لماذا التقسيم ليس حلّاً دائماً لسوريا

عندما تكون في شك، التقسيم هو الحل. هذه القاعدة القبيحة فضّلتها سابقاً القوى الأوروبية. منذ قرن من الزمان، أخذت هذه القوى سكيناً إلى الإمبراطورية العثمانية وشرّحتها إلى أراض متعددة ومختلفة. حتى يومنا هذا لا يزال هذا التشريح هشّاً لأن سكانه المختلطين لم تُقبَل عقودهم الإجتماعية أبداً.
حاولت الأمم المتحدة الشيء عينه في فلسطين في العام 1947 وبريطانيا في الهند في العام نفسه، وكلاهما ترك إرث الصراع السائد حتى الآن. على الرغم من أنه غالباً ما يكون الدافع في البداية رغبة ملحة لفصل السكان المُنقسمين ومنع الإختلاط المتقلب والمعرّض، فقد فشل التقسيم في حل المطالبات على الأراضي التي كانت سابقاً مشتركة، الأمر الذي ترك في المكان عدم إستقرار دائم.
رأى الراحل كريستوفر هيتشنز بأن التقسيم هو إمتداد للمرحلة التي لعبت فيها القوى الاستعمارية على إختلاف المواطنين الذين تستعمرهم للاحتفاظ بالسيطرة، خالقةً إنقسامات مستمرة.
وقد أظهر الأميركيون ميلاً مماثلاً في العقد الماضي أو نحو ذلك. في العام 2006، إقترح جو بايدن، الذي كان آنذاك الديموقراطي البارز في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، وليزلي غيلب، الرئيس السابق لمجلس العلاقات الخارجية، تقسيم العراق إلى ثلاث مناطق. بالنسبة إلى بايدن الفكرة كانت “للحفاظ على وحدة العراق من خلال اللامركزية، وإعطاء كل مجموعة عرقية دينية … مساحة لادارة شؤونها الخاصة، في حين ترك الحكومة المركزية مسؤولة عن المصالح المشتركة”.
لم تُعتمَد هذه الخطة أبداً، لأن ما إقترحه بايدن وغيلب كان تحوّلاً جذرياً في الدولة العراقية تقوده الولايات المتحدة. وهذا لا يعني، مع ذلك، أن غريزتهما كانت كلها على خطأ. العراق، مثل الدول العربية غير المتجانسة الأخرى، لم يعثر بعد على صيغة ملائمة للتوفيق بين طوائفه وأعراقه المختلفة في كيان صلب موحّد.
وقد واجه المسؤولون الأميركيون معضلة مماثلة في ما يتعلق بسوريا. في الآونة الأخيرة، حذر وزير الخارجية جون كيري أن الولايات المتحدة ستلجأ إلى خطة بديلة إذا لم يُحترَم إتفاق وقف إطلاق النار في سوريا من قبل النظام السوري وروسيا. بعد ذلك بوقت قصير، أوضح ما كان يعنيه عندما قال للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ: “قد يكون الوقت متأخراً جداً للحفاظ على سوريا كلها إذا إنتظرنا فترةً أطول”.
ولم يكن كيري يدعو إلى التقسيم، ولكن هناك بعض من يفكر في هذا الاتجاه في الأوساط القريبة من إدارة أوباما. فيليب غوردون، المنسق السابق في البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنطقة الخليج، كتب أخيراً تقريراً لمؤسسة “راند”، مع جيمس دوبينز وجيفري مارتيني، يدعو إلى تقسيم فعال لسوريا إلى مناطق، مع الأخذ بعين الاعتبار الانقسامات الإثنو-طائفية.
ينظر غوردون وزميلاه إلى خطتهم كإجراء مؤقت حتى يتم الاتفاق على ترتيبات طويلة الأجل لسوريا. ومع ذلك، فمن الواضح أيضاً أنه بالنسبة إليهم، فإن المؤقت قد يصبح دائماً. ذلك أنهم يعترفون بأن “إستعادة سوريا موحَّدة من المرجح أن يستغرق وقتاً طويلاً، إذا كان ذلك ممكناً على الإطلاق”.
تقرير “راند” ليس بياناً رسمياً عن النوايا الأميركية، لذلك سيكون من الخطأ إعتباره على هذا النحو. ومع ذلك، فقد أشارت تصريحات كيري إلى انه لم يكن بعيداً من السيد غوردون وزميليه في عرض حل في سوريا ناجم من أحد طريقين: إما التوسط لترتيب سياسي واسع بين الفصائل السورية ورعاتها الإقليميين؛ أو الحصول على إتفاق لوقف إطلاق النار فوراً في المكان، تليه مفاوضات حول مستقبل سوريا.
ويعتقد غوردون وشريكاه في التقرير، أنه في حين أن الخيار الأول مرغوب أكثر، فمن المستحيل تنفيذه في ظل الظروف الحالية. ويمكن أن يكونوا على حق. إن تجارب كيري مع مؤتمر جنيف التي فشلت في أوائل شباط (فبراير) لم تقنعه خلاف ذلك. لهذا، هو والروس، منذ ذلك الحين، يركزان على وقف إطلاق النار، وهذا يعني أن كل جانب يعزز الأراضي التي يسيطر عليها الآن – كما إقترح تقرير “راند”.
ولكن حتى لو كان كيري يفكر في خطة تقسيم في نهاية المطاف، فإنه ليس من الواضح ما إذا كان الروس يقبلون بذلك. وقد ألمح كلٌّ من موسكو وبشار الأسد إلى أنهما قد يقبلان بالحل الفيديرالي لسوريا، على شرط أن تبقى دولة موحدة. ومع ذلك، فإن هذا مختلف تماماً عما كتبه وقصده غوردون وشريكاه في التقرير، مع آثاره المحتملة.
كانت فقرة لافتة في تقرير “راند” وهي الشرط بأن وقف إطلاق النار في سوريا يجب أن يكون تحت إشراف دولي. ومع ذلك، فإن هذا يفيد بأن واضعي التقرير رأوا بلدين، المملكة العربية السعودية وتركيا، كمفسدين ممكنين للتسوية. وهذا يعكس المزاج التحريفي في واشنطن، ولكن أيضاً إلى أي حد تدنت علاقات الولايات المتحدة مع إثنين من حلفائها الإقليميين التقليديين.
قد لا يكون لدى كيري العديد من الخيارات، ولكن سيكون عليه أن يكون حذراً. ليست هناك أي دولة تحب أن “تُفرَم” من قبل الأجانب، بغض النظر عن مدى عمق الانقسامات الداخلية. إن التقسيم ليس حلاً دائماً ومستداماً لسوريا. في أحسن الأحوال هو علاج اللحظة الذي من المؤكد أنه سيحمل عواقب وخيمة. إن الرغبة في وقف القتال لا ينبغي أن تدعو مخططات غير مدروسة وغير ملائمة من شأنها أن تديم فقط الإستياء.
دمشق – محمد الحلبي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى