لبنان: تَهميشُ العونيين لا يُساعِدُ على تَشكيلِ الحكومة
مايكل يونغ*
في أعقاب الانتخابات النيابية اللبنانية في أيار (مايو) الفائت، كلّف رئيس الجمهورية ميشال عون، بِناءً على نتيجة الإستشاراتِ النيابية المُلزِمة، رئيس الوزراء نجيب ميقاتي بتشكيلِ حكومةٍ جديدة خلفًا للحكومة التي كان يرأسها قبل الانتخابات. ومع ذلك، مع الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها من الآن وحتى نهاية تشرين الأول (أكتوبر)، والتي يجب بعدها تشكيل حكومة أخرى، بدا ميقاتي مُتردّدًا في إكمال المهمة.
السببُ لذلك واضحٌ إلى حد ما. أصبحت عمليات تشكيل الحكومة في لبنان مُثيرةً للسخط وتستغرق فترة طويلة، حيث تحاول القوى السياسية في البلاد خلالها الحصول على حصة كبيرة من الوزراء بالإضافة إلى الحقائب المُربحة، والتي يجب أن تحترم جميعها التوازنات الطائفية الدقيقة. لكي يستطيع ميقاتي تشكيل حكومة الآن، سيحتاج إلى التصالح مع جبران باسيل، صهر رئيس الجمهورية، الذي يريد ضمان حماية حصصه في النظام بمجرد انتهاء فترة عون الرئاسية.
ويبدو أن حساباتَ ميقاتي المُحتَمَلة هي أنه بدلًا من مواجهة صداع التعامل مع باسيل، فمن الأفضل الانتظار حتى مغادرة عون القصر الرئاسي، وفي غضون ذلك يمكنه الاستمرار في العمل من خلال حكومة تصريف الأعمال. هذا أمرٌ منطقي، لكنه يطرح أيضًا مشاكل كبيرة.
يُنظَرُ إلى باسيل على نطاقٍ واسع على أنه شخصية مُستقطِبة تعمل دائمًا من خلال سياسة حافة الهاوية. إنه مُحِقٌّ في النظر إلى إحجام ميقاتي عن تشكيل حكومة على أنه تكتيكٌ لإدارة عقارب الساعة ضده وضد والد زوجته. يعتقد ميقاتي أنه بمجرد عودة عون إلى منزله، سيزداد نفوذه في تشكيل حكومة جديدة. وذلك لأن رئيس الجمهورية رفض في كثير من الأحيان التوقيع على مراسيم لتشكيل حكومات جديدة حتى يتم تلبية مطالب باسيل.
خوفُ باسيل، وقد يكون مُبَرَّرًا، هو أن أعضاءً قياديين من الطبقة السياسية الراسخة –التي انضمَّ إليها في وقت متأخر في العام 2006—وفي مقدمتهم رئيس مجلس النواب نبيه بري، يسعون إلى القضاء عليه سياسيًا والتخلّص من إرث عون. وهذا يفسر سبب نضال وتشدّد باسيل للاحتفاظ بتمثيلٍ كبير في حكومة ميقاتي الجديدة، خوفًا من أنه إذا فشل في تحقيق ذلك، فسوف يخسر الأرض بمجرد خروج عون من قصر بعبدا.
من منظورٍ سياسي صارخ، ينخرط باسيل في صراع من أجل البقاء السياسي، لأسبابٍ ليس أقلها أنه خلال الانتخابات الأخيرة خسر “التيار الوطني الحر” أصواته في المجتمع المسيحي. كما يريد باسيل البقاء في اللعبة لأنه يسعى، في المستقبل، إلى أن يصبح هو نفسه رئيسًا للجمهورية. في حين أنه من الصعب العثور على صفاتٍ تعويضية في الرجل، فمن السخف أن نتوقع من عون وباسيل أن يوقّعا بهدوء على إقصائهما السياسي.
لدى باسيل أدوات تحت تصرفه. بسبب الانقسامات الداخلية، يبدو من غير المرجح بشكل متزايد أن تتوصل القوى السياسية إلى إجماع على رئيس جديد قبل أن يغادر عون منصبه. دستوريًا، إذا كان هناك فراغٌ رئاسي، تتولى الحكومة سلطات الرئيس. وهذا على ما يبدو ما ينتظره ميقاتي.
ومع ذلك، هناك خلافٌ كبير: من غير الواضح ما إذا كانت حكومة تصريف الأعمال مُخَوَّلة ويحقّ لها قانونًا أن تتولّى سلطات الرئيس. بعد الانتخابات البرلمانية، يجب على جميع الحكومات الاستقالة، وهذا هو السبب في أن حكومة ميقاتي تجد نفسها في منصب تصريف الأعمال اليوم. يجادل ميقاتي بأن الدستور يمقتُ الفراغ، وبالتالي لا يُحدّد أي نوع من الحكومة يمكنه تأمين سلطات رئاسية، لذلك حتى حكومة تصريف الأعمال يمكنها القيام بذلك. ولكن باسيل يرفض هذا الرأي.
في الواقع، في 6 أيلول (سبتمبر)، حذّر باسيل من أنه إذا تولّت الحكومة المؤقتة مهام عون، فإن “التيار الوطني الحر” سيرفض الاعتراف بها وسيعتبر الخطوة غير شرعية. في حين أنه قد تكون هناك طرقٌ للرئيسين ميقاتي وبري للالتفاف على باسيل، فإن مثل هذه الخطوات يمكن أن تثير حساسيات طائفية، لأن رئيس الجمهورية هو دائمًا مسيحي ماروني ويرأس الحكومة مُسلم سنّي. إن مناورة رئيس الوزراء لتولي سلطات الرئيس مع حكومته المستقيلة قد تكون مثيرة للانقسام. علاوة على ذلك، قد يعرقل “حزب الله” جهود تهميش باسيل، الحليف الوثيق.
هذا هو السبب في أنه من المنطقي أكثر لميقاتي أن يمضي قدمًا ويتنازل عن بعض شروطه ويتّفق مع عون. قد يكون القضاء على العونيين أمرًا مرغوبًا فيه من أعداء باسيل، لكنه لن ينجح، ولا يزال بإمكان باسيل أن يُعيقَ الاتفاق على رئيس جمهورية توافقي. ولكن، بمجرد اختيار وانتخاب رئيس جديد، ستقلّ قدرة باسيل على وضع العقبات، حيث من غير المرجح أن يرضخ بديل عون لفرضياته وشروطه.
يجب على ميقاتي أيضًا تجنّب أن يكون ذراع بري في نزاعه مع باسيل. في العام الماضي، أظهر ميقاتي، الذي حقق مكاسب من تمركزه في الوسط، أنه يمكنه أن يتحلى بالصبر في التعامل مع عون. كرئيس للجمهورية، حقق عون مكاسب كبيرة في دفع دور رئيس الجمهورية في عملية تشكيل الحكومة. إن محاولة إعادة الأمر إلى الفترة السابقة حين كان الرؤساء غير ذي صلة بهذا الإجراء أمرٌ غير واقعي.
إذا كان مصير باسيل هو تنفير الجميع وفقدان الأرض، فليكن. مع رحيل عون، قد يصبح هذا الواقع أمرًا لا مفر منه. ولكن في الوقت الذي تحتاج البلاد إلى قدر من الانسجام السياسي لمعالجة مشاكلها المتصاعدة، فمن الأفضل لأعداء باسيل أن يكون داخل الخيمة. ليس من الجيد أبدًا أن تكون الكراهية والكيدية والحقد هي الدافع وراء القرارات السياسية.
- مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @BeirutCalling
- كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.