقوميين العلمانيين في تحالف الأمة. ولكن كثرًا من الروّاد في حزب “الجيد” لا يستطيعون تقبّل انعطافة كيليجدار أوغلو نحو حزب الشعوب الديموقراطي.

يُشار إلى أن مصدر الخلاف الأساسي بين حزب الشعوب الديموقراطي والأحزاب القومية مثل حزب “الجيد” هو أن هذا الأخير يتّهم حزب الشعوب الديموقراطي بالتعاطف مع حزب العمال الكردستاني المصنَّف دوليًا في خانة المنظمات الإرهابية، والحفاظ على علاقات معه. وقد تسبّبت هذه الأوضاع أيضًا بأزمة تطال شرعية حملة كيليجدار أوغلو الرئاسية في أوساط القوميين الأتراك.

في هذا الصدد، وجّه النائب القومي التركي البارز يافوز أغير علي أوغلو، انتقاداتٍ علنية لترشيح كيليجدار أوغلو وزيارته الأخيرة إلى مقر حزب الشعوب الديموقراطي. وتعبيرًا عن احتجاجه، قدّم استقالته من حزب “الجيد” حيث كان يتبوأ سابقًا منصب نائب الرئيس. هذا فضلًا عن أن محرم إنجه، المرشح الرئاسي السابق لحزب الشعب الجمهوري والمرشح الحالي لحزب البلد (Memleket)، قادر على زيادة شعبيته في أوساط القوميين العلمانيين.

إذًا، العائق الأكبر أمام ترشيح كيليجدار أوغلو ليس الحصول على الدعم من حزب الشعوب الديموقراطي الموالي للأكراد الذي يُعتبَر ناخبوه أكثر تسييسًا وقد رضخوا لقرار حزبهم. بل إن العائق الأكبر قد يكون القوميين الأتراك الذين يمتنعون عن الاقتراع لصالح كيليجدار أوغلو.

بمعزل عن الصعوبة المتمثلة في إيجاد توازن بين حزب الشعوب الديموقراطي وحزب “الجيد” لدعم ترشيح كيليجدار أوغلو للرئاسة، تمكّن أردوغان تاريخيًا من الحفاظ على الأصوات التي تقترع له في المناطق ذات الأكثرية الكردية. وقد حصل، في الدورتَين الأخيرتين للانتخابات الرئاسية في العامَين 2014 و2018، على نسبة 40 في المئة من الأصوات في هذه المناطق. بينما تغيّرت سياسته تجاه الأكراد بشكل كبير من عملية للسلام إلى سياسات موجهة أمنيًا.علاوةً على ذلك، لدى أردوغان علاقة تآزرية قوية مع تحالف الشعب، بما في ذلك حزب الحركة القومية التركي، وحزب الدعوة الحرة الكردي المحافظ.

  • سلجوق أيدين هو باحث وكاتب حائز على شهادة دكتوراه من “ King’s College في كلية الدراسات الأمنية. نفّذ مشاريع ونشر مقالات، وفصولًا في كتب وآراء عن التاريخ التركي، والاغتراب التركي، والدراسات الكردية والسياسة الشرق أوسطية. هو حاليًا محاضر في جامعة “Giresun“.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى