تركيا صارت “قوة عظمى” للطائرات المُسَيَّرة: هل يُشَكِّل ذلك مشكلة؟
لم توقف الطائرات المُسَيَّرة التركية التي اشترتها أوكرانيا التقدّم الروسي العسكري بمفردها، كما لم تُنهِ الحرب. لكن نجاحها التكتيكي كانت له تأثيرات مهمة.
سارة كريبس*
في الأيام الأولى من الغزو الروسي لأوكرانيا، ظهرت الطائرة المُسَيَّرة التركية “بيرقدار تي بي-2″ (Bayraktar TB-2) ك”بطلة” غير مُتَوَقَّعة من أبطال وبطلات الحرب. من بين العديد من الحسابات الخاطئة لروسيا، كان أكثرها وضوحًا يتمثّل في اعتقادها أن دباباتها ستُمهّد الطريق لنصرٍ سريعٍ وخالٍ من أي احتكاك. بدلًا من ذلك، غرقت هذه الدبابات في الوحل، وصارت أهدافًا مثالية للقصف، بسبب افتقارها للتفوّق الجوي. في هذه الحالة، لم يتم القصف بواسطة طائرات مأهولة، بل تم تنفيذ القصف بواسطة طائرات بيرقدار المُسَيَّرة التي اشترتها أوكرانيا من تركيا في العام 2019. وتحوّلت دبابة بعد أخرى، وكذلك الجنود الموجودون فيها، إلى أهدافٍ ثابتة من دون حماية.
لم توقف الطائرات المُسَيَّرة التقدم الروسي العسكري بمفردها، كما لم تُنهِ الحرب. لكن نجاحها التكتيكي كانت له ثلاثة تأثيرات مهمة. أوّلًا، أوحت إلى الشعب الأوكراني أن المقاومة والعزم يمكنهما أن يدرّان عليه ثمارًا. ثانيًا، أشارت إلى بقية العالم بأن الأصول العسكرية التي يتم تسليمها إلى أوكرانيا يمكن أن توفّر مساعدة ذات مغزى، ويمكن القول إنها تساعد على تبرير مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية التي تم تسليمها في الأشهر اللاحقة. ثالثًا، وَضَعَ تركيا على الخريطة كبلدٍ مُصدِّر للأسلحة.
للتأكيد، كانت تركيا أصلًا تعمل في مجال تصدير طائرات بيرقدار، حيث استخدمت أذربيجان هذه الطائرات المُسَيَّرة في حرب العام 2020 في ناغورنو كاراباخ. كما ظهرت بشكل بارز في ساحات القتال في سوريا وليبيا. لكن صادرات الأسلحة التركية قفزت لتتجاوز 4 مليارات دولار في العام 2022، بزيادة 36 في المئة تقريبًا عن العام 2021، حيث شكلت مبيعات بيرقدار 98 في المئة من هذه الصادرات.
من الواضح أن تركيا صارت بلدًا مُصدّرًا رئيسًا للأسلحة، ما يثير عددًا من الأسئلة. هل يُمكِنُ للدولة أن تُحافِظَ على مُعدّلِ التطوير والإنتاج هذا، وخصوصًا الطائرات المُسَيَّرة؟ لماذا ارتفعت صادراتها؟ وما الآثار المترتبة على هذه الصادرات من حيث اختيار الشركاء وكيف يمكن استخدام هذه الطائرات المُسَيَّرة في النزاعات خارج أوكرانيا؟
قبل الحرب في أوكرانيا، كانت الطائرات المسلحة المُسَيَّرة التي شهدت أكبر عدد من العمليات القتالية هي “أم كيو-9 ريبر” (MQ-9 Reaper) الأميركية الصنع وسابقتها “أم كيو-1 بريداتور” (MQ-1 Predator). لما يقرب من عقدين من الزمن، استخدمت الولايات المتحدة هاتين الطائرتين المُسَيَّرتين لاستهداف الإرهابيين المشتبه بهم في باكستان واليمن والصومال، وفي أدوار قتالية أكثر تقليدية في أفغانستان والعراق. بسبب نجاحهما الواضح، سعى حلفاء وشركاء واشنطن –مثل المملكة المتحدة وإيطاليا وهولندا وفرنسا والإمارات العربية المتحدة– للحصول على هذه الطائرات المُسيَّرة. ومع ذلك، بصفتها إحدى الدول الموقِّعة على نظام التحكّم في تكنولوجيا الصواريخ، أو “MTCR”، الذي يحدّ من بيع أسلحة مثل الطائرات المُسَيَّرة على ارتفاعات متوسطة طويلة التحمّل، فقد قاومت الولايات المتحدة تصديرها، باستثناء عدد قليل من الدول الأوروبية.
كان أحد الانتقادات طويلة الأمد لنظام التحكّم في تكنولوجيا القذائف هو أنه لا يشمل العديد من الدول المُصدّرة للطائرات المُسَيَّرة الموجودة أو التي من المحتمل أن تكون. اعتبارًا من العام 2014، سيطرت إسرائيل –التي لم تُوَقِّع على نظام التحكّم في تكنولوجيا القذائف، على الرغم من التزامها غير الرسمي بالقيود المفروضة عليها- على صادرات الطائرات المُسَيَّرة، حيث شكلت أكثر من 60 في المئة من حجم مبيعات الطائرات المُسَيَّرة بين العامين 1985 و2014، تليها الولايات المتحدة، التي شكلت حوالي 24 في المئة. كانت غالبية صادرات الطائرات المُسَبَّرة الإسرائيلية غير مُسلَّحة، لكن بعضها – “هيرون تي بي” (Heron TP) و”هيرميس 450″ (Hermes 450) و”هيرميس 900″ “Hermes 900”- يمكن أن تشارك في ضربات حَرَكية ناشطة.
لكن وفقًا لمُصنّعي الطائرات المُسَّيرة، ظل معدل نمو صادرات هذه الطائرات في إسرائيل أقل بكثير من إمكاناتها، لأن المنتجين الإسرائيليين كانوا يتنافسون مع طائراتٍ مُسَيَّرة أرخص وأكثر سهولة من الصين وتركيا، وهما ليستا عضوتَين في نظام التحكّم في تكنولوجيا القذائف ولا من الواضح أنهما مهتمتان بالامتثال لهذه المعاهدة.
بين العامين 2008 و2018، على سبيل المثال، صدّرت الصين طائرات مُسَيَّرة إلى 13 دولة، بما فيها مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. بعد أن رفضت واشنطن بيع الإمارات طائرات مُسَيَّرة، اشترت بدلاً من ذلك طائرة “وينغ لونغ” (Wing Loong) الصينية الصنع، والتي استخدمتها ضد المتمردين الحوثيين في اليمن. وبدوره، إشترى الأردن، الذي سعى أيضًا من دون جدوى إلى الحصول على طائرات مُسَيَّرة أميركية الصنع، بالمثل طائرات صينية مُسَيَّرة كبديل.
في غضون ذلك، كانت تركيا، التي ركّزت صناعة أسلحتها منذ فترة طويلة على الأسلحة الصغيرة وناقلات الجند المدرعة، تركّز بشكل متزايد على التقنيات غير المأهولة. اشترت أكثر من 27 دولة طائرة بيرقدار المُسَيَّرة، مع تزايد الاهتمام بعد النجاحات الواضحة في صراعات مثل ناغورنو كاراباخ وسوريا وليبيا وأخيرًا أوكرانيا. وقد أبلغت شركة بيرقدار عن تأخر ثلاث سنوات لتسليم جديد من “تي بي-2” (TB-2)، كما دخلت أوكرانيا في شراكة مع بيرقدار لبناء مصنع على الأراضي الأوكرانية كوسيلة لمعالجة الزيادة الحالية في الطلب.
قد تكون “بيرقدار” المقاول الرئيس لصناعة الأسلحة التركية، لكن نجاحها أنتج اهتمامًا وعوامل خارجية تمتد إلى ما بعد “تي بي-2” (TB-2) إلى صادرات الأسلحة التركية بشكل عام. ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤولٍ تنفيذي في شركة “إلكترولاند ديفينس”، التي تنتج مركبات برية مُسَيَّرة، وصفه لإنجازات بيرقدار بأنها “إعلان رائع ودعاية جيدة بالنسبة إلينا”. ومن جهتها أعلنت شركة “يونكا-أونوك جي في” (Yonca-Onuk JV) أنها باعت زوارقها المُسَيَّرة المخصصة للدوريات البحرية إلى 10 دول مختلفة و14 منظمة حكومية، وحتى السترة الواقية من الرصاص التي كان يرتديها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي هي من صنع شركة تركية.
في تطوير صادراتها من الأسلحة، تستفيد تركيا من موقعها الجغرافي، الذي جعلها تلعب دور الوسيط أو صانع الملوك في نطاق النزاعات التي شاركت فيها بشكل مباشر أو غير مباشر. وفي السنوات الأخيرة، اتخذت أنقرة أيضًا خطوات لإذابة الجليد في العلاقات مع منافسين سابقين مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل. يبدو أن صادراتها من الطائرات المُسَيَّرة مُصَمَّمة إما لتعكس أو تضخّم أهداف السياسة الخارجية.
لسوء الحظ، قد تفعل ذلك بتكلفة. من الواضح أن “تي بي-2” (TB-2) في تركيا هو بديل ميسور التكلفة ويمكن الوصول إليه بسهولة أكثر من طائرة “ريبر” الأميركية الصنع. ومع ذلك، فإن السبب وراء احتفاظ الولايات المتحدة بمعيار مرتفع نسبيًا لمعظم صادرات الأسلحة هو تحقيق التوازن بين تعزيز القاعدة الصناعية الأميركية والمخاوف بشأن الآثار المزعزعة للاستقرار للأسلحة الفتاكة في أيدي الدول التي قد تسيء استخدامها. في النهاية الأمامية لأيِّ عملية بيع أسلحة مُقترَحة، على سبيل المثال، تجري وزارة الخارجية الأميركية مراجعة لتقييم سجل حقوق الإنسان في الدولة المستفيدة. في النهاية الخلفية، يتطلب قانون مراقبة تصدير الأسلحة من واشنطن ضمان امتثال متلقّي الأسلحة الأميركية الصنع لعدد كبير من الاتفاقيات القانونية الدولية. يساعد هذا على تفسير سبب تشغيل ست دول فقط الآن لـطائرات “أم كيو-9 ريبر” (MQ-9 Reaper).
إذا كانت الدول السبع والعشرون التي اشترت “تي بي-2” –الموجودة في كل مكان من إفريقيا وآسيا إلى أوروبا والشرق الأوسط– تمثل أي مؤشر، فإن تركيا تفرض القليل من اتفاقيات المستخدم النهائي، وإلّا فإن القيود التي تفرضها تكون منخفضة إذا فعلت ذلك. خلال حرب الحكومة الإثيوبية التي استمرت عامين ضد منطقة تيغراي، على سبيل المثال، استخدمت القوات المسلحة الإثيوبية “تي بي-2 أس” المستوردة لاستهداف معسكر للمدنيين النازحين، ما أسفر عن مقتل 59 شخصًا.
وكما قال كبير مسؤولي التكنولوجيا في “بيرقدار” بلا خجل: “العالم كله زبون”. لقد أثار هذا النهج المختلط نسبيًا في تصدير الطائرات المسَيَّرة الدهشة، على الأقل في الولايات المتحدة. في حين أن واشنطن لا تستطيع ممارسة السيطرة على متلقّي الطائرات التركية المُسَيَّرة، فقد أيَّدَ بعض المشرّعين تقييد صادرات الأجزاء الأميركية التي يمكن استخدامها في تصنيع الطائرات المُسَيَّرة التركية، والتي يُزعم أنها تشمل بطاريات الصواريخ ومضخات الوقود والهوائيات المصنوعة في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا.
على الرُغم من أن الطائرات المُسَيَّرة مثل “تي بي-2” لا تسبب الحروب، فقد قيل إن الطائرات المُسَيَّرة تزعزع الاستقرار، لأنها كمنصات غير مأهولة، فإن الدول تتخذ قرارًا باستخدام قوةٍ أقل تكلفة، ما يفرض مخاطر وخسائر أقل على الجانب الذي يستخدمها. ولكن أي جهد للحدّ من نقلها من خلال نظام التحكم في تكنولوجيا القذائف (MTCR) أو غيره من المناهج سوف تُعيقها حقيقة أن تكنولوجيا الطائرات المُسَيَّرة تتطور بسرعة، لا سيما في بيئة ساحة المعركة الديناميكية في أوكرانيا.
منذ الأشهر الأولى من الحرب في أوكرانيا، اختفت “تي بي-2” من ساحة المعركة تقريبًا. بمجرد أن تكيّفت روسيا وعززت دفاعاتها الجوية، لم تعد “تي بي-2” تبدو لا تُقهر. وفقًا لبعض التقديرات، بعد خمسة أشهر من الحرب، فقدت أوكرانيا عددًا من الطائرات المُسَيَّرة أكثر مما استخدمته في الضربات الفعّالة، ما دفع جيشها إلى التخلّي عن استخدام “تي بي-2” في أماكن مثل دونباس، حيث نشرت روسيا أنظمة مضادات قوية للطائرات.
وبدلًا من ذلك، فضلت أوكرانيا الذخائر المتسكعة، مثل “سويتشبلايد” (Switchblade) المصنوعة في الولايات المتحدة، والتي يمكن الاستغناء عنها أيضًا لأنها أصغر حجمًا وأرخص تكلفة – تكلفتها أقل من 6000 دولار، مقارنة بحوالي 5 ملايين دولار لـ”تي بي-2″. وقد وصفت إحدى الروايات الأخيرة جنديًا أوكرانيًا يستخدم طائرة مُسَيَّرة مدنية بقيمة 3000 دولار مُعَدّة محلّيًا بقنبلة يدوية بقيمة 200 دولار لتدمير دبابة روسية بقيمة 3 ملايين دولار.
يُعزّز المثال النقطة التالية: الطائرات المُسَيَّرة موجودة لتبقى، على الأقل في شكلٍ ما. ومن المرجح أن تظل تركيا مورّدًا جذّابًا وراغبًا لها للدول التي تبحث عنها.
- سارة كريبس هي أستاذة الشؤون الحكومية ومديرة معهد سياسة التكنولوجيا في جامعة كورنيل، وضابط سابق في الجيش الأميركي. يمكن متابعتها عبر تويتر على: @sekreps
- كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.