المعركةُ من أجلِ مُستَقبلِ الإنترنت في العالم بدأت
فيما يُشعل فلاديمير بوتين حربًا في أوكرانيا، يعمد في الوقت عينه إلى إشعال حرب من نوع آخر للاستقلال “الإنترنيتي” كي يستطيع التحكم ببيانات مواطنيه على الإنترنت.
ألينا إبييفانوفا*
بعد فترة وجيزة من غزو روسيا لأوكرانيا في شباط (فبراير) الفائت، انتشرت عناوين الصحف التي تزعم أن ستارًا حديديًا جديدًا قد أُقيم في جميع أنحاء أوروبا. وقد زعمت أن العزلة الاقتصادية والسياسية لروسيا ترافقت مع عزلةٍ رقمية. مع فرض الولايات المتحدة وحلفائها عقوبات تكنولوجية على روسيا، توقّف العديد من شركات التكنولوجيا الغربية أيضًا عن ممارسة الأعمال التجارية هناك، ما جعل منتجاتها وخدماتها غير متاحة للروس. في الوقت نفسه، تحركت الدولة الروسية بسرعة لحجب أي مواقع إلكترونية تقدّم معلومات عن الحرب، خصوصًا تلك التي تنتقد تصرفات الكرملين.
من المعروف أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرى الإنترنت المفتوح والحرّ أحد أكبر التهديدات لسلطته. على مدى العقد الماضي، كان يقاتل من أجل ما يسمى “الإنترنت السيادي” – أي سيطرة الدولة على التكنولوجيا والشبكات داخل حدودها.
في نموذج أصحاب المصلحة المتعددين الحالي لحَوكمة الإنترنت، تُعتَبَرُ الدول واحدة فقط من العديد من الجهات الفاعلة المشاركة في وضع السياسات للبنية التحتية للإنترنت واستخدامه وتنظيمه. إنها مُجبَرة على الاستماع إلى آراء العلماء والمتخصّصين التقنيين والمنظمات الدولية التي تُنظّم العناصر التأسيسية للإنترنت وتُسَهّل إنشاء المعايير الرقمية الدولية. تقوم “المؤسسة الدولية للأسماء والأرقام المخصصة”، أو “إيكان” (ICANN)، على سبيل المثال، بتنظيم القضايا المتعلقة بنظام أسماء النطاقات وعناوين “بروتوكول الإنترنت” أو “IP”، وهما عنصران أساسيان في البنية التحتية للإنترنت، في حين أن “فريق عمل هندسة الإنترنت” (Internet Engineering Task Force)، و”مجتمع الإنترنت” (Internet Society) و”رابطة شبكة الويب العالمية” (World Wide Web Consortium) تساعد على إنشاء وتعزيز معايير للعناصر التأسيسية الأخرى.
على النقيض من ذلك، فإن النموذج الذي دفعت روسيا من أجله يعتمد على سيطرة الدولة على جميع المعلومات وسيشهد تحويل حَوكَمة الإنترنت للدول الوطنية في إطار الاتحاد الدولي للاتصالات التابع للأمم المتحدة، والذي هو حاليًا شراكة بين القطاعَين العام والخاص. في الوقت نفسه، ستعمل روسيا على تطوير البنية التحتية والتقنيات المحلية، مما يسمح لشبكتها بأن تصبح مكتفية ذاتيًا وتنفصل عن بقية الويب (الشبكة العالمية).
بعبارة أخرى، يعمل بوتين على تحقيق مستقبل يُمكن فيه التحكّم في أجزاءٍ من الويب من قبل قوى مختلفة لها مصالح سياسية وأمنية واقتصادية مختلفة – وهو عالم الواقع المرير الذي يُطلق عليه أحيانًا اسم “سبلينتِرنت” (splinternet). بدلاً من شبكة الشبكات الوحيدة التي نعرفها الآن، فإن “سبلينتِرنت” سيحتوي على شبكات داخلية متوازية لا تتوافق مع بعضها البعض، مما يُعيق حرية التعبير، ويُعيق الاتصال عبر الحدود ويُعطّل مجموعة واسعة من الأنظمة الحاسمة العابرة للحدود، مثل الخدمات المصرفية والتنقل.
ومع ذلك، بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على حرب روسيا على أوكرانيا، أصبح من الواضح أنه على الرغم من جهود بوتين والعزلة التكنولوجية لروسيا أخيرًا، فإن الإنترنت الروسي ليس مستقلًا بشكل حقيقي بعد. لا تزال البلاد مندمجة بإِحكام في الإنترنت العالمي، ولم تتمكن سلطات الدولة من عزل الروس تمامًا عن المعلومات غير الخاضعة للرقابة حول الحرب في أوكرانيا.
ومع ذلك ، فمن الصحيح أن “رونِت” (RuNet)، كما يُعرف الإنترنت في روسيا، تخضع للرقابة والسيطرة بشكل متزايد من قبل سلطات الدولة بطرق تتحدّى الفكرة الأساسية للإنترنت المجاني والمفتوح. في الواقع، قدمت الحرب رؤى فريدة حول ما أنجزه أنصار “السيادة الرقمية” حتى الآن، ونقاط الضعف في رؤيتهم والعواقب المحتملة إذا نجحوا.
بوتين مقابل شبكة الويب العالمية
يُظهر الإنترنت السيادي لروسيا نهجًا استبداديًا لـ”سبلينتِرنت” (splinternet)، وهو نهج يتسم بإخضاع تقنيات الإنترنت والاتصالات لأغراض النظام السياسي. ومع ذلك، فإن فرصه في أن يصبح نموذجًا ناجحًا غير مؤكدة في أحسن الأحوال.
في عهد بوتين، رأت الدولة الروسية الإنترنت العالمي ومنصات التواصل الاجتماعي التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرًا لها تهديدًا لأمنها. تعتقد موسكو أن الدول الأخرى يمكن أن تستخدم هذه المنصات للتدخّل في الشؤون الداخلية للبلاد. في الوقت نفسه، يمكن أن تكون حقيقة الاعتماد الروسي على التقنيات الغربية بحد ذاتها نقطة ضعف جاهزة للاستغلال، ما يمنح الغرب نفوذًا على نظام بوتين. تعزّزت هذه التصوّرات في السنوات الأخيرة فقط، حيث أثار نظام بوتين غضبًا متزايدًا في المجتمع الروسي والغرب على السواء. أثرت هذه الضغوط الداخلية والخارجية بشكل كبير على هدف الكرملين في التحكّم في شبكته وبناء تقنياته وخدماته الخاصة. من خلال الإنترنت السيادي، يعتقد النظام أن بإمكانه فرض الرقابة على جميع المعلومات غير المرغوب فيها، وتزويد مواطنيه بروايات دعائية، وبالتالي الحفاظ على السلطة.
اتخذت الدولة تحوّلًا كبيرًا نحو مَركَزة سيطرتها على المكوّنات التقنية للإنترنت في العام 2019، مع ما يُسمّى بقانون الإنترنت السيادي. ألزمت القوانين والأنظمة الجديدة مزودي خدمة الإنترنت في روسيا بتثبيت نظامٍ يُسمى “فحص العيّنات العميق” (Deep Packet Inspection)، والذي يمكنه مراقبة وتصفية وإبطاء ومنع وصول المستخدمين إلى مواقع ويب محددة. في الوقت نفسه، نص القانون على نية تنفيذ نسخة روسية من “نظام اسم المجال”( Domain Name System)، وهو البروتوكول التأسيسي للإنترنت الذي تديره “إيكان” (ICANN) حاليًا. بعبارة أخرى، من خلال إدخال مثل هذه التعديلات، سعت روسيا إلى السيطرة على مستوى البنية التحتية للإنترنت، مما مكّن الدولة نظريًا من فصل “رونِت” (RuNet) عن الإنترنت العالمي.
ومع ذلك، لا يمكن فصل “رونِت” عن الإنترنت العالمي دون خسائر فادحة لسكان روسيا واقتصادها. منذ أوائل التسعينات الفائتة، أنشأت الدولة شبكة معقدة من البنية التحتية للشبكة عبر أراضيها، مع عدد لا يحصى من العقد والوصلات بالعالم الخارجي. لا يمكن للسلطات الروسية ببساطة الضغط على مفتاح “إيقاف التشغيل” لكلّ هذا، بغض النظر عن مدى رغبتها في تقييد جميع المعلومات التي تنتقد أفعالها.
لقد أوضحت الحرب في أوكرانيا ذلك بجلاء. من أجل منع نشر المعلومات حول الفظائع التي ارتكبتها روسيا في أوكرانيا، منع الكرملين الوصول إلى العديد من المواقع الإخبارية، بما في ذلك “بي بي سي” وراديو أوروبا الحرة / راديو ليبرتي و”دويتشه فيله” و”يورونيوز” والمَنفَذ الإخباري الروسي المستقل “ميدوزا”، بالإضافة إلى منصات التواصل الاجتماعي تويتر وفايسبوك وإنستغرام. ومع ذلك، فإن “روسكومنادزور”، الرقيب الفيدرالي الروسي، لا يمكنه حتى الآن ادعاء السيطرة الكاملة على تدفق المعلومات. لا تزال هناك العديد من الطرق للالتفاف حول الحواجز والعوائق، بما في ذلك استخدام الشبكات الخاصة الافتراضية أو شبكات “في بي أن” (VPN)؛ والمتصفحات الخاصة مثل “تور” (Tor)؛ أو مواقع ويب معكوسة، وهي نسخ طبق الأصل من المواقع الخاضعة للرقابة الموضوعة على شبكة من الخوادم المحلية. في الواقع، ارتفعت تنزيلات “في بي أن” (VPN) مباشرة بعد اندلاع الحرب. ويظل موقع “يوتيوب” (YouTube)، أشهر منصات التواصل الاجتماعي في روسيا، مُتاحًا ولا يمكن حظره بسهولة. ولا يزال تطبيق “تيليغرام” (Telegram)، وهو تطبيق للرسائل الفورية قائم على السحابة، مُتاحًا في البلاد ويلعب دورًا مهمًا في نشر المعلومات حول الحرب.
حتى مع بقاء هذه الثغرات، عانت روسيا بشكلٍ كبير من عزلتها التكنولوجية الحالية. مع تأثير العقوبات عليها وخروج شركات التكنولوجيا العالمية من البلاد بشكل جماعي، لم يكن أمامها خيار آخر سوى التحوّل إلى الأجهزة والبرامج المحلية. لكن أسواقها المحلية تفتقر إلى البدائل المناسبة للتقنيات الغربية في القطاعات الرئيسة، مما يترك البلاد أمام خيارات محدودة للحفاظ على صناعتها واقتصادها. لا تزال “أشباه الموصلات” (semiconductors) الروسية، على سبيل المثال، مُتخلّفة عن رواد الصناعة لأكثر من عقد من الزمان من حيث تطورها وسرعتها. يعتمد ما يسمى بالإنترنت السيادي في روسيا على معدات من الدول الغربية وحلفائها، بما في ذلك خوادم من الولايات المتحدة و”فحص العيّنات العميق” (Deep Packet Inspection) من إسرائيل.
لن يكون تطوير بدائل محلية لهذه المنتجات أمرًا سهلاً. إذا كان هناك أي شيء، فقد دمرت الحرب في أوكرانيا أي إمكانية لإنشاء قطاع تكنولوجيا معلومات محلي تنافسي عالميًا. يُعاني مجال تكنولوجيا المعلومات في البلاد الآن من عجزٍ خطير في الموارد البشرية بعد غزو أوكرانيا، حيث يغادر الآلاف من المتخصصين للبحث عن فرص أفضل في مكان آخر.
دفعة من أجل السيطرة
على الرغم من أن روسيا من أشد المؤيدين لـ”سبلينتِرنِت” (splinternet)، إلّا أنها بعيدة كل البعد من أن تكون وحيدة. لقد أصبح المزيد والمزيد من البلدان حريصًا على السيطرة على قطاعاته الخاصة من الإنترنت، والتي تُهيمن عليها اليوم مجموعة من شركات التكنولوجيا الخاصة، ومعظمها من شركات التكنولوجيا الأميركية.
من المفترض أنه لم يبَقَ أي بلد على وجه الأرض يستطيع أن يجادل ضد فرض المزيد من قوانين وأنظمة على شركات التكنولوجيا الكبرى. كشف العديد من الأحداث، مثل فضيحة “كمريدج أناليتيكا” (Cambridge Analytica) في العام 2018 والهجوم الذي وقع العام الماضي على مبنى الكابيتول الأميركي، عن قوة وسائل التواصل الاجتماعي لتقويض الديموقراطية وتقسيم المجتمعات. دعت الدول الديموقراطية وغير الديموقراطية على حد سواء إلى مُساءلة شركات التكنولوجيا الكبرى وإلى أن يكون للحكومات تأثير أكبر على أنشطة مواطنيها عبر الإنترنت.
ومع ذلك، قبل سنوات من أن يصبح التأثير السياسي الحقيقي لشركات التكنولوجيا واضحًا للجمهور بشكل عام، كان هناك حدث مهم آخر حفّز قضية “السيادة الرقمية”. في العام 2013، كشف إدوارد سنودن ، الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأميركية، أن وكالات الاستخبارات الأميركية كانت تستخدم القدرات التقنية للتجسّس على مواطنيها – ومواطني الدول الأخرى. أصبحت المراقبة الجماعية الأميركية مصدر قلق عالمي في المجتمع الدولي، حيث تَوَحَّدَ حلفاء الولايات المتحدة وخصومها على حد سواء في المطالبة بمزيد من السيطرة الوطنية على تنظيم الإنترنت والاستقلال عن البنية التحتية للإنترنت وشركات التكنولوجيا الأميركية.
كانت الدفعة العالمية من أجل سيادةٍ رقمية أكبر والتي أعقبت اكتشافات سنودن علامة فارقة في مفهوم “سبلينتِرنت” وتطلعاته. حتى لو كان الإنترنت لا يزال مفتوحًا وعالميًا في الغالب، فإن العالم يتحرك بسرعة نحو زيادة القومية التكنولوجية والتفكك الرقمي. يمكن أن تفرض “شبكة سبلينتِرنت” عوائق هائلة أمام الاتصال عبر الحدود والتعاون الدولي، ناهيك عن حرية التعبير. قد يؤدي عدم التوافق في المعايير الفنية والتنظيمية والتشغيلية لمختلف القطاعات الوطنية إلى كسر قابلية التشغيل البيني التي تميز شبكة اليوم، ما يؤدي إلى تدمير الاتصالات التي تبدو غير محدودة والتي يعتمد عليها العالم الآن.
ربما تكون الصين – برقابتها الصارمة على المحتوى، ومعاقبتها لمعايير التكنولوجيا، ومنصات الوسائط الاجتماعية المحلية، وزيادة تصنيع المكونات – قد قطعت أشواطًا نحو إنشاء الإنترنت الخاص بها داخل حدودها. ومن غير المستغرب أنها دعمت بقوة جهود روسيا لإعادة تشكيل نموذج حوكمة الإنترنت الحالي لمنح الدول مزيدًا من السلطة التنظيمية المحلية.
ترى روسيا في الصين حليفًا قويًا في الترويج لمفهوم سيادة الدولة ونموذجًا للسيطرة على الإنترنت المدعوم من الدولة. عقد البلدان اجتماعات عدة رفيعة المستوى حول الأمن السيبراني والتحكم في الإنترنت، وغالبًا ما دعمت الصين المبادرات الروسية التي تهدف إلى وضع قواعد جديدة في الفضاء الإلكتروني ضمن إطار عمل الأمم المتحدة. بالفعل في العام 2009، وقعت روسيا والصين اتفاقية للتعاون في مجال أمن المعلومات الدولي في إطار منظمة شنغهاي للتعاون. في حزيران (يونيو) 2016، وقع بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ بيانًا مشتركًا حول التعاون في تطوير فضاء المعلومات، حيث أكّد الزعيمان على أنهما “يتمسّكان دائمًا بمبدإ احترام السيادة الوطنية في مجال المعلومات”.
بالإضافة إلى الصين وروسيا، قامت إيران والهند وتركيا والعديد من البلدان الأخرى أيضًا بتطبيق أنظمة محلية جديدة ووسائل تقنية لإنشاء أجزاء يمكن التحكم فيها من الإنترنت داخل حدودها. إذن، يتم سماع الدعوات إلى السيادة الرقمية من العديد من البلدان المختلفة، بغض النظر عن نوع النظام السياسي. لكن لم يتوصل الخطاب السياسي أو الأكاديمي حتى الآن إلى اتفاق حول ما تعنيه “السيادة الرقمية” في الواقع. لا تزال هناك أسئلة جوهرية حول كيف ستعمل الدولة على وجه التحديد في مثل هذا النظام: هل سيكون الغرض منه حماية الحقوق الرقمية للمواطنين وضمان القدرة التنافسية الاقتصادية، كما تقترح المجتمعات الأوروبية؟ أم أنها ستُركّز على التحكم في بيانات المواطنين وتدفّق المعلومات، كما تتصوّر روسيا؟
رؤى مُتنافِسة
إن توصل المجتمع الدولي إلى فهمَين مُختلفَين للغاية لمصطلح “السيادة الرقمية” ليس مفاجئًا. كما أشارت المؤلفة وعالمة الاجتماع في جامعة هارفارد، شوشانا زوبوف، لدينا بالفعل نسختان من الإنترنت: الأولى، “نسخة رأسمالية يقودها السوق تعتمد على المراقبة، وهي استغلالية”؛ والثانية، “نسخة سلطوية تستند أيضًا إلى المراقبة”. وقد عرض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تأطيرًا مشابهًا، مع “شكل كاليفورنيا” من الإنترنت، حيث التنظيم الحكومي ضئيل للغاية، و”الإنترنت على النمط الصيني” الذي يرى سيطرة حكومية قوية.
من جانبه، يعتقد ماكرون أن هناك حاجة إلى نسخة ثالثة، “حيث تستطيع الحكومات، جنبًا إلى جنب مع الجهات الفاعلة على الإنترنت، والمجتمعات المدنية وجميع الجهات الفاعلة، التنظيم بشكل صحيح”. وبالمثل دعت زوبوف إلى “بديل ثالث” “متوافق مع الديموقراطية” ولا يقوم على المراقبة، ولكن على المصالح الفضلى للجمهور.
لكن المستقبل الرقمي القائم على تقرير المصير والقيم الديموقراطية وقابلية التشغيل البيني سيتطلب جهودًا هائلة من الحكومات والمجتمع المدني والشركات الخاصة. كما يتطلب أيضًا طريقة جديدة للتفكير في الإنترنت كمساحة تخدم رفاهية الجميع، وليس مجرد دائرة صغيرة من الحكومات والشركات.
تم اتخاذ خطوة مهمة في هذا الاتجاه في نهاية نيسان (إبريل)، عندما وقّع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وأكثر من 30 حكومة أخرى على إعلان مستقبل الإنترنت. نظّمت الوثيقة الهدف المتمثل في إبقاء الإنترنت مفتوحًا ومتصلًا عالميًا ومتجذرًا في حقوق الإنسان والتعددية، وتُمثّل الحل المطلوب بشدة ضد تجزئة الإنترنت. ومع ذلك، فإن الوثيقة ليست مُلزِمة قانونًا، وتظل مفتوحة إلى أي مدى سيتم ترجمتها إلى سياسة. دول مهمة من جنوب الكرة الأرضية، مثل الهند وجنوب إفريقيا والبرازيل، كانت غائبة ولم تكن من بين الموقعين على الإعلان. سيكون دورها في تشكيل مستقبل الإنترنت أمرًا بالغ الأهمية.
روسيا أيضًا لا تزال مهمة. من المحتمل جدًا أن تستمر موسكو في الضغط من أجل نسختها من “السيادة الرقمية” طالما أن قيادتها ترى الإنترنت العالمي تهديدًا لقبضتها على السلطة. لقد أدّت عزلة الدولة بسبب حربها في أوكرانيا إلى زيادة الرقابة على “رونت” (RuNet) – لكنها كشفت أيضًا عن القيود الخطيرة على قدرات روسيا. لا يزال فصل البلد عن الإنترنت العالمي حلمًا بعيد المنال. وهذا يعني أنه لا يزال لدى الآخرين فرصة كبيرة لضمان بقاء مستقبل الإنترنت مفتوحًا وحرًا.
- ألينا إبيفانوفا هي زميلة باحثة في برنامج النظام الدولي والديموقراطية في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية في برلين. تركز على سياسة الإنترنت والتكنولوجيا في روسيا فضلًا عن السياسة الداخلية الروسية. يمكن متابعتها عير تويتر على: @AlenaEpifanova
- كُتِبَ هذا المقال بالانكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.