دورة الدولار العالمية

محمد سليم*

قد يتسبب ارتفاع الدولار – مدفوعًا برفع معدلات الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الذي يحدّ من التضخّم ويُقلص شهية المستثمرين للمخاطرة – في حدوث ركودٍ في العديد من اقتصادات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، وهذا ما تطرّق إليه بحثٌ تمت مناقشته في مؤتمر “أوراق بروكينغز حول النشاط الاقتصادي” (BPEA) في 9 أيلول (سبتمبر).

كتب الباحثان موريس أوبستفيلد من جامعة كاليفورنيا-بيركلي وهاونان زو من جامعة برينستون: “تَعَزَّزَ الدولارُ بشكلٍ كبير منذ منتصف العام 2021، فيما تمرّ الدورة المالية العالمية الآن في مرحلةٍ انكماشية”.

يستخدم البحث، الذي يحمل عنوان “دورة الدولار العالمية”، نموذجًا إحصائيًا لتتبع المتغيّرات عبر 26 من اقتصادات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية لتوثيق كيف تؤدي صدمات ارتفاع قيمة الدولار إلى الانكماش الاقتصادي، وهي سمة من سمات الاقتصاد العالمي منذ أوائل السبعينات الفائتة عندما انهار نظام بريتون وودز لأسعار الصرف الثابتة.  وتشير النتائج التي توصل إليها البحث إلى سياسات يمكن أن تضعها البلدان للتخفيف من الآثار السلبية لارتفاع الدولار.

كتب المؤلفان أن الزيادات في ديون القطاع العام وقطاع الأعمال خلال جائحة كوفيد-19 جعلت اقتصادات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية مُعرَّضة بشكل خاص لارتفاع الدولار الآن. يقترض معظمها بالدولار؛ وبالتالي، فإن قوة الدولار تزيد من عبء ديونها من حيث ناتج اقتصاداتها المحلية. وهذا، بالإضافة إلى معدلات الفائدة المرتفعة والنمو الاقتصادي البطيء (الذي يؤدي إلى تآكل عائدات الضرائب الحكومية وأرباح الأعمال)، يجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة إلى اقتصادات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية في سداد ديونها.

قال أوبستفيلد، في مقابلة مع “أسواق العرب”، إنه على الرغم من أن الارتفاع الأخير في قيمة الدولار لم يكن كبيرًا بشكل استثنائي بعد، إلّا أنه يأتي في وقتٍ يواجه الاقتصاد العالمي اضطرابات سلسلة التوريد المرتبطة بالوباء، والحرب في أوكرانيا، وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء.

وأضاف: “يمكن أن يجعل خاتمة حلقة ارتفاع الدولار هذه قاتمة بشكل خاص”.

تُشير الدراسة البحثية إلى أن اقتصادات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية يمكنها تعزيز دفاعاتها ضد ارتفاع الدولار من طريق تقليل ديونها المُقوَّمة بالدولار في المقام الأول، والسماح بمرونة في أسعار الصرف، وإنشاء بنوك مركزية تتمتع بمصداقية قوية لمكافحة التضخم. في الواقع، بدأ العديد من البنوك المركزية في اقتصادات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية اعتماد رفع أسعار الفائدة في سياستها في العام الماضي، قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي وغيره من البنوك المركزية ذات الاقتصاد المتقدم. وقال أوبستفيلد إن ذلك ينبغي أن يوفر لتلك البلدان الناشئة والبلدان النامية بعض الحماية ضد الأزمة المالية ولكن على حساب تباطؤ النمو المحلي.

تقول الورقة البحثية إن إجراءات مجلس الاحتياطي الفيدرالي في وقت مبكر من الوباء، بما في ذلك خطوط المبادلة (الإقراض) للبنوك المركزية الأخرى والتسهيلات التي سمحت للبنوك المركزية الأجنبية ببيع أوراق الخزانة الأميركية، كانت “مهمّة بشكل خاص في استقرار الأسواق المالية العالمية”. لكنها تلاحظ أن “الاحتياطي الفيدرالي كان متأخرًا إلى حدٍّ ما في اللعبة” في رفع سعر الفائدة في سياسته قصيرة الأجل لمواجهة التضخم. وقد جاءت الزيادة الأولى في الفائدة في آذار (مارس) 2022.

وتتوقع الورقة البحثية أن بنك الاحتياطي الفيدرالي وغيره من البنوك المركزية ذات الاقتصاد المتقدم ستنجح على الأرجح في ترويض التضخم، لكنها تُحذّر من أن “هناك خطرًا من أن تؤدي أعمال البنوك المركزية بشكل مشترك إلى ركودٍ عالمي حاد لا داعي له”.

لقد تم تقديم دراسة أوبستفيلد وزو البحثية مع اقتراب الذكرى الخمسين لانهيار نظام بريتون وودز في آذار (مارس) 2023. في ذلك الوقت، اعتمدت بلدان عدة أسعار الصرف العائمة لفصل عملاتها، وبالتالي اقتصاداتها، عن الدولار. لكن الدولار والنقد الأميركيين يظلان القوتين الدافعتين الرئيستين للأوضاع المالية الدولية والنتائج الاقتصادية.

“على مستوى ما، وهذا مثير للسخرية”، قال أوبستفيلد.

  • محمد سليم هو صحافي من أسرة “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى