إيلي صليبي يُعلن “إنجيل” آدم لدين يوحّد الإيمان !
أصدرت دار “سائر المشرق” اللبنانية كتاباً بعنوان “كتاب آدم / السماء تبدأ من الأرض” للأديب والكاتب والإعلامي اللبناني إيلي صليبي، الذي كان أحد كتابين للمؤلف أصدرهما معاً ووقّعهما في المعرض الأخير للكتاب العربي الذي أقيم في بيروت أخيراً. ألكتاب الثاني كان بعنوان “نيوسَدوم … وحكم الشيطان الأرض”. في ما يلي مراجعة للكتاب الأول.
بيروت – جوزف قرداحي
يجهد الأديب والكاتب وإلإعلامي اللبناني المخضرم إيلي صليبي، أن يتوِّج سنين عطائه الطويل في عالم الكتابة والصحافة والتلفزيون، بسلسلة من الكتب الأدبية تحمل طابعاً لاهوتياً جدلياً. كان باكورتها في العام الفائت كتاب “عودة النبي” عن دار سائر المشرق، ليتبعه بكتابين جديدين وقّعهما في معرض الكتاب العربي الأخير في “البيال” في بيروت هما: “نيوسدوم … وحكم الشيطان الأرض” و”كتاب آدم/ السماء تبدأ من الأرض”. والسلسلة هذه المستمرة في إصدارات قريبة، هي عبارة عن نتاج خبرة ما يناهز الخمسين عاماً في العمل الإعلامي وخصوصاً التلفزيوني مع تأسيس “تلفزيون لبنان” في قسم الأخبار، إنتقالاً إلى مساهمته الواضحة في تأسيس قسم الأخبار في محطة المؤسسة اللبنانية للإرسال “أل بي سي” التي كان مشرفاً عاماً على نشراتها الفضائية والأرضية، قبل أن يقدم إستقالته نتيجة إعتراضه على سياستها الجديدة التي بدأت تنحرف عن تلك التي سارت عليها منذ تأسيسها على يد الرئيس الراحل الشيخ بشير الجميل. الأمر الذي ولّد في روح الإعلامي الكبير أكثر من ثورة، منها سياسية تبدو واضحة في مقالاته التي ينشرها في عدد من الصحف اللبنانية، ومنها أيضاً دينية إذا صحّ القول، تبدو واضحة في كتبه التي نلقي الضوء على آخر إصداراتها عن دار “سائر المشرق”.
يبحث إيلي صليبي في “كتاب آدم/ السماء تبدأ من الأرض” عن ديانة جديدة لا تلغي الديانات الأخرى ولكنها تجمعها في عقيدة واحدة هي الإيمان بالإنسان ليتمجّد الآب السماوي مع جميع الديانات. إذن الإيمان يبدأ من تحت لفوق وليس العكس، إذ ما نفع الإيمان بالله إن لم يكن الإيمان بالإنسان هو الطريق نحو الله؟!
ولكن هل جاء إيلي صليبي لينقض الكتب السماوية ويهدم الشرائع ويزلزل الإيمان، أم جاء ليكمل ما بدأه في كتابه السابق “عودة النبي”، ليهيىء الطريق أمام آدم الغارق في الظلمة، مطلقاً صرخة في وجه القتلة وعبّاد المال، واصفاً إياهم: ب”أولاد الأفاعي” الذين يمشون كالأموات “يحمل كل منهم كهفه ويمشي/ جسده كفناً ويمشي”(ص 12).
يدعو صليبي آدم إلى الثورة، ولكن ثورة بلا دم ولا عنف ولا رائحة موت وبارود وقتل ونار، ثورة من نوع آخر، ثورة غاندية إذا شئنا القول: ” تشبه الثورة صيحة ديك تشبه عروساً زفت الى عريسها، ولكن فرحها ينغّصه رصاص الإبتهاج”(ص 58).
يتطرق إيلي صليبي في كتابه إلى شتّى العلاقات الإنسانية ويعالجها بنفح لاهوتي وعظي على طريقة النبي، فيعيد صياغة جديدة لمفهوم المحبة قائلاً: “المحبة ليست المعزّة، وإفراد زوايا القلب للأعزة، بل إلغاء الذات في الأحبة” (ص 90) وكأنه يؤكد نبي جبران ليتماهى معه “المحبة لا تعطي إلا من ذاتها ولا تأخذ إلا من ذاتها”. وطالما الحديث عن المحبة والعلاقات الإنسانية النبيلة، لا بد لصليبي الذي يرفع المرأة إلى مكانة التقديس ويصفها: بـ”أمّ الحياة وعلّة الوجود” أن يخصّص لها فصلاً كاملاً في “إنجيله” الجديد، مطلقاً سلسلة من الوصايا ترددها حواء قائلة: “ووصيتي لبنات جنسي تقديس رجالهن بأجسادهن، واللوذ بهم في الشدّة” (ص 80) رافضاً بالتالي أن تتحوّل المرأة إلى جارية للرجل، فالإنقلاب الذي يحدثه صليبي على نصوص الدين التي جعلت الرجل رأس المرأة وقوام عليها، إنقلاب أبيض بسلاح فتاك. فالأديان التي ظلمت المرأة وجعلتها مهمّشة تارة وطوراً حليفة لشيطان الغواية، يعيد إليها إيلي صليبي حقوقها رافعاَ إياها إلى مصاف الآلهة، حين يستودعها سر الوجود.
اللافت في كتاب إيلي صليبي عنوانه “الملتبس” وكأنه دعوة مُبطّنة لإستبدال الكتاب المُقدَّس به، ولا سيما أنه كان مهّد له بكتاب “عودة النبي” مبشّراً برسول بشرية جديد، إستشعر آلام الإنسانية وغرقها في وحول الحضارة وضجيج المدن البابلية، فإمتشق سيف الكلمة لمحاربة سيافي الأعناق وشياطين الدين الذين أغرقوا الأرض بالشرور والفساد والهرطقات التي جعلت من الجنة ملاذاً للمتعة الرخيصة وماخوراً للعهر ومن الله عز وجل، “شريراً” يسوّق للقتل وجائزته العاهرات المكرّسات للمجرمين والمنحرفين وشياطين الدين.
لم يأتِ إيلي صليبي بكتابه لينقض الشريعة على ما يقول في مقدمته وإن أعلن صراحة أنه أمام التبشير بدين جديد يوحّد البشرية ويُنقذ الأرض من براثن تجار الهيكل. فكتابه الذي تضمّن تسعة أسفار على غرار الكتاب المقدس جعل فيها آدم وحواء والطبيعة والطيور والبحر والهواء عناصر ناطقة تخاطب الوجود وتخاطب الإنسان، يصلح ليكون إنجيل إبن آدم للزمن الآتي بعد موت تنين الشر.