أزمةُ طاقة تُهَدّدُ مُستَقبَلَ أردوغان رُغمَ علاقته الجيّدة مع بوتين!

على الرغم من أن تركيا لا تزال على علاقة جيدة مع روسيا، إلّا أن ذلك لم يُفِدها حيث تجد نفسها غارقة في خضمّ أزمةِ طاقة.

“تُرك ستريم”: بواسطته بصل الغاز إلى تركيا.

ديميتار بيشيف*

في الأول من أيلول (سبتمبر) الماضي، نقلت “بوتاس”، شركة الغاز الطبيعي التركية المملوكة للدولة، أخبارًا سيّئة للعملاء.لقد رفعت الأسعار بنسبة 20.4٪ للأُسَر، و47.6٪ للشركات الصغيرة والمتوسطة، و50.8٪ للمُستهلكين الصناعيين.

لم تكن تلك الزيادة غير مسبوقة. في حزيران (يونيو) الماضي، تم رفع الأسعار بنسبة 30 في المئة للمنازل و16 في المئة لمحطات الطاقة و10 في المئة للصناعات. منذ بداية العام 2022، اقتربت الزيادة في الصناعات الكبرى من أربعة أضعاف، بينما تضاعفت رسوم الأسر تقريبًا. إذا أخذنا نهاية العام 2020 كمعيار، فقد زاد الارتفاع في أسعار الغاز الطبيعي بأكثر من ستة أضعاف.

الواقع أن الأسعار الالمرتفعة جدًّا باتت تؤذي شريحة كبيرة من الأتراك، لا سيما مع حلول فصل الشتاء وزيادة الطلب. تُظهِرُ بيانات العام 2020 أن 16.8 مليون أسرة من إجمالي 22.4 مليون أسرة، وفقًا لمكتب الإحصاء الوطني، تستهلك الغاز بشكلٍ مباشر. ويعتمد الكثيرون على الكهرباء التي يرتبط سعرها بالغاز. في الأول من أيلول (سبتمبر)، أعلنت هيئة تنظيم سوق الطاقة “EDPK” عن زيادة بنسبة 20 في المئة للمنازل وزيادة بنسبة 80 في المئة للصناعة. في هذه اللحظة، يدفع المستهلك التركي العادي حوالي 250 دولارًا للميغاواط في الساعة، مُقارنةً بـ198 دولارًا في ألمانيا و172 دولارًا في إسبانيا.

أدّى ارتفاعُ فواتير الطاقة إلى تفاقم مشاكل تركيا المُزمِنة مع التضخم. وفقًا للبيانات الرسمية، ارتفعت أسعار المستهلك على أساسٍ سنوي بنسبة 80 في المئة، وهي زيادة لم تشهدها البلاد منذ حوالي 24 عامًا. ومع ذلك، تشير التقديرات غير الرسمية لمجموعة أبحاث التضخم “إيناغ” (ENAG)، إلى أن المعدّل الفعلي أعلى من ذلك بكثير. في تموز (يوليو) الماضي، حدّدت “إيناغ” الرقم عند 176.1 في المئة. وبالمقارنة، فإن منطقة اليورو، التي تواجه بالمثل خطر التضخم، تتصارع مع معدل يبلغ حوالي 9 في المئة.

من الصعب المُبالغة في تقدير التداعيات السياسية للتضخّم بشكلٍ عام وارتفاع تكلفة الطاقة بشكل خاص. يُناضِلُ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من أجل إعادة انتخابه في حزيران (يونيو) المقبل. بالتوازي مع ذلك، يأمل حزب العدالة والتنمية الذي يتزعّمه في الاحتفاظ بمكانته كأكبر قوة في البرلمان التركي. ومع ذلك، فإن ما كان في يوم من الأيام أهم نقطة بيع لحزب العدالة والتنمية -إدارة كفوءة للاقتصاد- أصبح الآن عبئًا. لقد أدى تدخّل الرئيس في السياسة النقدية إلى جعل الوضع الصعب أسوأ من حيث إبقاء أسعار الفائدة منخفضة، على عكس الاتجاه السائد في الاقتصادات الكبرى في جميع أنحاء العالم. أدّى الانخفاض الناتج في الليرة التركية، والتضخّم الجامح، وارتفاع تكاليف المعيشة إلى تآكل دعم أردوغان. لقد وصل تصنيف شعبيته إلى أدنى مستوى له على الإطلاق. تأمل كتلة المعارضة السداسية التي تشكّلت حول حزب الشعب الجمهوري والحزب الصالح أن تتمكّن من الفوز بالسلطة، كما فعلت في المدن التركية الكبيرة، بما فيها اسطنبول وأنقرة، خلال الانتخابات المحلية لعام 2019. وقد يُقنِعُ الشتاء القارس وارتفاع أسعار الطاقة عددًا كافيًا من الناخبين بعدم دعم أردوغان وحزب العدالة والتنمية.

كما قد يتوقع المرء، تبذل السلطات قصارى جهدها للتخفيف من تأثير ارتفاع فواتير الطاقة. تُشيرُ رسوم الغاز التفاضلية التي تتكبّدها الصناعة والمستهلكون في المنازل إلى حقيقة أن شركة “بوتاس” هي التي تدعمها. نتيجةً لذلك، تُعاني الشركة من عجزٍ كبير. في العام 2021، تلقّت خطة الإنقاذ من موازنة الدولة قيمة 100 مليار ليرة تركية (أو 6.8 مليارات دولار). تقوم شركة “بوتاس” أيضًا بشراء مليارات الدولارات من البنك المركزي اللازمة لدفع ثمن الواردات. عندما تتأرجح أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا، بسبب تداعيات الحرب في أوكرانيا، فإن هذا الأمر يضع عبئًا إضافيًا على الاقتصاد التركي.

كلُّ هذا يُسلِّطُ الضوء على القوى المتصارعة في البلاد. يُحاولُ أردوغان الاستفادة من الحرب جيوسياسيًا، ولعب دور الوسيط بين أوكرانيا وروسيا، وينجح أحيانًا. لكن الصراعَ يزيدُ من مشاكل تركيا في الداخل. ما يقرب من نصف 62 مليار متر مكعب من كمية الغاز الطبيعي المستهلكة سنويًا في البلاد يصل عبر خط أنابيب من روسيا. في كانون الثاني (يناير) الماضي، وقّعت شركة “بوتاس” صفقة جديدة مدتها أربع سنوات مع شركة غازبروم تتسلم بموجبها 5.75 مليارات متر مكعب سنويًا، ويتم تسليمها عبر خط أنابيب “تُرك ستريم”. ظاهريًا، يعزز هذا أمن الطاقة في تركيا حيث لم يتم قطع التدفقات من روسيا، على عكس الإمدادات المتجهة إلى الاتحاد الأوروبي. نظرًا إلى أن “تُرك ستريم” يتجاوز أوكرانيا، فإن تركيا ليست مُعرَّضة لخطر الانقطاع بسبب القتال.

في الوقت نفسه، أدّى ضعف الليرة إلى ارتفاع تكلفة واردات الغاز حيث يتم تحديد عقود التوريد بالدولار الأميركي. على الرغم من أن “بوتاس” تدفع أقل من العملاء الآخرين لأن عقدها مرتبط بأسعار النفط وليس تحديد الأسعار في مراكز الغاز في أوروبا، كما هو الحال مع صفقات غازبروم مع المجر أو اليونان، إلّا أنها لا تزال تحت الضغط. تعاني تركيا من عجز تجاري ضخم – 62.2 مليار دولار في الفترة ما بين كانون الثاني (يناير) وتموز (يوليو) من هذا العام، بزيادة 143.7 في المئة مُقارنةً بالعام السابق. تشتري أنقرة المزيد من النفط الروسي أيضًا، حيث تضاعفت مشترياتها إلى 200 ألف برميل يوميًا. وهذا الخيار له تأثيرٌ إيجابي هامشي حيث يتم بيع الخام الروسي حاليًا بسعرٍ مُخفَّض. لكنه بالكاد يُغير الصورة العامة.

وبدلًا من لَيِّ ذراعِ موسكو للمطالبة بظروف تجارية أفضل، يبدو أن أردوغان على استعداد للتكيُّف مع ما يريده بوتين وممالأته. في قمة مجلس شنغهاي للتعاون الأخيرة في سمرقند، أعلن الاثنان أن تركيا ستدفع 25 في المئة من غازها بالروبل. على الرغم من أننا لم نرَ بعد جميع الأساليب المتضمنة، إلّا أن ذلك يشير إلى أن أنقرة ستشتري العملة الروسية باحتياطي الدولار لتسوية المدفوعات. سيعني ارتفاع سعر صرف الروبل إلى جانب انخفاض الليرة أن تركيا ستستوعب الخسائر. في حين تسود الشكوك بأن أردوغان يحاول الاستفادة من العقوبات الغربية وجذب الأعمال التجارية إلى تركيا باعتبارها بوابة خلفية لروسيا، فإن ديبلوماسيته في مجال الطاقة قد تؤدي إلى نتائج عكسية.

  • ديميتار بيتشيف هو باحث زائر في كارنيغي أوروبا، حيث يركز على وسط وشرق وجنوب شرق أوروبا. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @DimitarBechev

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى