بايدن – ترامب: مَعرَكَةٌ مُبكِرَةٌ بلا مُحَرَّمات

محمّد قَوّاص*


لا تبدو حملةُ الانتخابات النصفية في 8 تشرين الثاني (نوفمبر) في الولايات المتحدة تقليدية روتينية كما هي حال أيّ معركة انتخابية بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي. فالمناسبة تُبرِزُ واجهةَ المعركة الحقيقية بين المُرَشَّحَين، جو بايدن الديموقراطي ودونالد ترامب الجمهوري، لانتخابات العام 2024 الرئاسية.

والحالُ أن معركة الحزب الديموقراطي للدفاع عن مواقعه في مجلسَي الشيوخ والنواب لا تقوم على قاعدة البرامج السياسية والوعود الانتخابية، بل على التخفيف من وقع الأداء السياسي السلبي للإدارة الحالية برئاسة بايدن الذي تراجعت مؤشرات شعبيته والانخراط في حملةٍ مُركّزة للتخويف من احتمال عودة ترامب إلى البيت الأبيض بعد سنتين. حتى أن صحيفة نيويورك تايمز وصفت حملة الانتخابات النصفية بأنها “تشبه إعادة مواجهة بايدن ضد ترامب، دون أن يكون أيٌّ من الرجلين مُدرَجًا بالفعل على بطاقة الاقتراع”.
يُندّد الرئيس الأميركي في أحد تصريحاته بـ”تطرف” الرئيس السابق وأنصاره، مُتَّهما إياهم بزعزعة “أسُس” الديموقراطية الأميركية. يقول إن “دونالد ترامب وجمهوريي “ماغا” (MAGA) يُمثّلون تطرّفًا يُهدد أسس جمهوريتنا”، في إشارة منه إلى الأحرف الأولى من شعار ترامب بالإنكليزية  “Make America Great Again” أي (جعل أميركا عظيمة مجددًا)، مُضيفًا أن “المساواة والديموقراطية تتعرضّان للهجوم” في الولايات المتحدة.
لكن اللافت هو ما صدر عن الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما في تحذيره الديموقراطيين من “الهَوَس” في ملاحقة ترامب وصحبه. يتجاهل بايدن الأزمة الاقتصادية وارتفاع معدلات التضخم اللذين يؤثّران فعليًا في خيار الناخبين وينهمك بمهاجمة ترامب ومؤيدية. أكثر من ذلك، ذهبت تقارير أميركية لتتحدث عن أن تحريكَ ملفّاتٍ قضائية ضد ترامب ومحيطه ليس بريئًا ولا يُمكن إلّا أن يكون مُسَيَّسًا يُعبّرُ عن “رُعبٍ” من الاحتمال الترامبي الذي لم تبعده انتخابات العام 2020.
تسعى الإدارة الديموقراطية إلى شيطنة مرحلة رئاسة ترامب وتأثيم سياساته الداخلية كما خياراته في السياسة الخارجية. وتبدو القضية المرفوعة ضد مستشار ترامب، ستيف بانون (حكم عليه الجمعة بالسجن لأربعة أشهر)، جُزءًا من حملةٍ مُتعدّدة الأدوات لتجريم الفضاء الإيديولوجي لترامب والترامبية والتي يكرر بايدن أنه نذير تطرف وعنصرية وعداء للدولة. ويواجه بانون اتهامَين جنائيين، لإخفاقه فى التعاون مع تحقيقات مجلس النواب حول أحداث اقتحام الكونغرس في 6 كانون الثاني (يناير) 2021.
الأمرُ ينسحب أيضًا على القضية المرفوعة ضد رجل الأعمال توم برّاك المقرّب من ترامب بتهمة قيادة لوبي هدفه تطوير العلاقات الأميركية الخليجية. تصف أوساط أميركية التهمة بـالـ”هراء” السياسي، وتصفها جريدة الفيغارو الفرنسية بـ”الدعابة الهزلية”. فالقضية المرفوعة ضد برّاك تتهمه بقيادة لوبي لتطوير العلاقات الخليجية-الأميركية وهي في الأساس علاقات تحالف تاريخي استراتيجي متين لا يحتاج إلى خدمات مؤسسات الضغط والعلاقات العامة.
على هذا تلاحظ مصادر أميركية مراقبة أن التصعيد الذي افتعلته إدارة بايدن ضد الخليج ومنظمة “أوبك+” (بسبب قرار الأخيرة رفع انتاج النفط مليوني برميل يوميًا ابتداءً من تشرين الثاني/نوفمبر) يصبّ تمامًا في سياق التشكيك في علاقات واشنطن مع المنطقة وجعل ازدهارها وتطوّرها مُفتَعَلًا يحتاج إلى خدمات برّاك وغيره.
والواضح أن خروج منابر أميركية، حتى من داخل الحزب الديموقراطي، تحذّر من خطورة المسّ بالعلاقات الاستراتيجية التي تربط دول الخليج بالولايات المتحدة، سلّطت الضوء بشكل غير مباشر على الهدف الحقيقي من قضية برّاك وغاياتها، من حيث أن الإدارة الديموقراطية أفرطت في التلاعب في العلاقات مع الحلفاء التقليديين لتحقيق مآرب ترتبط بالانتخابات النصفية وتشوية خيار ترامب الذي شهد عهده ورشة ازدهار في علاقات واشنطن مع كل المجموعة الخليجية.
والمفارقة أن حملة الإدعاء العام ضد برّاك بتهمة العمل على رفد وتطوير علاقات واشنطن مع دول الخليج، تتناقض مع ما يصدر عن وزارة الخارجية والبنتاغون من إشادة بالعلاقات الأميركية-الخليجية وتعاون الطرفين الدائم والاستراتيجي لمكافحة الإرهاب.
يقول بايدن إن الرئيس السابق وأولئك الذين يؤيدون إيديولوجيته -جعل أميركا عظيمة مجددًا- “لا يحترمون الدستور. إنهم لا يؤمنون بسيادة القانون. هم لا يعترفون بإرادة الشعب”.
هنا تصبّ المعركة القضائية ضد بانون وبرّاك جهدها للتهويل على الدوائر المحيطة بترامب والتي يمكن أن تكبر وتتوسّع لرفد ترشيحه مجددًا في العام 2024. ولئن تهدد قضايا “أحداث الكونغرس” ترامب نفسه وتهدف للتشكيك بمصداقيته ونزاهة ووجاهة ترشحه، فإن أسئلة تدور، وأشار إليها ترامب نفسه، حول خطورة الدفع بالقضاء، ولو بشكل غير مباشر، للانخراط في قضايا تفوح منها رائحة التسييس بما يمسّ من سمعة أهم السلطات التي تفتخر بها الولايات المتحدة.
إثر عملية التفتيش التي أجراها مكتب التحقيقات الفيدرالي في مقر إقامة ترامب في مارالاغو بفلوريدا في 8 آب (اغسطس)، قال ترامب إن هذا التحقيق يُشكّل “المثال الصارخ على التهديدات الحقيقية التي تؤثر في حرية الأميركيين” وواحدًا “من أكثر الانتهاكات المروعة للسلطة من جانب أي إدارة في التاريخ الأميركي”. يُشدّد الرئيس السابق على أن “المداهمة المُخزية” لمكان إقامته في مارالاغو كانت “استهزاء بالعدالة”.
في مقابلة مع محطة “سي أن أن” (CNN) في 12 تشرين الأول (أكتوبر) يقول بايدن: “أعتقد أن بإمكاني هزيمة دونالد ترامب مُجدَّدًا”. والواضح أن الرئيس الأميركي يُشَخصن استحقاق تشرين الثاني (نوفمبر) ويجعل منه مناسبة لشنّ حملة على ترامب وتشويه معتقداته والنيل من مؤيديه. يرد ترامب بدوره من دون تحفّظ أو تردد على “من سرق الانتخابات”، وفق ما يكرر. يتهم بايدن بأنه “عدو الدولة”، مُستَنكرًا “خطابا هو الأكثر شراسة وبُغضًا وانقسامًا يلقيه رئيس أميركي”، ومُشددًا على أن خطاب بايدن “كان مجرد كراهية وغضب”.
والواضح أن المعركة الخطيرة التي هددت السلم الأهلي إثر الانتخابات الرئاسية الأخيرة تزداد شراسة وتتصاعد داخلها الأدوات في أبعادها السياسية والإعلامية والقضائية وميادين أخرى. وفيما يتوقّع المراقبون خفوت التوتر الذي افتعلته واشنطن ضد الرياض ودول “أوبك+” بعد الانتخابات النصفية، إلا أن العدّة القضائية وإمكانية فتح ملفات حتى لو كانت فارغة ستصبح عدّة الشغل المعتمدة لخوض غمار انتخابات الرئاسة المقبلة بعد عامين

  • محمّد قوّاص هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني مُقيم في لندن. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @mohamadkawas
  • يَصدُرُ هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره على موقع “سكاي نيوز عربية” (أبو ظبي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى