طوني موريسون: قلَمُها طبعَ الأَدب الأَميركي (2 من 2)
هنري زغيب*
في الجزء الأَول من هذا المقال مهدتُ للإطلالة على طوني موريسون، الكاتبة الأَميركية التي كانت أَول امرأَة من أَصل أَفريقي تنال جائزة نوبل. وعرضتُ لنشأَتها وظروف تنقُّلها تدريسًا في أَكثر من جامعة، ومطالع حياتها الأدبية تأليف روايات نالت جوائز كبرى بلُوغًا إِلى “نوبل للأَدب”.
في هذا الجزء أَعرض لرواياتها وما كان لها من شهرة وتكريم على أَعلى المستويات الأَميركية بلُوغًا إِلى تكريم رئيس الجمهورية في البيت الأَبيض.
من رواية إِلى أُخرى…
عن إِحصاءات “جمعية المكتبات الأَميركية” أَن روايتها الأُولى “العين الأَكثر ازرقاقًا” صدمتْها موجة رفض واستنكار لِما فيها من “لغة هجومية حاقدة، وأَلفاظ جنسية وقحة، مؤْذية للقارئات الصبايا، وتبشِّر بالعنف”. مع ذلك بيعت منها آلاف النسخ، وهي اليوم بين أَكثر كتُب موريسون رواجًا وإِعادة طباعة.
بعد ثلاث سنوات على تلك الرواية الأُولى، أَصدرت طوني سنة 1973 روايتَها الثانية “سُولا”، فتوَّجَتْها تهانئُ وأَصداءُ ممتازة، ورُشحَت لـ”جائزة الكتاب الوطنية” سنة 1975. وهي عن سيدتين من أَصل أَفريقي نشَأَتا في مدينة ميداليون (ولاية أُوهايو) حتى افترقَتَا فترةً ثم عادَتَا فالتقَتَا مجدَّدًا على الأَزمات ذاتها في حياتهما ماضيًا قبل اللقاء وحاضرًا بعده.
… ومن جائزة إلى أخرى…
سنة 1987 صدَرت روايتُها “الحبيب” فرأَى فيها النقاد رائعتها الخالدة. وهي عن امرأَة تُدعى “سِيت” كانت مستعبَدَة وظلت تبحث عن طريقة للخروج من استرقاقها حتى نجحَت في تنفيذ قرارها وتحرُّرها من الاستعباد. وبتلك العقدة المريرة كانت الرواية صرخة الحياة الحرة والحب فاستحقَّت عليها طوني موريسون عددًا من الجوائز في طليعتها سنة 1988جائزة “بوليتزر” للرواية المكتوبة من قصة حقيقية.
فيما واصلَت موريسون إِيقاعها الكتابي، تعيَّنَت أُستاذة الأَدب الإِنكليزي في جامعة برنستون الشهيرة (تأَسَّسَت سنة 1746 في ولاية نيوجرزي)، وأَسسَت فيها سنة 1994 “محترَف برنستون” فكان “ظاهرة أَكاديمية فريدة تضم فنانين من مختلف الدُرَب الفنية لوضع أَعمال جديدة طيلة الفصل الجامعي الواحد”، فيعمل الرسام مع المؤَلف الموسيقي، ومصمِّم الرقص مع مهندس الديكور، وفرقة مسرحية مع فريق من العلماء، والشاعر مع مصوِّر سينمائي. كانت تلك فكرة عبقرية هنِئَ لها طلَّاب برنستون في فرصة أَن يكتسبوا مهارات ما كان يمكن أَن يكتسبوها في المنهاج الأَكاديمي التقليدي. وشرحت طوني فكرتها بأَن “يتعاون المبدع مع رفاق له مختلفي المهارات من أَترابه الشبان والصبايا”.
درَّسَت طوني في برنستون طوال 17 سنة متتالية، واستخدمت نُفوذها فيها لتوسيع برنامجها الفني الإِبداعي من جهة، ومن أُخرى لتكريس منهاجها الأَكاديمي الخاص بدراسات الأَدب للكتَّاب الأَميركيين ذوي الجذور الأَفريقية.
… وصولًا إِلى “نوبل”
أَخيرًا، سنة 1993، توَّجت طوني حياتها الأَدبية الكثيفة المثمرة بنَيلها “جائزة نوبل للأَدب على مُجمَل مؤَلَّفاتها التي “ساهمت في إِعلاء شأْن الأَدب الأَميركي” فكانت أَول امرأَة من أَصل أَفريقي تنال هذه الجائزة العالمية الكبرى. وجاء في إِعلان لجنة الجائزة أَن موريسون “حقَّقَت في مؤَلَّفاتها رؤْيا بعيدة ونسيجًا شاعريًّا ينفُث الحياة في واقع يشكِّل ظاهرة أَميركية حقيقية”. وكان خطابُ تَسَلُّمها الجائزة بيانًا أَدبيًّا في ذاته، جاءت فيه عبارتُها الشهيرة: “إِننا نموت، وقد يكون ذلك معنى الحياة، وإِننا نكتب، وقد يكون ذلك تعبيرَ حياتنا الوحيد”.
أَعلى تكريم رئاسي
سنة 2012 استضافها الرئيس الأَميركي باراك أُوباما إِلى البيت الأَبيض ومنحَها “مدالية الرئاسة الأَميركية للحرية” وهي أَرفع تقدير مدَني في الولايات المتحدة، كانت ممنوحةً حَتَّئِذٍ لـ13 شخصية فقط ممن عملوا على إِعلاء قيَم أَميركا الوطنية للسلام والثقافة، أَو لأَيِّ بادرة عامة أَو خاصة في هذا المنحى”.
كان الرئيس أُوباما معجَبًا بموريسون وأَدبها حتى أَنه، لدى وفاتها سنة 2019، غرَّدَ تويتريًّا: “طوني موريسون كانت كنزًا وطنيًّا، راويةً فريدة، أَخَّاذة بشخصيتها كما بكتابتها”، ورواياتُها تَحَدٍّ جميلٌ ذو مغزى عميق لضميرنا ووجداننا الأَخلاقي. ما أَهنأَنا أَننا تنفَّسنا هواءَها ولو لفترة. والعالَم الأَدبي الأَميركي سيكون ناقصًا بغيابها”.
إِرثُها إِلى الخلود
توفيَت طوني موريسون عن 88 عامًا مساءَ الخامس من أُغسطُس 2019 في بيتها النيويوركي بسبَب التهاب رئَوي حاد. وبعد أَربعة أَشهُر على غيابها، في الحادي والعشرين من نوفمبر 2019، أُقيم لها احتفال تذكاري شاركَت فيه شخصيات شهيرة من تلك الحقبة. وركَّز الخطباء على تأْثير طوني موريسون في جيلها، بكلماتها وقلبها وعقلها، فطالت بشخصيتها وكتابتها الآلاف من القرَّاء.
وفي لورين (أُوهايو)، المدينة التي وُلِدَت فيها، اتَّخذت البلدية سنة 2019 قرارًا باعتبار 18 شباط/فبراير (تاريخ مولدها) “يوم طوني موريسون التذكاريّ”. وتقدَّمت البلدية سنة 2020 بالطلب إِلى حكومة الولاية لاعتبار “يوم طوني موريسون” عيدًا رسميًّا.
هكذا غابت طوني موريسون… لكنها تركت إِرثًا يبقيها مُشْرقة في الفضاء الأَميركي جيلًا بعد جيل.
- هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib
- يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت).
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.