تَرشِيحُ “حزب الله” لسليمان فرنجية لرئاسةِ لبنان جَعَلَهُ وَرَقَةَ مُساوَمَة

مايكل يونغ*

قرار الأمين العام ل”حزب الله”، السيد حسن نصر الله، في الأسبوع الفائت، ترشيح سليمان فرنجية رسميًا لرئاسة الجمهورية اللبنانية، قد لا يؤدي إلى إجراء انتخابات في القريب العاجل. إذا كان هناك أيّ شيء، فإنه يُمثل مرحلة جديدة في المواجهة حول الرئاسة اللبنانية.

لأشهرٍ، أوضحَ الحزبُ الشيعي بشكلٍ ضمني أنه يدعم فرنجية، لكن كلّما عُقدت جلسات انتخابات في البرلمان (البرلمان هو الذي ينتخب رئيس الجمهورية في لبنان)، لم يضع أعضاء الحزب وحلفائه اسمه على بطاقة الاقتراع. جُزئيًا، كان هذا لتجنّب خَلقِ هدفٍ لخصوم “حزب الله” وفرنجية.

لكن هذا الموقف الغامض ترك فرنجية مُعَلَّقًا. بدون دعمٍ رسمي في البرلمان، بدأت قدرته السياسية تتآكل، وربما كان هذا هو السبب وراء قرار الثُنائي الشيعي، “حزب الله” و”حركة أمل”، تغيير تكتيكهما. وسبق إعلان نصر الله إعلان رئيس مجلس النواب وزعيم “حركة أمل”، نبيه بري، تبنّيه دعم فرنجية علنًا.

يبدو أن هناك سببًا منطقيًا آخر أيضًا. يُدرِكُ “حزب الله” تمامًا أنه في الوقت الحالي لا يملك فرنجية الأصوات ليتم انتخابه. بموجب الدستور، يحتاج المرشح إلى أغلبية الثلثين للفوز في الجولة الأولى من التصويت، وبعد ذلك يمكن انتخابه بأغلبية مطلقة 65 صوتًا. في ظل أكثر التقديرات تفاؤلًا، يبدو أن فرنجية لديه 57 صوتًا، أي أقل بكثير مما هو مطلوب.

قد يكون الوضعُ في الواقع أسوأ بالنسبة إليه. والسبب هو أنه في اليوم التالي لتأييد نصر الله، زار السفير السعودي في لبنان وليد البخاري البطريرك الماروني بشارة الراعي، وحسب كل المعلومات المتوافرة، أعلن عن معارضة السعودية لانتخاب فرنجية. لم يكن المكان من قبيل المصادفة. ينحدر رؤساء الجمهورية في لبنان من الطائفة المسيحية المارونية، لذلك كان من المنطقي للسفير إبلاغ البطريرك بموقف بلاده.

ومع ذلك، حتى لو لم يُدلِ البخاري بأيِّ تصريحٍ بهذا المعنى، فقد أكدت مصادر ديبلوماسية متعددة في الأسابيع الأخيرة وجهة النظر السعودية، وما زال من غير الواضح حتى الآن ما إذا كان التقارب السعودي-الإيراني سيُغيّر هذا الواقع. إذا كانت هناك أي شكوك، ففي اليوم التالي لقرار نصر الله، نشرت صحيفة عكاظ السعودية رسمًا كاريكاتوريًا يُظهرُ وجهَ فرنجية جنبًا إلى جنب مع وجه نصر الله. بالنسبة إلى الرياض، فإن فرنجية قريبٌ جدًا من “حزب الله” بحيث لا يمكن أن تتبنّاه أو تؤيّده المملكة كرئيس.

في شباط (فبراير)، عقد ممثلو خمس دول –فرنسا والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر– اجتماعًا في باريس لوضع خارطة طريق للرئاسة. كانت صورة الرئيس الذي يفضلونه عكس ما يمثله فرنجية. وشعر “حزب الله” بأن الدول الخمس كانت تفرض تفضيلاتها على لبنان، لذا ردَّ بقوة على من تراه هذه الدول أنه المرشح المفضل لديها: قائد الجيش العماد جوزيف عون.

في مقالاتٍ عدة، هاجمت صحيفة “الأخبار”، التي غالبًا ما تعمل كمنبر إعلامي غير رسمي ل”حزب الله”، العماد عون. كانت طريقة للقول إنه إذا أسقطت الدول الخمس ترشيح فرنجية، فإن “حزب الله” سيفعل الشيء نفسه بالنسبة إلى ترشيح قائد الجيش.

قد نقترب من وضعٍ يكون فيه الاصطفافان العريضان على الرئاسة –”حزب الله” وحلفاؤه مع إيران في الخلفية، من جهة؛ وأعداء الحزب في لبنان، المدعومين بدرجات مختلفة من أعضاء باريس الخمسة، من ناحية أخرى- مستعدّين للتحرك نحو المفاوضات حول مرشح حل وسط. ومع ذلك، قد تستغرق هذه العملية وقتًا لأسبابٍ عدة.

الأول هو أن “حزب الله” يريد أن يُظهِرَ لفرنجية أنه سيقاتل من أجله، ولا يستخدمه ببساطة كورقة مساومة للتوصل إلى اتفاق بشأن شخصٍ آخر. لطالما كان حليفًا وثيقًا للحزب، ولا يزال “حزب الله” يبحث عن طُرُقٍ لكسب 65 صوتًا يحتاجها للفوز في الانتخابات. وإلى أن يتم استبعاد هذا الخيار، فمن غير المرجح أن يتخلّى الحزب عنه.

ثانيًا، يبدو أن الاتفاق على رئيس ما هو إلّا واحدة من القضايا المطروحة. يبدو أن الطرفين سيتعيَّن عليهما الاتفاق على رئيس وزراء بالتزامن مع اتفاق على رئيسٍ للجمهورية. كانت هناك معلومات تفيد بأن المملكة العربية السعودية ليست مُتحمّسة بشأن نجيب ميقاتي، رئيس وزراء تصريف الأعمال في لبنان، لذلك يمكن أن نتجه نحو صفقة شاملة حيث تؤثر المساومة على رئيس للجمهورية في المساومة على رئيس الوزراء المرتقب.

ثالثًا، سيكون موقف العديد من المشاركين في المفاوضات حول الرئيس مُرتبطًا بالشؤون الإقليمية. إذا رأى الفاعلون المختلفون أن النتيجة في لبنان تؤثر في قوتهم ومصالحهم الإقليمية، فسيُضيف ذلك مستوى جديدًا من التعقيد إلى المأزق اللبناني. إيران والسعودية منقسمتان حول الوضع في لبنان، ما يجعل الاتفاق بينهما صعبًا. ومع ذلك، من المحتمل أن يتغيّر هذا الواقع في الأسابيع المقبلة بعد المصالحة بينهما. يأمل الكثير من اللبنانيين في ذلك.

هناك أيضًا مواعيد نهائية محلّية رئيسة قد تُسرّع الأمور. والأكثر أهمية هو انتهاء ولاية رياض سلامة كحاكم للبنك المركزي في نهاية شهر تموز (يوليو). باستثناء الإجماع على تمديد فترة ولايته، وهو أمر غير مرجح، سيكون من الضروري وجود رئيس قبل مغادرة سلامة، وإلّا فسيكون هناك شغورٌ في رئاسة الجمهورية وفراغٌ في البنك المركزي، وهو ما سيكون كارثيًا في مثل هذا الوقت الدقيق للاقتصاد.

لذا، فإن المفاوضات حول رئيس جديد معقّدة، لكنها قد لا تكون كذلك إلى أمدٍ طويل. مع ذلك، لم يتردد لبنان أبدًا في اختيار الطريق الأكثر خطورة، وبالتالي لا يوجد شيء مضمون ما دامت القيادة الحالية في السلطة.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى