الأمين العام … أمين
راشد فايد*
يدخل النواب الجدد، اليوم، من تغييريين ومُستَقِلّين وسياديين ومعترضين، أيًّا استقرّت التسمية، تحت قبّة مجلس النواب، في أول مُمارسَةٍ لدورهم كمُشَرِّعين، ومُمَثّلي الأمة، وهو انتخابُ رئيس لمجلسهم، ونائبٍ له، وهيئة مكتب المجلس، ليلعبوا دورهم، لاحقًا، في اختيار رئيسٍ للحكومة الجديدة، وصولًا إلى انتخابِ رئيسٍ للجمهورية، يُفتَرَضُ أن يختاروه أهلًا للموقع، ومُؤتَمنًا على الدستور وحُسنِ تطبيقه.
سيكون دخولهم قاعة المجلس، جميعًا، امتحانًا أوّل لصُدقِ شعاراتهم، وأوّلها تغيير نمط الحكم وإدارة البلاد، أيّ وقف هدر الوقت على ضفاف الأزمات المصيرية التي يعيشها الوطن، ولا درب إلى ذلك من دون إسقاط ممارسات المجالس النيابية منذ اتفاق الطائف، وتجنّب إنجاح العودة إلى تعطيل الحياة العامة حينًا بالسلاح غير الشرعي، وأحيانا بالتواطؤات بين “الأقطاب” الجاهزين لكلِّ مُساوَمة.
عليهم، أوّلًا، أن يُشارِكوا في الإختيار والإقتراع، ليس برَفعِ الأيدي كيفما اتُفِق، وليس بـ”صَدِّق” “على الطاير”، بل بتعدادٍ واضحٍ للأصوات، انتظارًا ليكون أول مطالبهم، لاحقًا، في إدارة الجلسات، إعتماد التصويت الألكتروني.
سيكون حضورهم الجلسة، ودخولهم القاعة، بذاته، تأكيدًا لالتزامهم بدورهم كمُدافعين عن الديموقراطية، فلا يُقاطعون لتعطيلِ هذه الجلسة، أو أيّ جلسة، أيًّا تكن التفاهمات على المناصب، بين “المُدمنين” على هذا النوع من الصفقات، أصحاب الخبرة، فـ”المقاطعة هي إعلان استقالة”، كما قال يومًا، النائب والوزير ونائب رئيس الحكومة الأسبق الدكتور ألبير مخيبر، مُخاطبًا البطريرك نصرالله صفير إبان نقاش قرار مقاطعة أول انتخابات نيابية في ظل “اتفاق الطائف” في العام 1992. يكفي التذكير بأن المجالس النيابية السابقة سجّلت أرقامًا قياسية، في التعطيل الصريح المُعلَن، كما عند احتلال تحالف 8 آذار وسط بيروت، أو غير الصريح إما بعدم دعوته إلى الإنعقاد، وإما بتطيير النصاب جهارًا.
الخلاصة أن نواب المجلس منذ 1992 إلى منتصف أيار/ مايو التزموا السكوت الطويل،على اختلاف انتماءاتهم أو لامبالاتهم، حيال غياب فعاليته وعدم اضطلاعهم بدورهم الرقابي، فيما أغلب التئامات شملهم كانت لترجمة اتفاقات، تحت الطاولة، على تعييناتٍ وإقرار تمرير صفقات ومنافع مُتبادَلة، بدليل ندرة جلسات المناقشة العامة، والإكتفاء بعددٍ محدودٍ من جلسات الأسئلة والإستجوابات، أما المُناقشات السياسية فكانت تطغى عليها الفوضويّة، وهو أمرٌ وصفه النائب السابق غسان مخيبر، في حوار صحافي، بأنه “لم يكن بريئًا، ووظيفته السياسية الحقيقية حماية مجلس الوزراء من الانتقاد ومن مواجهة معارضة جدّية وفاعلة، وتعزيز حصريّة دور مجلس الوزراء في أداء وظيفتي الحوار واتخاذ القرار السياسي”.
لا تتخطّى الجلسة ما هو مُقَرَّرٌ لها دستوريًا، أي انتخاب الهيئات ونائب الرئيس، ولن تشهد نقاشات، وقد أعطى الرئيس نبيه بري إشارة رضاه على انتخاب النائب الياس أبي صعب نائبًا للرئيس، بعد عَرضِ عضلاتٍ قدّمه النائب العائد جبران باسيل، لزوم استنهاض جمهوره، وادّعاء تعرّض تياره لاضطهاد االحلفاء-الأعداء. على الرغم من ذلك، انطلق ترهيب النواب، تحديدًا الجُدُد، من الأمين العام لحزب الممانعة، السيد حسن نصرالله، إلى نائبه نعيم قاسم،، فور إعلان نتائج الإنتخابات التشريعية بتحضير “أرواح” الخيانة، والعمالة للسفارات، والتآمر على المقاومة، والتحذير من عدم قيام حكومة “وحدة وطنية”، واعتماد أحجية “الميثاقية” بتفسيراتها المطّاطة.
عمليًا، ليس في ذلك إلّا تواطؤ لتمديد السنوات الست السابقة، وكسر قوى 17 تشرين، وتأبيد زمن الأزمات.فالأمينُ العام أمينٌ على دوره.
- راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
- يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).