ما وراء الصحوة؟

راشد فايد*

سؤالٌ لا بدَّ منه، وباللهجة اللبنانية: شو عدا مما بدا كي تنطلق المداهمات “فجأة”، ضدّ الصرّافين غير الشرعيين على مساحة لبنان، بعد ما لا يقل عن سنتين من تفشّي وحشية تجارتهم المربحة، والعلنية، في السوق السوداء للعملة اللبنانية والدولار الأميركي، وبعدما باتت أسماؤهم على كل شفة ولسان، وبعدما بات بعضهم نجوم مقابلات تلفزيونية، من دون خوف أو قلق أو تثريب، من القضاء، وقوى الأمن، لا سيما “جهاز أمن الدولة”، الأقرب، بطبيعة مهمته، إلى التصدّي لما يخرّب الإستقرار الإجتماعي، ويقوّض دور المؤسسات الدولتية.

فلقد شهدت نهاية الأسبوع الفائت ملاحقات أمنية مفتوحة لصرّافين يُشتَبَهُ في أنّهم يقومون بعمليات مضاربات تؤثّر في سعر صرف الدولار في السوق السوداء، وتميّزت الحملات بشمولها كبارالمُضارِبين والصغار، في أغلب المناطق اللبنانية، خصوصًا وأن الصرافة غير الشرعية، على ارصفة الطرق في بعض المناطق، صارت مهنة الذين لا مهنة لهم، وأبرز مواصفاتهم أن مُشَغّليهم من السطوة والقوة والحماية ما يوفر الأمان للطرفين، الممول والمصرف، من تدخّل السلطة، من جهة، ويحفظ “حقوق” كل منهما تجاه أي إخلال بالإتفاق، من جهة أخرى. يشهد على ذلك المشادات، بين إثنين من أساطين المهنة، قبل أكثر من سنة عبر “تلفزيون الجديد”.

إستند التحرّك الأمني المفاجئ إلى كتابٍ وجّهه مُدَّعي عام التمييز القاضي غسان عويدات إلى النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم، طلب فيه “تسطير استنابات قضائيّة فوريّة بغية توقيف الصرّافين والمضاربين على العملة الوطنية والتسبّب بانهيارها”.

لماذا وصْف هذا التحرّك بالمفاجئ؟

الجواب: لأن تجارة الدولار لم تولد اليوم، بل هي منتشرة في الشوارع بلا وجل وبعلنية وقحة منذ أكثر من 3 سنوات، تحديدًا منذ الأسبوع الثالث من شهر كانون الأول (أكتوبر) 2019، حين تقدّمت مجموعةٌ من المحامين التغييريين، وبعد أقل من شهرين على انتفاضة تشرين الأول (أكتوبر)، من العام نفسه، بإخبارٍ الى النائب العام المالي ضد كل من يظهره التحقيق من الصيارفة المُرَخَّصين وغير المُرخَّصين (…) والعاملين في البورصة بجرائم “مخالفة قانون النقد والتسليف والتلاعب بالأمن الإقتصادي الوطني”.

من ذاك اليوم إلى عطلة الأسبوع الفائت لم يُحرّك القضاء ساكنًا، وركن إلى إضرابه كمُبرر، غير حاسم، ما يستجر سؤالًا آخر: مَن فرض هذه “الصحوة” على القضاء اليوم، وقد كان سعر صرف الدولار الأميركي، فترة رفع الكتاب، في السوق الموازية (لدى الصيارفة) في محيط 2100 ليرة للدولار الواحد، مع استقرار سعر الصرف الرسمي عند 1515 ليرة لبنانية، فيما أسعار صرف الدولار في السوق السوداء تختلف من وقت لآخر وبين صراف وآخر، وقد تختلف الأسعار من مدينة إلى أخرى، ويتم تحديث سعر صرف الدولار في حالة الانخفاض أو الارتفاع على مدار الساعة، وهو اليوم، مَبدئيًا على عتبة 60 ألف ليرة للدولار.

لذا السؤال اللاحق هو: من هي “القوة العظمى” التي حركت شهية القضاء لمطاردة من باتوا بفضل غيابه من حديثي النعمة، وأصحاب الملايين. وللتذكير، فإن كتاب المحامين التغييريين نبّه من انتشار ظاهرة مافيات الصيرفة في الشوارع، وسمّى مناطق عملها كما أورد معلومات عن وجود كارتيلات مالية تتحكم بمفاصل أزمة الدولار ودفعت للصرافين عشرات مليارات الليرات وكلفتهم سحب الدولارات من الأسواق لتحقيق مكاسب مالية من خلال التلاعب بقيمة الصرف.

أسئلة تتبع: هل “القوة العظمى” استنسبت، اليوم، أن ترفع الغطاء عن لعبة الدولار؟ وهل أن جدّية الإستنابات ستصل إلى حاكم المصرف المركزي، رياض سلامة؟ وهل نشهد موجة “سحاسيح” ستصوّب الإعترافات، وتنحصر العقوبات بصغارالمتاجرين وتبتعد عن “عليّتهم”؟

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى