“شَراكَةُ ظَرفِيَّة” بين إيران وروسيا تَتّسِعُ لتَشمُل أوكرانيا
بدأت التقارير عن استخدام روسيا للطائرات المسيرة الإيرانية الانتشار خلال الصيف، لكن في الأسبوع الفائت كانت أول مرة تتهم فيها واشنطن روسيا بشكل مباشر باستخدام طائرات مُسَيَّرة إيرانية الصنع لمهاجمة أهداف أوكرانية.
لينا الخطيب*
أعلنت إدارة جو بايدن في الأسبوع الماضي أن إيران نشرت فريقًا من المستشارين العسكريين في شبه جزيرة القرم لمساعدة القوات الروسية في التغلب على الصعوبات التي تواجهها مع طائرات “كاميكازي” الإيرانية المُسَيَّرة التي اشترتها موسكو من طهران. بدأت التقارير عن استخدام روسيا للطائرات المسيرة الإيرانية الانتشار خلال الصيف، لكن في الأسبوع الفائت كانت أول مرة تتهم فيها واشنطن روسيا بشكل مباشر باستخدام طائرات مُسَيَّرة إيرانية الصنع لمهاجمة أهداف أوكرانية. قد يؤدي الانخراط الإيراني المزعوم على الأرض في أوكرانيا إلى زيادة تعقيد علاقاتها المتوترة أصلًا مع الغرب.
من جانبها، أدانت لندن بيع إيران للطائرات المسيرة لروسيا باعتبارها انتهاكًا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231، الذي ينص على أن نقل الصواريخ وأنظمة الصواريخ، من بين منصات أسلحة أخرى، “إلى إيران، أو لاستخدامها أو استفادة إيران منها” يتطلب موافقة مجلس الأمن قبل اتمامه. ردت المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي على الانتهاك الواضح لقرار الأمم المتحدة بفرض عقوبات على “شاهد” لصناعة الطائرات، الشركة المصنعة للطائرات المسيرة، بالإضافة إلى ثلاثة مسؤولين عسكريين إيرانيين كبار يُعتقد أنهم شاركوا في قرار إمداد روسيا بها. وتُكمل هذه العقوبات تلك التي فرضتها لندن وبروكسل الأسبوع الماضي على شرطة الآداب في طهران وأفراد آخرين يُعتَبَرون مسؤولين عن الحملة العنيفة على الاحتجاجات المستمرة في جميع أنحاء إيران.
أعلنت واشنطن في الأسبوع الماضي أنها ستفرض أيضًا مزيدًا من العقوبات و”تسعى بكل الوسائل لفضح وردع ومواجهة توفير إيران لهذه الذخائر ضد الشعب الأوكراني”، كما قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي. وقد ردد وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن تلك التصريحات، وربط بين التدخل العسكري الإيراني في أوكرانيا ودور طهران في “تصدير الإرهاب” عبر الشرق الأوسط.
منذ أن تولى الرئيس الأميركي جو بايدن منصبه في كانون الثاني (يناير) 2021، أعطت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي الأولوية لإحياء الاتفاقية النووية لعام 2015 مع إيران، والتي انسحبت منها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في العام 2018. لكن تلك المحادثات تعثرت بسبب عددٍ من القضايا. على مدار المفاوضات، اتهمت إيران الولايات المتحدة بأنها غير منطقية لرفضها ضمان الحفاظ على صفقةٍ مُعاد التفاوض عليها من قبل الإدارات المستقبلية بعد انتهاء فترة بايدن في منصبه. كما عارضت طهران ادعاء واشنطن بأن الولايات المتحدة ليس لها أي تأثير على التحقيقات في النشاط النووي الإيراني التي تجريها حاليًا الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ومع ذلك، تصر واشنطن على أن الدعم العسكري الإيراني لروسيا له قيمة عملياتية محدودة ولا يُغيّر الصورة العامة في أوكرانيا، حيث تستمر روسيا في تكبد خسائر عسكرية فادحة. من المرجح أن يكون قرار طهران ذا دوافع سياسية ويهدف إلى إرسال إشارة إلى الولايات المتحدة وأوروبا عن استعدادها لتجاهل مخاوفهما بشأن سلوك إيران الدولي. جاء ذلك بعد تعليق المفاوضات حول خطة العمل الشاملة المشتركة، كما يُعرف الاتفاق النووي رسميًا، إلى أجل غير مسمى. يمثل توسع إيران في تواجدها العسكري خارج منطقة الشرق الأوسط تصعيدًا لعنادها وتحدّيها للولايات المتحدة، على الرغم من حقيقة أن طهران لا تزال تنكر أنها تلعب دورًا في الحرب في أوكرانيا.
ستستفيد إيران وروسيا من الناحية الجيوسياسية والاقتصادية من توسيع تعاونهما. البلدان شريكان قويان لنظام الرئيس السوري بشار الأسد وتعاونا في الحرب الأهلية السورية ابتداء من العام 2015، عندما استكمل التدخل العسكري الروسي الجهود الإيرانية لتعزيز موقف الأسد المتعثّر آنذاك. يشير الدعم العسكري الإيراني لروسيا في أوكرانيا إلى تعميق هذه الشراكة. يمكن لإيران أيضًا التباهي بحقيقة أنها طورت تكنولوجيا الطائرات المسيرة على مستوى عالمي على الرغم من العقوبات الغربية المُعَوِّقة، وهي حقيقة تثير أيضًا معضلات أمنية لإسرائيل ودول الخليج العربية.
بصرف النظر عن الشراكة الديبلوماسية والأمنية القوية بين إيران وروسيا، يعمل البلدان أيضًا على تعميق علاقاتهما الاقتصادية. في أيلول (سبتمبر)، تقدمت إيران بطلبٍ لعضوية منظمة شنغهاي للتعاون، التي تُعَدُّ روسيا أحد أعضائها المؤسِّسين. كما وقّعت موسكو وطهران إتفاقات اقتصادية ثنائية خلال زيارةٍ قام بها بوتين لطهران في تموز (يوليو). ومع توتر وضع البلدين تحت وطأة العقوبات الغربية، فإن التعاون الموسَّع هو في الأساس أمرٌ لا يحتاج إلى تفكير.
لكن على الرغم من ظهور علاقات أوثق، تظل الشراكة بين روسيا وإيران شراكة مُلاءَمة وظرفية إلى حدٍّ كبير. تواصل روسيا التعاون مع إسرائيل بشأن تبادل المعلومات الاستخبارية في سوريا، حتى مع استهداف إسرائيل للقوات الإيرانية ومخازن الأسلحة داخل سوريا بهجمات تسمح بها القوات الروسية ضمنيًا على الأقل. ومع ذلك، تهدف روسيا إلى الإظهار بأن لديها شركاء على استعداد لدعمها ولا يزال بإمكانها ممارسة نفوذها العالمي على الرغم من الجهود الغربية لعزل واحتواء موسكو. في غضون ذلك، تستخدم إيران دورها في أوكرانيا لتعزيز موقعها الجيوسياسي الأوسع، بما في ذلك علاقتها الثنائية مع روسيا.
ستكون زيادة قيمة إيران كشريك لروسيا ضرورية لطهران إذا قامت في نهاية المطاف بتصدير الغاز إلى أوروبا، لأن الخدمات اللوجستية لتلك العملية ستتطلب تنسيقًا وثيقًا مع موسكو. لكن بالنظر إلى الظروف الحالية، يبدو هذا الأمر وكأنه دائرة صعبة على التربيع.
- لينا الخطيب هي مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس. يشمل عملها في الشرق الأوسط الجغرافيا السياسية، والصراع، والتحولات السياسية، والسياسة الخارجية تجاه المنطقة. يمكن متابعتها عبر تويتر على @LinaKhatibUK
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.