آنّي إِرنو: لهذا نالت جائزة نوبل (1 من 2)

ذات يوم كانت صبيَّة

هنري زغيب*

أَعرف أَنْ منذ أَعلنَت الأَكاديميا السويدية فوزَها بــ”نوبل الأَدب” لهذا العام، انهالَت المقالات عنها والأَبحاث في معظم لغات العالم. لكنني أَعرف أَيضًا أَنَّ الإِبداع فضاءٌ لامحدود وأَنَّ الحديث عنه لا يحصُرُه كلام محدد مهما تقاطرت حوله النصوص.

هي هذه حالُ الفائزة الجديدة بــ”نوبل”: الكاتبة والروائية الفرنسية آنّي إِرنو Annie Ernaux (82 سنة).

بدايةً، مَن هي؟ وما مسيرتها الأَدبية؟

هي

اسمُها الكامل آنِّي تريز بلانش دوشيس  Duchesse. وُلدَت في الأَول من أَيلول/سبتمبر 1940 في ليلْبُونّ  Lillebonne  (مدينة كبيرة في منطقة النورماندي، شهيرة بآثارها الرومانية وفيها بقايا مسرح تاريخي قديم). نشأَت في بيئة اجتماعية متقشِّفة، دَرَست في جامعة رُوَان (النورماندي) وجامعة بوردو، ودرَّست الأَدب الفرنسي في عدد من المعاهد العليا. بدأَت نشاطها الأَدبي سنة 1974 برواية “الخزائن الفارغة” وهي سيرة ذاتية حملَت لها شهرة لفتَت إِليها القراء والنقاد، فأَصدرت سنة 1983 روايتها الثانية ذات المسار الأُوتوبيوغرافي كذلك: “الساحة” نالت عليها في السنة التالية (1984) جائزة رينودو (تأَسست سنة 1926). وسنة 2008 نالت “جائزة اللغة الفرنسية” عن مجمَل أَعمالها الصادرة حَـــتَّـــئـــذٍ.  وسنة 2017 نالت “جائزة مرغريت يورسُنار” (كاتبة فرنسية: 1903-1987، أَول امرأَة تدخل الأَكاديميا الفرنسية سنة 1980، تأَسَّست الجائزة باسمها سنة 2015). وفي 5 أَيار/مايو من هذا العام (2022) أَصدرت إِرنو أَحدث رواياتها: “الشاب”. وها هي تَوَّجَت حياتها الأَدبية بجائزة “نوبل للأَدب” الأُسبوع الماضي، وفور تَلَقِّيها الخبر صرَّحَت أَنَّ هذا “شرف كبير” لكنها قبل ذلك “مسؤُولية كبرى”.

يوم نالت جائزة رينودو الأَدبية (1984)

لها ولغاليمار

إِثْر نيلها “نوبل الأَدب”، معظم الكتابات التي صدرَت عنها أَلمحَت أَنَّ بعض الفضل في شُهرتها يعود إِلى منشورات “غاليمار” الواسعة الانتشار والعريقة في شأْن النشر والطباعة والتسويق. من هنا نَشَرت “غاليمار” على وسائط التواصل الإِلكتروني: “منذ مطلع حياتها الأَدبية تولَّت منشوراتُنا نشْر كُتُبها تباعًا. وها هي اليوم من أَكبر كاتباتنا في هذا العصر، لأَنها عرفَت أَن تَخلق من داخل الحميمية الشخصية كتابةً غامرة وخارقة يشعر كلُّ قارئ أَنه فيها أَو معنيٌّ بها”. ولورنس أَنجال (رئيسة المكتبة الوطنية الفرنسية) أَعلنَت اعتزازها بأَن تكون إِرنو أَودعَت المكتبة جميع مخطوطاتها كي تكون حارسة إِياها بعد وفاتها”.

تعليقات رسمية وأَدبية

من أَبرز ما قيل في نيلها الجائزة تعليقُ الرئيس الفرنسي إِيمانويل ماكرون: “آنّي إِرنو تَكتب منذ نصف قرن رواية الذاكرة الجماعية الحميمة لوطننا، بصوتها الذي هو صوت حرية المرأَة والمهمِلين في هذا العصر”، وتعليقُ وزيرة الثقافة اللبنانية الأَصل ريما عبدالملك: “كتابتُها منحوتة ومُكَثَّفة، ومسيرتُها متوَّجةٌ بالشجاعة والحرية”.

وإِلى التعليقات الرسمية صدرَت تعليقات أَدبية نوَّهت بأَهمية آنّي إِرنو رائدةً أدبية ومثال الكاتبة الحاملة قضايا المرأَة في مجمل مؤلفاتها. من تلك التعليقات عبارة إِدوار لويس: “ما أَعظم هذا النهار في تاريخ الأَدب المقاوم من أَجل قضية المرأَة، فآنِّي إِرنو عرفَت كيف تَجمع في كتاباتها السيرة الذاتية الحميمة الخاصة والسياسة الشاملة العلنية العامة”. وتعليق دلفين دوفيغان: “أَنا في قمة سعادتي أَن تنال هذه الجائزةَ العالمية كاتبةٌ عظيمة يعتز بها الأَدب الفرنسي، وأَذكر منها عبارة قالتها لي قبل سنوات: “ذات يوم ستعرفين كيف تنشرين حولك الصمت بعد كثير الضجيج”. وأَعلنَت صديقتُها الكاتبة جيزال سابيرو: “عرفَت آنّي كيف ترسم في كتابتها وجهَين: مضيئًا ومظْلمًا، شغوفًا وعنيفًا، عن العلاقة الاجتماعية بين الجنسين”. ومن هنا تعبير الكاتب ديدييه إِريبون: “كتاباتها الجميلة والخارقة منحَت صدًى واثقًا لتفتُّح المرأَة في الطبقات المقهورة”، وتصريح “رئيسة المركز الوطني للكتاب” ريجينا هاتشونْدو: “نساءُ جيلي تفتَّحن على كتابات آنّي إِرنو التي، كتابًا بعد كتاب، رافقَتْنا ومنحتْنا الشجاعة والقوة على مقاومة كل ما يعترض تفتُّحنا وحريتنا”.

يوم تبلَّغَت الأُسبوع الماضي فوزها بجائزة نوبل

لهذا نالت الجائزة

بلى: إِلى هذا الحد لم يقتصر تأْثيرُ هذه الجائزة الأَدبية العالمية الكبرى على الفائزة بها فقط، بل على جيل كامل من القارئات والقراء، وعلى الأَديبات والأدباء، وكلّ مَن رافق مسيرتها الأَدبية الطويلة سحابة نصف قرن. وهذا ما دفع أَعضاء لجنة الأَكاديميا السويدية إِلى تقدير ما في مُجمَل مؤَلفات آنّي إِرنو من “شجاعة في الإِقدام على معالجة الأُمور الحميمة، ومن دقَّة مذْهلة في كشْف جذور المشاكل الخاصة والفردية، وللمُعانَيَات الـمُمِضَّة صامتةً في الذاكرة الشخصية”.

وآني هي أَول امرأَة فرنسية تنال جائزة الأَدب بين سائر جوائز نوبل الخمس (الفيزياء، الكيمياء، الطبّ، الأَدب، السَلام)، وهي المرأَة السابعة عشرة منذ تأْسيس الجائزة سنة 1901.

وبما أَنَّ إِرنو استحقَّت هذه الجائزة عن مجمل كتاباتها، لا بدَّ إِذًا من لمحة موجزة عن معظم مؤَلفاتها، وما صدَر عنها من دراسات ومؤَلَّفات.

وهذا ما سأَكشفه في الجزء الثاني من هذا المقال.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com  أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib
  • يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى