تهاني، فخامتك!

راشد فايد*

لا يُمكن أحداً، غير فخامته، أن يحسن “كرسحة” الدولة إلى هذا الحد. كان سليمان فرنجية الجدّ من الشهامة والشجاعة ما سمح له بأن يجيبني عن السؤال، كيف تصف الدولة اليوم، فقال: يا بني تسلمتُ الدولة كرسيّاً تهتز، فسلّمتها كُرسيّاً مُشلّعة”.(جريدة السفير، ما بعد 22 أيلول/سبتمبر 1976 لصعوبة التحديد).

كان ذلك في قصره في إهدن، في حضور النائب المرحوم كاظم الخليل، بعدما ترك الرئاسة، في اليوم الأخير من ولايته، لا بزيادة يوم، ولا بنقصان مثله. لا يعني ذلك أن الديموقراطية اللبنانية كانت بألف خير، لكنها لم تكن يوماً بالإسفاف الذي هي عليه حالياّ. كانت مواعيد الإنتخابات، ومنها الرئاسة، مُقدَّسة لا تفرضها ميليشيات “إلهية”، وتعلّقها أكثر من سنتين.

نعرف أن فخامة رئيس اليوم، غير فخامة إبن زغرتا، و”الأنا” تمنعه عن هذا القول الحكيم: جاء الثاني إلى الرئاسة بقوّة صوت الديموقراطية الواحد، ولم يُحمَل على رؤوس بنادق ميليشيا طائفية مذهبية، ولا عصبية غريزية تزعم وطنية يهال عليها تراب منتجات إيرانية، وتجفف من الدولارات الأميركية إلى دمشق وطهران.

لا ينسينا ذلك مدى السوء الذي وصل لبنان، في سبعينات القرن الفائت: الجيش تشتّت ولم يصمد مُوَحَّداً. قوى الأمن الداخلي تحيّدت بقرارٍ منها، ربما لضعف التسلّح. مجلس النواب بقي عنوان الشرعية الدائم، ولو مُختبئاً، وحافظ القضاء على ماء الوجه، إلى حدٍّ كبير، برغم التهديد والوعيد من الصغير والكبير.

اليوم، بفضل ما “يُلهم” به الرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل، جمهورهما، إنهار هيكل القضاء الذي هو معبد الدولة، وملحها، وعنوان نزاهتها. لا يخطر على بال أن يتحوّل القضاء إلى ميليشيا جهاز أمن الدولة، ويتحوّل دخول “مكاتب شركة مكتف المالية” إلى حرب داحس والغبراء بين مضارب بني عون، وحوش بني مكتّف.

حاول الرئيس الراهن، أن يقولب الدولة على شاكلة وعيه السياسي ومثاله القيادي، فكان “إبداع” حرب الإلغاء ثم حرب التحرير، والتعامي، وربما التغابي، عما يجري في المحيطين الإقليمي والدولي:  كان همّه قصر بعبدا، فلم يلحظ، أنه للمرة الأولى منذ معركة سهل البقاع في 1982، دخلت القوات الجوية السورية مجال الجو اللبناني، لقصف معاقله، وأستخدمت سبع طائرات سوخوي “أس يو 24″ السوفياتية من أجل هذه العملية فقط. بالإضافة إلى ذلك، حصل الرئيس السوري حافظ الأسد على الضوء الأخضر من المجتمع الدولي، مقابل موافقته على المشاركة في حرب الخليج الثانية بنحو 10 آلاف جندي و200 دبابة.بينما كان عون يتقلب، حسب الأهواء، بين موافق على اتفاق الطائف (كانون الثاني/يناير 1990) شرط بعض التعديلات، ثم لا يعترف، في 1 نيسان (إبريل) 1990، بشرعية أي اتّفاق أو تحالف بين الحكومة و”القوات اللبنانية”.

يُمكن قول أي شيء عن الجنرال، وهو ذكّرنا بعائلته ورتبته، علّه ينعش ذاكرة تريد أن تنسى “إنجازاته”، وها هو اليوم يستانف هوايته: دولة على صورة الصهر ومثاله…وإلّا “عمرو” ما يكون في دولة.

كل التهاني فخامتك!

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازياً مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى