ليبيا تُريدُ الانتخابات لكنها تحتاجُ إلى أكثر من صندوقِ اقتراع

بعد مرور أكثر من عقد على زوال الجماهيرية الليبية وقتل معمر القذافي وسقوط البلاد في الفوضى، هناك حكومتان وقليلٌ من الحُكم.

خليفة حفتر: مدعوم من روسيا ولكن…

روبي غرامر و ليام سكوت*

سافَرَ وفدٌ رفيعُ المستوى من المسؤولين والبرلمانيين الليبيين إلى واشنطن في الأسبوع الفائت لحشد دعم أميركي لعملية الانتخابات المتوقّفة في محاولةٍ لإنهاء دائرة الصراع في بلادهم التي استمرت أكثر من عشر سنين. وحذّر هؤلاء المسؤولون الليبيون من أنه من دون إنهاء الجمود السياسي بالنسبة إلى اقتراح الأمم المتحدة بإجراء انتخابات، فقد تتحوّل البلاد إلى موجة أخرى من الصراع، مع تداعياتٍ بعيدة المدى على شمال إفريقيا وجنوب أوروبا.

ليبيا مُنقَسِمة سياسيًّا بين حكومتين مُتنافستين، إحداهما (جكومة الوحدة الوطنية)  في العاصمة طرابلس تعترف بها والأخرى في شرق البلاد ويدعمها أمير الحرب الليبي، الجنرال خليفة حفتر.

قال عبد الله اللّافي، نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي، وهو هيئة تابعة لحكومة الوحدة الوطنية تدعمها الأمم المتحدة، خلال الزيارة إلى واشنطن هذا الشهر: “الوضع في ليبيا الآن هادئ، لكن مع وجود العناصر المسلحة في الشرق والغرب، إذا كان هناك تأخير في التوصل إلى اتفاق، فقد يندلع الصراع في البلاد مرة أخرى. كما إن عدم إجراء انتخابات لن يؤدي إلّا إلى مزيد من الانقسامات”.

ومع ذلك، يُحذّرُ خبراءٌ إقليميون آخرون من أن تركيز المجتمع الدولي على الانتخابات أمرٌ مُضَلِّلٌ، حيث إن الانتخابات لن تصلح العديد من المصادر الكامنة وراء عدم الاستقرار السياسي والفساد العميق والضيق الاقتصادي في البلاد. يُسلّط الجدل الضوء على كيف تحوّلت ليبيا إلى مُستَنقعٍ سياسي وتركت سكانها البالغ عددهم ما يقرب من 7 ملايين نسمة مع القليل من الأمل في حلٍّ لعقد من العنف في البلاد. أدت مجموعة من القوى المتصارعة التي تتنافس على النفوذ داخل ليبيا، بما فيها روسيا وتركيا ومصر والإمارات العربية المتحدة ودول أوروبية كبرى، إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار وعملت على إطالة أمد الأزمة. تدعم الإمارات وروسيا الجيش الوطني الليبي التابع لحفتر في الصراع، بينما تدخلت تركيا لدعم الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة.

وقال اللافي: “إن طرد القوات الأجنبية من ليبيا عنصرٌ أساسي لنجاح المشروع الانتخابي”.

التقى الوفد الليبي الذي سافر إلى واشنطن هذا الشهر بمسؤولي إدارة بايدن في البيت الأبيض ووزارة الخارجية، بالإضافة إلى أعضاء لجنة العلاقات الخارجية في  جلس الشيوخ، في محاولة لحشد المزيد من الدعم الأميركي للانتخابات التي توسّطت فيها الأمم المتحدة. كانت ليبيا غارقة في النسيان السياسي منذ أن شكّلت خطة السلام التي توسطت فيها الأمم المتحدة في العام 2021 حكومة مؤقتة – واحدة كان من المفترض أن تحل محلها حكومة منتخبة في كانون الأول (ديسمبر) من ذلك العام، لكن الانتخابات لم تَجرِ قط. أوقف اتفاق الأمم المتحدة معظم القتال الذي عصف بالبلاد لعقد من الزمن، بعد انتفاضة شعبية وحملة جوية لحلف شمال الأطلسي أدت إلى الإطاحة بالديكتاتور الليبي معمر القذافي وقتله في العام 2011.

قال توماس هيل، الخبير في شؤون شمال إفريقيا في معهد السلام الأميركي: “لقد مرت البلاد الآن بما يقرب من 10 سنين في هذا الصراع العنيف، وأعتقد أن الاهتمام العام بالعملية الديموقراطية يفقد – إذا لم يكن فقد أصلًا – الزخم. فشلٌ آخر يزيد فقط من احتمال أن يستسلم الليبيون للاعتقاد بأن “الرجل القوي” فقط القادر على فرض السلام من خلال القوة العسكرية هو الطريق إلى الأمام”.

بينما يعتقد الخبراء أن غالبية الليبيين تريد إجراء انتخابات، فإن الإدارتين المتنازعتين في البلاد قد وصلت إلى طريق مسدود في المفاوضات لسنوات حول الأساس القانوني للانتخابات وتكوين النظام السياسي الجديد. حافظت روسيا، التي تدعم حفتر، على بصمة عسكرية في ليبيا من خلال مجموعة “فاغنر” الغامضة. حذر المسؤولون الغربيون من أن روسيا يمكن أن تلعب دورًا مُفسِدًا في الانتخابات الليبية إذا لم ترمِ دعمها وراء خطة الانتخابات التي توسطت فيها الأمم المتحدة. وردّدَ اللافي تلك المخاوف، وقال: “اليوم نلاحظ وجود قوات عسكرية روسية في المنطقة. وهذا يمثل خطرًا كبيرًا حتى على نجاح الانتخابات. نحن بحاجة إلى دعم دولي للاتفاق على خروج القوات المسلحة الأجنبية الموجودة في ليبيا”.

وقال كبير مبعوثي الأمم المتحدة إلى ليبيا، الديبلوماسي السنغالي عبد الله باثيلي، في مؤتمر صحافي هذا الشهر في طرابلس إن البلاد قد تُجري انتخابات هذا العام إذا أصدر كلا الجهازين التشريعيين المتنافسين قوانين انتخابية واضحة وخارطة طريق للانتخابات بحلول حزيران (يونيو). وقال إن البديل سيكون المزيد من الفوضى والجمود الذي يزيد من مخاطر الصراع. وقال: “الترتيبات المؤقتة المتعاقبة، والحكومات الانتقالية التي لا نهاية لها، والهيئات التشريعية التي انتهت ولايتها هي مصدر عدم الاستقرار”.

وكانت نائبة وزير الخارجية الأميركية ويندي شيرمان استقبلت في أواخر شباط (فبراير) باتيلي وكبار المسؤولين من مصر وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وقطر وتركيا والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة لمناقشة الدعم الدولي للانتخابات. وقد فشل الاجتماع في إحراز أي تقدم في المفاوضات.

قالت كلوديا غازيني، الخبيرة في الشؤون الليبية في مجموعة الأزمات الدولية، إن الانتخابات وحدها لا يمكنها حل مشاكل ليبيا. بالنسبة إلى المبتدئين، لا تزال ليبيا بحاجة إلى توحيد مؤسساتها المالية والجيش والإدارة التنفيذية، وجميعها منقسمة، على حد قولها.

قالت غازيني إن الحكومة الجيدة، وليس المزيد من بطاقات الاقتراع، هو ما تحتاجه البلاد، لكن هذا لن يتحقق.

وأضافت غازيني: “بدلًا من استخدام الأموال لتحسين الحكم، فإن ذلك يمثل في الأساس منحدرًا من الحكم السيئ والفساد والاقتصاد غير المشروع المزدهر. هناك فكرة ساذجة للغاية عن القوة التحويلية للانتخابات”.

من ناحية أخرى، لا يمكن لليبيا أن تحصل على حكم جيد حتى يكون لديها حكومة جيدة، وهذا سيتطلب انتخابات في مرحلة ما. “الانتخابات لا تحل شيئًا من تلقاء نفسها. بدلًا من ذلك، هي المفتاح الذي يفتح الباب حتى يتمكن المحللون من حل المشكلات”، قال هيل.

تؤكد إحدى النقاط العالقة بشأن المفاوضات الانتخابية لكلتا الحكومتين المتنافستين المشكلة: لا يريد أي من الجانبين المضي قدمًا في التصويت ما لم يُمنَح الأعضاء الحاليون في المجالس التشريعية حصانة من الملاحقة القضائية على جرائم ربما ارتكبوها أثناء وجودهم في مناصبهم. وقال اللافي إن المفاوضات بشأن هذه النقطة ما زالت جارية.

لكن هذه النقطة الشائكة تتحول إلى بوابة صغيرة لزجة. قالت حنان صلاح، الباحثة الليبية في هيومن رايتس ووتش، إن عقدًا من الحرب رسّخ قادة الأمر الواقع الذين تمتعوا بالحصانة والإفلات من العقاب، وهو الافتقار إلى المساءلة الذي أدى إلى الأزمة الحالية ويمكن أن يَحولَ دون إجراء انتخابات.

قالت: “الآفاق قاتمة نوعًا ما”، وذلك أساسًا لأن “المجموعات المختلفة التي تتنافس حاليًا من أجل السيطرة ليست لها أي مصلحة على الإطلاق في تغيير الوضع الراهن”. عقدٌ من القتال والانقسام ترك ندوبًا في أكثر من الجثث.

وأضافت صلاح: “لقد رأينا حكومات مؤقتة تأتي وتذهب، لكن لم تتم محاسبة أي شخص على أعمال القتل غير القانونية، وحالات الاختفاء والاعتقالات الجماعية التعسفية. أعطى هذا للناس فكرة أنه يمكنك ارتكاب جريمة بدون تكلفة أو عقاب. ما هو الدافع للالتقاء الآن والاتفاق فعليًا على خطة، على خارطة طريق، لإجراء انتخابات بطريقة حرة ونزيهة، لوضع البلاد على مسار ديموقراطي؟”.

واقترح غازيني أنه بالنسبة إلى النخبة الراسخة، فإن الحاضر الهش أكثر ربحية من تجدد الحرب، خصوصًا من دون احتمال الحصول على دعم أجنبي واسع النطاق. “إنهم – بشكل ساخر – أسعد الآن في القيام بأعمال تجارية أكثر من الحرب”.

لكن بالنسبة إلى غالبية الليبيين العاديين، فإن الركود السياسي ليس واحة، على حد قول صلاح. لا يمكن الاعتماد على الكهرباء في أحسن الأحوال. الليبيون ينتظرون ساعات في الطابور لملء سياراتهم بالبنزين. ويخشى الآباء أن يتعرض أطفالهم للقصف أثناء وجودهم في المدرسة.

“الخاسر هنا حقًا هم الليبيون العاديون الذين يريدون فقط ممارسة حياتهم اليومية وأن يعيشوا حياة طبيعية. يريد الناس حقًا عودة الوضع إلى طبيعته. الناس يريدون عيش حياة كريمة”، على حد قول صلاح.

  • روبي غرامر هو مراسل شؤون الديبلوماسية والأمن القومي في فورين بوليسي. يمكن متابعته عبر تويتر على: RobbieGramer@
  • ليام سكوت هو صحافي متدرب في فورين بوليسي. يمكن متابعته عبر تويتر على: liamjscott@
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى