سؤالٌ يَستَحِقُّ الإفتراض

راشد فايد*

ماذا لو قرّرت مجموعةُ شبّانٍ من طائفةٍ بذاتها، وأصحاب ثقافة إلغائية، على نمط ما تَسَلّلَ من أفكارٍ منذ ثمانينات القرن الفائت، ماذا لو قرّرت أن تتدرّبَ على القتال، وتمكّنت من التزود بالسلاح اللازم، وأعلنت مواجهة إسرئيل، و”إسقاط” المتآمرين على “المقاومة” بما هي فعل رفض وطني لاحتلال أراضٍ لبنانية، وكذلك مياه وغاز ونفط مَخبوءة في بحر لبنان، في مواجهة الساحل الوطني، من نقطة العبدة شمالًا مع سوريا إلى رأس الناقورة مع فلسطين المحتلّة، مرورًا بجزيرة قبرص؟

ماذا لو قرّرت هذه المجموعة، وهي تتنامى عدديًا، وبتسارع، أن المقاومة ليست حكرًا على أحد، وانها إمتحان جدي للوطنية، خوضه شرف وعزّة، ويقرب من التكليف الديني، والاستشهاد تحت علمه مجد في الدنيا والآخرة؟

ماذا لو قرّرت هذه الجماعة أن تتملّك كل الوسائل التقنية والعلمية لحماية دورها المأمول في تحرير مزارع شبعا والقسم اللبناني من بلدة الغجر، والبحر واليابسة، والفضاء، وهددت حقل كاريش وأطلق مقاتلٌ منها صاروخ غراد على منطقة غير مأهولة من شمال فلسطين، لتعلن وجودها كقوة مشاغبة، أو تنفيذًا لضروراتٍ تحتفظ بسرّها؟

وماذا لو قررت الجماعة نفسها إنشاء شبكة اتصالات أرضية عبر الأحياء والمناطق والمحافظات، وحتى أعالي جبل صنين، وأقامت حواجز أمنية عند مداخل مناطق سيطرتها و”سمحت” للجيش وغيره بمحاذاتها، وبشروطها، كي تحمي “بيئتها الحاضنة”؟ وهل يمكنها أن تغلق وسط بيروت لتفرض رئيسًا للجمهورية يناسب استراتيجيتها، وتحمله إلى بعبدا على أسنّة “100 ألف صاروخ” مدعومة بقمصان سود اللون والطوية، وبيئة تحضن “على العمياني” كل من يعادي “أعداءها” وأهدافها؟

كل ما تقدم ليس له معنى، عدا فكرتين أو ثلاث، والطرف المعني بهذه “الفرضية” السياسية بدأ إعلان هيمنته، قبل نحو 40 عامًا، بتجريد القوى السياسية الحليفة، قبل المخاصمة، من حقها في أن تستمر في مقاومة بدأتها قبل ظهوره، تحديدًا في بيروت، تحت عبء الإجتياح الاسرائيلي في أيلول/ سبتمبر 1982، وتصديّها له عند “بوابة” المتحف، قبل عملية مقهى الويمبي في منطقة الحمراء، بعد 5 أيام من دخول الاسرائيليين إليها، فكانت فاتحة انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية (جمول) التي لم يُقصّر الحزب المهيمن في طمسها وتجاهلها، وساعده على “مصادرة” تسمية المقاومة، واحتكارها، مصالحة ولي أمره الإيراني، مع الرئيس الأسد الأب، فأطلقا يده وكيلًا لهما، آمنين إلى حسن تدبيره مصالحهما، بالتصفيات الجسدية، حينًا، والإعدام المعنوي والأخلاقي أحيانا أخرى، وخطف الأجانب رهائن لفرض المساومات الإقليمية والدولية.

هدد الأمين العام الأشهر بحربٍ على مَن يُسمّيهم أعداء يرى عندهم ميلًا لإشعال الفوضى في لبنان، وهو أمر يستجلب سؤالًا لدى المقاومة المستجدة المتخيَّلة: ماذا لو أراد “تأديب” العدو الإسرائيلي، بحرب جديدة على إيقاع “لو كنت أعلم”، من دون مشاورة من يتلبس دور الدولة التي فتتها وألغى سلطتها، ويستمر في تغييبها؟ معتمدًا خطًا فاصلُا غير مرئي بين ما يحتكر من قوة مسلحة وقرار المؤسسات الرسمية، وبين ما يتركه لللآخرين من مظاهر سلطوية يسمح لهم باستخدامها لمصلحته، وبرعايته، ويصب مردودها في تسليط “مفاتيحه” عند مفارق الحياة العامة، من قرار إعلان الحرب على اسرائيل إلى مباركة الترسيم البحري، وقبله الإتفاق مع من لا يزال يسميه العدو الإسرائيلي على تنظيم هدنة يسميها، بالاتفاق معه، “قواعد الاشتباك”.

لذلك، ولأسباب أخرى، وئدت المقاومة، وهي تنتظر إشهار وفاتها.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى