أسبابٌ ثلاثة تُخيفُ إسرائيل وتَمنَعُها من القيامِ بحربٍ كُبرى على غزة

على الرغم من أن حربًا إسرائيلية على غزة هي أكثر خطورة في الوقت الحاضر مُقارنةً بالماضي، لا يزال بإمكان بنيامين نتنياهو المُحاصَر والمُحبَط اللجوء إلى مثل هذا السيناريو إذا شعر أن قيادته في خطر.

بنيامين نتنياهو وحكومته: أي حرب ضد غزة لن تكون نزهة.

رمزي بارود*

على الرغم من أن الحروب الإسرائيلية السابقة على غزة قد تم تبريرها في كثيرٍ من الأحيان من قبل تل أبيب كردٍّ على الصواريخ الفلسطينية أو، بشكلٍ عام، كأعمال للدفاع عن النفس، فإن الحقيقة مختلفة. تاريخيًا، تمَّ تحديد علاقة إسرائيل بغزة من خلال حاجة تل أبيب إلى خلق انحرافات عن سياساتها المُتصدّعة، لاستعراض عضلاتها ضد أعدائها الإقليميين واختبار تكنولوجيا الأسلحة الجديدة.

على الرُغمِ من أن الضفة الغربية المحتلة – وفي الواقع، دولٌ عربية أخرى أيضًا- قد تم استخدامها كأرضٍ اختبار لآلة الحرب الإسرائيلية، لم يسمح أيُّ مكانٍ آخر لإسرائيل بمواصلة تجارب أسلحتها الخاصة أكثر من غزة، مما جعل إسرائيل، اعتبارًا من العام 2022، عاشر أكبر مُصدّر للأسلحة في العالم.

هناك سببٌ يجعل غزة مثالية لمثل هذه التجارب الكبرى، وإن كانت مأسوية.

تُعَدُّ غزة مكانًا مثاليًا لجمع المعلومات بمجرّد نشر أسلحة جديدة واستخدامها في ساحة المعركة. قطاع غزة هو موطنٌ لمليوني فلسطيني يعيشون حياة بائسة مع عدم وجود مياه نظيفة وقليل من الطعام، وجميعهم محصورون في نطاق 365 كيلومترًا مربعًا. في الواقع، بسبب ما يُسَمّى بأحزمة الأمان الإسرائيلية، فإن الكثير من الأراضي الصالحة للزراعة في غزة والمُتاخمة لإسرائيل محظورة. غالبًا ما يتم إطلاق النار على المزارعين من قبل القناصة الإسرائيليين، بالمعدل نفسه الذي يُستهدَف به الصيادون في غزة تقريبًا، إذا ما تجرَّؤوا على المجازفة وراء الأميال البحرية الثلاثة المخصّصة لهم من قبل البحرية الإسرائيلية.

ناقش “المُختَبَر”، وهو فيلمٌ وثائقي إسرائيلي حائز على جوائز عدة، صدر في العام 2013، بتفصيلٍ مؤلم كيف حوّلت إسرائيل ملايين الفلسطينيين إلى مختبراتٍ بشرية فعلية لاختبار أسلحة جديدة. كانت غزة، حتى من قبل، وخصوصًا منذ ذلك الحين، ساحة اختبار رئيسة لهذه الأسلحة.

كانت غزة “المختبر” للتجارب السياسية الإسرائيلية أيضًا.

عندما قررت، من كانون الأول (ديسمبر) 2008 إلى كانون الثاني (يناير) 2009 ، تسيبي ليفني، رئيسة الوزراء الإسرائيلية بالإنابة، أن “تطلق العنان لواحدة من أكثر الحروب دموية على غزة، على حد قولها”، كانت تأمل أن تساعد مغامرتها العسكرية على تعزيز الدعم لحزبها في الكنيست.

كانت ليفني في ذلك الوقت رئيسة حزب “كاديما” الذي أسّسه في العام 2005 الزعيم السابق لحزب الليكود أرييل شارون. كخليفةٍ لشارون، أرادت ليفني أن تُثبتَ مكانتها وقيمتها كسياسية قوية قادرة على تلقين الفلسطينيين درسًا.

على الرُغم من أن تجربتها قد أكسبتها بعض الدعم في انتخابات شباط (فبراير) 2009، إلّا أنها جاءت بنتائج عكسية بعد حرب تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، حيث كاد كاديما أن يُدمَّرَ كلّيًا في انتخابات كانون الثاني (يناير) 2013. في النهاية، اختفى حزب “كاديما” تمامًا من الخريطة السياسية لإسرائيل.

لم تكن هذه هي المرة الأولى ولا الأخيرة التي حاول فيها السياسيون الإسرائيليون استخدام غزة كوسيلةٍ لصرف الانتباه عن مشاكلهم السياسية، أو لإظهار مؤهلاتهم كحماة لإسرائيل من خلال قتل الفلسطينيين.

ومع ذلك، لم يُتقِن أحدٌ استخدامَ العنف لتسجيلِ نقاطٍ سياسية بقدر رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو. بعد عودته كرئيسٍ للحكومة الإسرائيلية الأكثر تطرّفًا في التاريخ، يحرص نتنياهو على البقاء في السلطة، خصوصًا وأن ائتلافه اليميني يتمتع بهوامش دعم مريحة في الكنيست أكثر من أيٍّ من الحكومات الإسرائيلية الخمس في السنوات الثلاث الماضية.

مع وجود جمهورٍ يميني مؤيد للحرب يهتمّ بالتوسّع الاستيطاني غير القانوني و”الأمن” أكثر بكثير من النمو الاقتصادي أو المساواة الاجتماعية والاقتصادية، يجب على نتنياهو، من الناحية التقنية والمنطقية على الأقل، أن يكون في وضعٍ أقوى لشنِّ حربٍ أخرى على غزة. لكن لماذا يتردّد؟

في الأول من شباط (فبراير)، أطلقت مجموعة فلسطينية صاروخًا باتجاه جنوب إسرائيل، ما أدّى إلى ردٍّ إسرائيلي تم تقييده عمدًا.

وبحسب مجموعات فلسطينية في القطاع المُحاصَر، أُطلِقَ الصاروخ كجُزءٍ من التمرّد المسلح المستمر لفلسطينيي الضفة الغربية. كان من المفترض أن يُوضِّحَ ويبرزَ الوحدة السياسية بين غزة والقدس والضفة الغربية.

تعيش الضفة الغربية أحلك أيامها. لقد قتل الجيش الإسرائيلي 35 فلسطينيًا في شهر كانون الثاني (يناير) وحده، لقي عشرة منهم حتفهم في جنين في غارة إسرائيلية واحدة. ردَّ فلسطينيٌّ، بمفرده، بقتل سبعة مستوطنين يهود في القدس الشرقية المحتلة، وهي الشرارة المثالية لما هو عادة ردٌّ إسرائيليٌّ هائل.

لكن هذا الردّ اقتصر حتى الآن على هدم المنازل واعتقال وتعذيب أفراد عائلة المُهاجِم والحصار العسكري لمختلف المدن الفلسطينية ومئات الاعتداءات الفردية من قبل المستوطنين اليهود على الفلسطينيين.

حربٌ إسرائيلية شاملة، خصوصًا على غزة، لم تتحقق بعد. لكن لماذا؟

أولًا، المخاطر السياسية لمهاجمة غزة من خلال حرب طويلة، في الوقت الحالي، تفوق الفوائد. على الرُغمِ من أن ائتلافَ نتنياهو آمنٌ نسبيًا، إلّا أن توقعات الحلفاء المتطرّفين لرئيس الوزراء عالية جدًا. يمكن اعتبار الحرب بنتائج غير حاسمة انتصارًا للفلسطينيين، وهي فكرة يمكن أن تؤدي وحدها إلى انهيار التحالف. على الرُغم من أن نتنياهو يمكن أن يشنَّ الحرب كملاذٍ أخير، فإنه لا يحتاج إلى مثل هذا الخيار المحفوف بالمخاطر في الوقت الحالي.

ثانيًا، المقاومة الفلسطينية أقوى من أيِّ وقت مضى. في 26 كانون الثاني (يناير)، أعلنت حركة “حماس” أنها استخدمت صواريخ أرض-جو لصدِّ غارة جوية إسرائيلية على غزة. على الرُغم من أن الترسانة العسكرية للحركة في غزة بدائية إلى حدٍّ كبير، ومعظمها محلي الصنع، إلّا أنها أكثر تقدمًا وتعقيدًا مقارنة بالأسلحة التي استُخدِمَت خلال ما يسمى بـ “عملية الرصاص المصبوب” الإسرائيلية في العام 2008.

أخيرًا، يجب أن يكون احتياطي الذخيرة الإسرائيلي عند أدنى مستوى له منذ فترة طويلة. الآن بعد أن استغلّت الولايات المتحدة، أكبر مُورِّد للأسلحة لإسرائيل، احتياطها من الأسلحة الاستراتيجية -بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية- لن تتمكّن واشنطن من تجديد الترسانة الإسرائيلية بإمدادات مستمرة من الذخيرة بالطريقة نفسها التي قامت بها إدارة باراك أوباما خلال حرب 2014. الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة إلى الجيش الإسرائيلي، كشفت صحيفة نيويورك تايمز في كانون الثاني (يناير) أن “البنتاغون يستغلّ مخزونًا ضخمًا ولكن غير معروف من الذخيرة الأميركية في إسرائيل للمساعدة على تلبية حاجة أوكرانيا الماسة لقذائف المدفعية …”.

على الرُغم من أن حربًا إسرائيلية على غزة أكثر خطورة في الوقت الحاضر مقارنة بالماضي، لا يزال بإمكان نتنياهو المُحاصَر والمُحبَط اللجوء إلى مثل هذا السيناريو إذا شعر أن قيادته في خطر. وفي الواقع، لقد فعل الزعيم الإسرائيلي ذلك في أيار (مايو) 2021. وحتى في ذلك الوقت، لم يكن قادرًا على إنقاذ نفسه أو حكومته من هزيمةٍ مُذِلّة.

  • رمزي بارود هو صحافي أميركي-فلسطيني ورئيس تحرير “فلسطين كرونيكل”. ألّف ستة كتب كان آخرها، الذي شارك في تحريره مع إيلان بابيه، هو “رؤيتنا للتحرير: قادة ومثقفون فلسطينيون منخرطون يتحدثون بصراحة”. وهو باحث أول غير مقيم في مركز الإسلام والشؤون العالمية (CIGA). يمكن متابعته عبر موقعه الإلكتروني: ramzybaroud.net

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى