نظام “سويفت” للتحويلات المالية “يُقاتلُ” لمواكَبةِ عالمٍ مُتَغَيِّر

فيما العالم ينقسم إلى جبهات وتحالفات، يبدو أن القطاع المالي بدأ ينقسم هو الآخر وفقًا لذلك، وأهم دليل هو ما يحدث في مجال التحويلات المالية العابرة للحدود.

“إدفع الآن” (PAYNOW): نظام دفع محلي في سنغافورة

محمد سليم*

في عالم المدفوعات عبر الحدود سريع التطور، تمكّنت شركة التحويلات المالية الدولية “سويفت” (Swift)، التي تعني جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك، من الحفاظ على أهميتها من خلال إجراء تغييرات تدريجية، كما يقول سواروب غوبتا، رئيس الخدمات المالية في وحدة معلومات “الإيكونوميست” (Economist Intelligence Unit) المتخصصة في البحث والتحليل الاقتصادي والمالي. ومع ذلك، من المرجح أن تتسبب الحرب الجارية في أوكرانيا في تعطيل المدفوعات عبر الحدود، مما قد يُمثّل تحدّيًا لهيمنة “سويفت”.

يلاحظ تقرير وحدة معلومات الإيكونوميست حول المدفوعات الرقمية أن معظم المدفوعات عبر الحدود لا تزال تنتقل عبر شبكة بنوك المُراسلة، مع التدفقات التي تدعمها خدمة الرسائل من “سويفت”. ومع ذلك، فإن إزالة البنوك الروسية من شبكة سويفت وحظر قنوات الدفع بالبطاقات من العمل في روسيا، يؤدّيان إلى تفاقم الاتجاهات “التي كانت واضحة أصلًا”، وفقًا للتقرير.

“حتى قبل الحرب، فقد واجه نظام سويفت انتقادات بسبب عدم مرونته النسبية وافتقاره للشفافية. والأكثر إثارة للقلق هو تراجع عدد البنوك المراسلة، حجر الزاوية في نظام سويفت”، كما يقول التقرير. وفقًا لبنك التسويات الدولية، انخفضت العلاقات مع البنوك المراسلة بنسبة 25٪ بين العامين 2011 و2020، على الرغم من زيادة قيمة وحجم الترتيبات والتحويلات عبر الحدود بشكل كبير خلال الفترة عينها.

مُنافسون جُدد

هناك بدائل لسويفت بدأت تظهر: لقد طوّرت روسيا نظام تحويل الرسائل المالية، وتُشغّلُ الصين نظام الدفع بين البنوك عبر الحدود، وطوّرت الهند حلّ المراسلة المالية المُهَيكلة. في حين أن مؤيدي مثل هذه الأنظمة قد يرغبون في تجنّب التسوية بالدولار الأميركي، يقول غوبتا، فإن هذا غير مُمكنٍ تقنيًا في الوقت الحالي.

يقول تقرير وحدة معلومات الإيكونوميست إن بإمكان روسيا والصين والهند تشجيع التجارة الدولية المُقَوَّمة بعملاتها الخاصة، أو الدخول في اتفاقات تجارية ثُنائية لتجنّب التسويات بالدولار أو اليورو.

“على الرغم من أن هيمنة الدولار الأميركي على التجارة الدولية ستظل دون منازع في المديين القصير والمتوسط، إلّا أن القوى الناشئة في آسيا ستُحاول الحدّ من تأثير العملة الأميركية لتجنّب التهافت على احتياطاتها من العملات الأجنبية والتخفيف من تأثير أي اضطرابات مستقبلية”، وفقًا للتقرير.

يعتقد غوبتا أنه “في العالم الحقيقي، تحتاج المعاملات إلى المرور عبر شبكة البنوك المُراسِلة واستخدام الدولار الأميركي. بالنسبة إلى بعض المعاملات السلعية، يتم إجراء التبادلات، على سبيل المثال بين الروبل الروسي والروبية الهندية، ولكن هذه مُحَدَّدة للغاية، ويجب الاتفاق عليها مُسبقًا ومُكلفة”، كما يقول.

نظام سويفت ما زال في أمان حتى الآن

يقول تقرير وحدة معلومات الإيكونوميست إن إنشاء وتوسيع نظام المراسلة المصرفية البديل الكامل سيكون مُكلفًا ويستغرق وقتًا طويلًا. “سيكون له أيضًا تأثيرٌ محدود في العالم الحقيقي، نظرًا إلى الانتشار الكبير للتدفقات عبر الحدود المُقوَّمة بالدولار”.

لهذا السبب، تعتقد وحدة معلومات الإيكونوميست أن نظام سويفت سيظل الشبكة المهيمنة “طالما أن البلدان والمُقرضين يجتمعون ويتوافقون لتحسين الشبكة التي تتخذ من بلجيكا مقرًّا لها”. يقول غوبتا إن هذا الأمر يحدث في المدى القصير مع تطورات مثل نظام “سويفت جي بي آي” (Swift gpi)، الذي يوفّر شفافية أكبر بشأن المدفوعات عبر الحدود.

ستبذل شركة سويفت أيضًا جهودًا أكبر لجلب بنوك إضافية من البلدان ذات مستويات الناتج المحلي الإجمالي الأصغر إلى نظام “سويفت جي بي آي”. “سيكون الهدف هو زيادة استخدام “سويفت جي بي آي” وجلب المزيد من المعاملات”، على حد قوله.

مشهد المدفوعات الرقمية الديناميكي في آسيا

ومن بين التوقّعات التي قدمها التقرير أن آسيا ستقود في تبنّي روابط الدفع عبر الحدود، مما يسمح للمسافرين في جميع أنحاء المنطقة بشراء السلع والخدمات من طريق مسح رموز الاستجابة السريعة.

يقول غوبتا: “تُمثّل آسيا المشهد الأكثر ديناميكية للمدفوعات الرقمية في جميع أنحاء العالم. وتعمل شركات التكنولوجيا المالية الحديثة العهد على حلّ المشكلات القائمة منذ فترة طويلة باستخدام طرق الدفع القديمة، غالبًا باستخدام تطبيقات الهاتف المحمول المُبتَكَرة، والاستحواذ على قاعدة عملاء شابة في هذه العملية”.

ويضيف: “أصبحت التقنيات الناشئة، مثل رموز الاستجابة السريعة والمدفوعات في الوقت الفعلي، هي القاعدة، حيث تحلّ المحافظ الرقمية محل شبكات البطاقات القائمة في بعض البلدان وتُعيق نموّها في بلدان أخرى”.

في بعض الأسواق الرئيسة، مثل الهند، أصبح التحوّل عن النقد أيضًا هدفًا واضحًا لسياسة الحكومة، حيث أطلق المُنظّمون العديد من الحوافز لتشجيع الابتكار. يقول غوبتا: “السلع العامة الرقمية، مثل نظام المدفوعات السريعة في الهند، “واجهة المدفوعات المتحدة” (United Payments Interface) والعملة الرقمية للبنك المركزي الصيني، اليوان الإلكتروني، تلعب دورًا رئيسًا في تحقيق أهداف السياسة هذه”.

يتوقع تقرير وحدة معلومات الإيكونوميست مشاركة متزايدة من الكيانات الحكومية لتسهيل تطوير قطاع التكنولوجيا المالية، وتعزيز الشمول المالي ومساعدة تدفق التحويلات من العاملين في الخارج. في نيسان (أبريل) 2021، كانت سنغافورة من خلال نظام الدفع “إدفع الآن” (PayNow) وتايلاند من خلال نظام “برومبت باي” (PromptPay) أول دولتين تربطان أنظمة الدفع الأسرع الخاصة بهما.

كشفت دول أخرى، خصوصًا في آسيا، منذ ذلك الحين عن خطط لترتيباتٍ مماثلة. على سبيل المثال، تُخطّط الفلبين لدمج أنظمة الدفع في الوقت الفعلي ورمز الاستجابة السريعة مع أنظمة سنغافورة وماليزيا وتايلاند.

يقول تقرير وحدة معلومات الإيكونوميست: “سيتم تسهيل هذه العملية أيضًا من خلال تطوير العملات الرقمية للبنوك المركزية. تهدف هذه العملات الرقمية إلى توفير خدمات مدفوعات فعالة وشاملة، والتي فشلت الأنظمة التقليدية في توفيرها، وتظهر أيضًا كبدائل جديرة بالثقة لمشاريع خاصة مثل العملات المعدنية المستقرة والعملات المشفرة التي (نظريًا) تربط قيمتها بعملة أو سلعة أخرى”.

  • محمد سليم هو صحافي من أسرة “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى