وداعًا عبد الكريم أبو النصر!

غَيَّبَ الموتُ الصحافي اللبناني الكبير عبد الكريم أبو النصر، إثر أزمة صحّية مفاجئة عاجلته في مقر إقامته في باريس، التي اختارها محطةً لهجرتِهِ من الحرب الأهلية اللبنانية منذ أيار (مايو) 1976.

بدأ عبد الكريم حياته الصحافية، بعد حصوله على إجازة في العلوم السياسية من جامعة القديس يوسف (اليسوعية) في بيروت، في العام 1964 في مجلة “الحوادث” التي كان يرأس تحريرها الصحافي الكبير سليم اللوزي، لينتقل بعدها في العام 1967 إلى صحيفة “النهار” إلى جانب صحافيين كبار أمثال غسان تويني، ميشال أبو جودة، لويس الحاج، فرنسوا عقل، أنسي الحاج، سمير عطالله، فؤاد مطر وآخرين، حيث أشرف فيها على قسم الشؤون العربية والدولية وجعله قبلةً ومرجعًا للنخبة والخبراء في لبنان والعالم العربي.

مع اندلاعِ الصراع الأهلي في لبنان في 13 نيسان (إبريل) 1975، بدأ زمن بداية هجرة الصحافة اللبنانية التي غرقت مثلما غرق لبنان في مأساة الحرب، حيث حمل عبد الكريم حقائبه في أيار (مايو) 1976 وهاجر إلى باريس ليُطلق في العام 1977 من هناك “النهار العربي والدولي”، التي كانت تجربة صحافية ناجحة شجّعت الكثيرين من الناشرين العرب للإقتداء بها في الغرب.

من هؤلاء كان الناشران السعوديان هشام ومحمد علي حافظ اللذان نشرا صحيفة الشرق الأوسط في لندن في العام 1978، وقررا في العام التالي إصدار مجلة أسبوعية توزَّع في جميع الدول العربية من العاصمة البريطانية، فاستعانا بعبد الكريم أبو النصر الذي جمع نخبة من الصحافيين اللبنانيين والعرب من بينهم: الياس منصور، كابي طبراني، الياس حرفوش، مصطفى زين، هيكل الراعي، أنطوان فرنسيس، عماد الدين أديب وهدى المر وغيرهم، وأصدر في نيسان (إبريل) 1979 مجلّة “المجلّة” التي تميّزت رئاسته لتحريرها ( بين 1979 و1983) بجدّية صارمة ومستوى متميز من المتابعة الصحافية للشؤون العربية والدولية، الأمر الذي جعلها خلال أشهرٍ أن تكون الأسبوعية الأولى في العالم العربي، وخصوصًا في الخليج العربي، من حيث الانتشار والتأثير.

في العام 1983 ترك عبد الكريم “المجلة” بعد خلافٍ مع الناشرين ليعود إلى باريس للتعاون  لفترةٍ قصيرة مع مجلّة “الوطن العربي”. ثم التحق بعدها بأسرة مجلة “المستقبل” التي كان يرأس تحريرها الصحافي الكبير نبيل خوري، حيث بقي فيها حتى العام 1990، وهو العام الذي وقعت فيه حرب الخليج حيث استعانت خلالها صحيفة “هيرالد تريبيون الدولية”
(International Herald Tribune) التي كانت تنشرها “نيويورك تايمز” بالإشتراك مع “واشنطن بوست” في باريس بخبرة عبد الكريم للتعليق والتحليل اليومي على مجريات الحرب وتداعياتها على مدى 44 يومًا .

في أيلول (سبتمبر) 1991 حمل عبد الكريم معه تجربته المتميِّزة وخبرته الصحافية وعاد إلى لندن بعدما استدعاه ناشر صحيفة “الحياة”، الأمير خالد من سلطان بن عبد العزيز، ليطلب منه رئاسة تحرير أسبوعيةٍ جديدة تصدر من العاصمة البريطانية واتُفِقَ على تسميتها مجلة “الوسط”. على الأثر جمع فريقًا من نخبة الصحافيين بينهم كابي طبراني، أنطوان عبد المسيح، بيار أبي صعب، أنطوان رعد، عمرو عبد السميع، عدنان كريمة وآخرين، لتبدأ الصدور في أوائل العام 1992. وبعد تركه لمجلة “الوسط” في العام 1993، تعاون لفترةٍ مع صحيفة القبس الكويتية والمجلة الشهرية الصادرة بالفرنسية “أرابي” (Arabies) التي كان يرأس تحريرها الصحافي الكبير ياسر هواري..

وظل عبد الكريم عصاميًا ومُثابرًا. لم يكن يؤرقه أيُّ همٍّ سوى عمله ومهنته، هو الذي اختار الابتعاد عن المسؤوليات والالتزامات العائلية وظلّ مُتعلقًا بمهنة القلم، ثابتًا حتى سنواته الأخيرة، التي عاد فيها للكتابة في “النهار” محطة انطلاقته الأولى، كاتبًا ومحلِّلًا سياسيًا، يطل على قرائه بما كان يتوافر له من معلومات من اتصالاته الديبلوماسية وعلاقاته العربية والدولية.

وبغياب عبد الكريم أبو النصر عن 79 عامًا في هجرته الباريسية التي اختارها لنفسه، مُعتَكفًا ومُمانعًا عن العودة إلى لبنان، الذي قطعت الحرب كل صلاته به، يغيب واحد من الوجوه الصحافية البارزة والخلّاقة التي تميّزت بها مرحلة مهمة من الصحافة الناجحة اللبنانية والعربية.

أسرة “أسواق العرب”، في هذه المناسبة الأليمة، تتقدم من أرملته السيدة لين نوفل وعائلته الكريمة بأحرِّ التعازي، راجيةً من الله أن يمنحهم جميعًا الصبر والسلوان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى