صناعة النفط في المملكة العربية السعودية تواجه تحدّيات ومخاطر غير مسبوقة

تواجه صناعة الهيدروكربونات في المملكة العربية السعودية تحديات ومخاطر لم تعرفها من قبل خصوصاً بعد الهجوم الحوثي – الإيراني المُسيّر الأخير على المنشآت النفطية في شرق المملكة.

 

الأمير عبد العزيز بن سلمان: هل ينجح في مهمته الجديدة؟

بقلم كريستيان كوتس أولريخسن*

ربما لم يشهد قطاع النفط في المملكة العربية السعودية أي تطورات متوترة مثل تلك التي حدثت منذ أواخر آب (أغسطس) الفائت. تعديلٌ لم يسبق له مثيل في وزارة الطاقة، مع تعيين أحد أفراد العائلة المالكة وزيراً للطاقة لأول مرة، أعقبته هجمات دقيقة بشكل مذهل على منشآت النفط في شرق المملكة في الساعات الأولى من يوم 14 أيلول (سبتمبر) الفائت. والآن تُطرح أسئلة حول مدى التزامات الولايات المتحدة بأمن المملكة، والتي شكلت العمود الفقري للسياسة السعودية لعقود. كيف سيكون ردّ فعل الرياض؟

إن إقالة خالد الفالح كوزير للطاقة ورئيس مجلس إدارة شركة النفط الحكومية العملاقة “أرامكو” تعني أن إثنين من التكنوقراطيين البارزين اللذين عَهَد إليهما ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بقيادة برنامج التنمية الإقتصادية “رؤية 2030″، والذي يهدف إلى تحويل الاقتصاد السعودي بعيداً من النفط، لم يَعُدا من المحظيين الآن. عادل الفقيه، وزير الإقتصاد والتخطيط السابق الذي كان قريباً من ولي العهد، إحتُجز في جولة “ريتز كارلتون” سيئة السمعة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2017، وما زال مُحتجَزاً.

بدأت الإضطرابات في 30 آب (أغسطس) الفائت عندما أعادت سلسلة من المراسيم الملكية إعادة هيكلة قطاع الطاقة. إنبثقت وزارة الطاقة والموارد المعدنية الجديدة عن وزارة الطاقة، والتي قلّل من حجمها كوزارة ضخمة رئيسة. بعد أكثر من أسبوع بقليل، تم عزل الفالح كوزير للطاقة، وتم استبداله بأحد أبناء الملك سلمان، الأمير عبد العزيز بن سلمان، البالغ من العمر 59 عاماً، وهو ابن الملك من زوجته الأولى، وبالتالي الأخ الأكبر غير الشقيق لولي العهد القوي، حيث أصبح أول فرد من العائلة المالكة يتحمّل مسؤولية وزارية عن سياسة الطاقة السعودية. كما تم إقالة الفالح كرئيسٍ لمجلس إدارة أرامكو السعودية، وحل محله رئيس صندوق الإستثمارات العامة في المملكة، ياسر الرميان.

على عكس الترقية السريعة لولي العهد، عكس تعيين عبد العزيز مسيرته المهنية التي استمرت 32 عاماً في وزارة الطاقة، أولاً كمستشار ووكيل وزارة، ثم نائب وزير بعد العام 2004 ووزير دولة في العام 2017. خلال حياته المهنية الطويلة، طوّر عبد العزيز سمعة جيدة بين محللي الطاقة والمطلعين في الصناعة كخبير تكنولوجي يحظى باحترام كبير مع تمتعه بميزة بِناء توافق الآراء – في تناقض ملحوظ مع محمد بن سلمان المتهور الذي يصغره ب25 عاماً.

ويُعتقَد أن الفالح فَقَدَ دعم ولي العهد بسبب مزيج من عدم الحماس الكافي لعملية الإكتتاب الأوّلي التي طال انتظارها والمعارضة الداخلية لشراء شركة أرامكو حصة الأغلبية في المجموعة الكيميائية السعودية “سابك” بحوالي 69 مليار دولار. إن حقيقةَ أنه استُبدِل بالرميان كرئيس لمجلس إدارة أ”رامكو”، وهو المفضل حالياً لدى محمد بن سلمان، تُشير بأن السياسات التي تؤثر في “أرامكو” ستظل تحمل بصمة ولي العهد ودائرته الداخلية، بدلاً من أن تعكس بالضرورة المتطلبات التشغيلية لشركة الطاقة الأكثر ربحية في العالم. وشارك الرميان في الأشهر الأخيرة بشكل مُكثّف في تحديد التفاصيل النهائية لعملية التعويم المقررة لأسهم “أرامكو”، والتي لا يزال من المقرر أن تحدث في العام 2019 على الرغم من تقييم المخاطر المرتفع في أعقاب هجمات أيلول (سبتمبر) النفطية.

ربما يكون محمد بن سلمان قد قام بتعديله من أجل زيادة تعزيز نفوذه وسلطته على جميع جوانب صنع السياسة السعودية. لكنه قدّم أيضا نقاط ضعف جديدة مُحتَملة. لطالما كانت الحكمة التي يرددها المراقبون السعوديون أن القطاعين المالي والطاقة كانا مكانين لأهل الخبرة والتكنوقراط، محميين نوعاً ما من التدخل الأسري الملكي – والفساد المحتمل – إذ أنهما المجالان في صنع السياسات اللذان عززا الإستقرار الإقتصادي وبالتالي السياسي للمملكة.

الواقع أن إبعاد كلّ من الفالح والفقيه لم يُبعد إثنين من أكثر التكنوقراطيين قدرةً في المملكة، واللذين كانا من المفترض أن يُنفّذا خطط المملكة العربية السعودية الكبرى لفصل اقتصادها عن النفط، بل أنه أزال جدار الحماية الذي كان يفصل في السابق منتقدي سياسات الحكومة السعودية عن انتقاد العائلة المالكة نفسها. قد يجد ولي العهد أن الناس الذين يمكن أن يتحملوا مسؤولية الفشل إذا لم تُقدّم التغييرات في السياسة النتائج المرجوة ينفدون. سيكون من الصعب للغاية عزل الأمير عبد العزيز بن سلمان كما كان الحال مع خالد الفالح، خصوصاً إذا كان والدهما، الملك سلمان، لا يزال يشارك بنشاط في صنع القرار.

هناك مصادر جديدة أخرى من عدم اليقين الاقتصادي فيما بدأ الغبار ينجلي بعد هجمات النفط في الشهر الفائت. في 30 أيلول (سبتمبر)، خفّضت وكالة فيتش التصنيف الإئتماني للمملكة العربية السعودية من +A إلى A، مع نظرة “مستقرة”، مما يدل على المخاطر المتزايدة التي قد تؤثر بشكل كبير في عقول المستثمرين المطلوبين أكثر مما أثّر غضب 2018 على مقتل الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول. إذا كانت هناك هجمات على أجزاء أخرى من البنية التحتية السعودية الحيوية، مثل تحلية المياه أو محطات توليد الكهرباء، فإن هذه المخاطر سوف تنمو أكثر.

لقد أثارت الهجمات النفطية أيضاً شكوكاً حول بيان مثير عن إيران قاله ولي العهد قبل أكثر من عامين: “لن ننتظر حتى تصبح المعركة في المملكة العربية السعودية”، على حد قوله لمحطة “العربية” التلفزيونية، “لكن سنعمل حتى تكون المعركة موجودة في إيران”. لكن عدم وجود رد أميركي قوي وفوري على الهجوم على المنشآت النفطية، والذي ألقت الرياض وواشنطن باللوم فيه على إيران، ترك القيادة السعودية قلقة وفاقدة الأعصاب.

يسعى المستثمرون الذين يحتاجهم ولي العهد إلى التيقن والقدرة على التنبؤ في المدى الطويل، وكان عدد هؤلاء قليلاً بشكل متزايد منذ وصل محمد بن سلمان إلى الساحة في العام 2015. وقد ينجح الإكتتاب العام في أرامكو، والأمير عبد العزيز بن سلمان لديه جميع السمات والصفات ليكون وزيراً ناجحاً للطاقة. لكن هوامش الخطأ باتت أكبر مما كانت عليه قبل شهر وقد تُصبح أكبر.

  • كريستيان كوتس أولريخسن هو زميل متخصص في شؤون الشرق الأوسط في معهد بيكر بجامعة “رايس”، وزميل مشارك في مركز “تشاتام هاوس” في لندن.
  • كُتِب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى