على العالم إدانة الإستيلاء الإسرائيلي غير المشروع على الأراضي الفلسطينية

بقلم كابي طبراني

منذ العام 1967 واسرائيل تقوم ببناء مستوطنات على أراضٍ استولت عليها بالقوة من الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية. يعيش الآن أكثر من 600,000 إسرائيلي في حوالي 140 مستوطنة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي تُعتَبَر غير قانونية وفقاً للقانون الدولي – وهو موقفٌ أعلنته الأمم المتحدة والغالبية العظمى من دول العالم. إن قرار الولايات المتحدة بإعلان تلك المستوطنات بأنها شرعية لا يتعارض فقط مع الإجماع الدولي، بل إنه يُمثّل خيانة للفلسطينيين ودلالة على الوعد الأميركي الفارغ والكاذب بالعمل على وضع خطةٍ للسلام في الشرق الأوسط.

إن هذا القرار، الذي لم يكن مُفاجئاً، يقول الكثير عن انعدام الثقة بأميركا كوسيط نزيه في مفاوضات الصراع العربي – الإسرائيلي. فقد أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو يوم الإثنين الفائت أنه بعد “التحليل والمراجعة القانونية”، خلصت وزارته إلى أن المستوطنات “لا تتعارض مع القانون الدولي”. وأضاف: “إن الإدّعاء بأن إقامة مستوطنات مدنية تتعارض مع القانون الدولي لم يخدم قضية السلام”. ما يتجاهله بومبيو هو أن المُصطلَح ليس هو الذي يتداخل مع عملية السلام، ولكن حقيقة أن المُستوطنات بُنِيَت على نحو غير مشروع على أرض مُحتلّة وجعلت من الصعب جداً إنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة. إن إتفاقية جنيف الرابعة تنص بوضوح على أنه يجب على القوى المُحتلة ألّا “تقوم بترحيل أو نقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها”. ومع ذلك، ما فتئت السلطات الإسرائيلية تقوم بالاستيلاء على الأراضي الفلسطينية منذ حرب العام 1967، وغالباً ما تدّعي أن الأرض مُخصّصة لأغراض عسكرية أو أمنية – ثم لا تلبث بأن تسمح للمجتمعات السكنية اليهودية بالتمدّد والإنتشار. إن الإستهتار المُستمر والعدوان الصارخ على القانون الدولي هما اللذان يجعلان إحتمال السلام بعيد المنال.

الكلمات تُعتَبَر مُهمّة ومؤثّرة عندما يُسلَب باستمرار وبشكل منهجي الضعفاء والمحرومون من الحق بالعيش بكرامة وإقامة دولة. كان بيان بومبيو مُتمشّياً مع سلسلة من الإجراءات المؤيدة لإسرائيل التي اتخذتها واشنطن. قبل عامين، قام الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، مما أثار فزع وهلع الفلسطينيين الذين يسعون إلى جعل القدس الشرقية عاصمة لدولة مستقبلية، ومن ثم نَقَل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. وفي نيسان (إبريل) من العام الفائت، حذفت الولايات المتحدة بصراحة الإشارات إلى “الأراضي المحتلة” من التقرير السنوي لحقوق الإنسان الصادر عن وزارة الخارجية، مُشيرةً بدلاً من ذلك إلى “الضفة الغربية وغزة”. وكانت هناك أيضاً محاولة لتجنّب مُصطلَح المستوطنين، إذ أن الوزارة الأميركية تُفضّل بدلاً من ذلك عبارة “الإسرائيليين الذين يعيشون في مستوطنات الضفة الغربية”.

وسط المظالم التاريخية التي لا تُعد ولا تُحصى التي يتعرض لها شعب فلسطين، تتم هذه المحاولات الخبيثة لجعل الفلسطينيين مُشتّتين غير مرئيين وقضيتهم تتآكل وتندثر من خلال محو هويتهم وأرضهم، والإعتراف بالجرائم ضدهم بأكثر الطرق فعالية من خلال الإستغلال الواعي للغة. إن الكلمات المُستخدَمة في تأطير الصراع ستستمر لتحديد العدسة التي من خلالها سيُشاهِد التاريخ هذه الأعمال العدائية.

من خلال هذه الخطوات، تآكلت الثقة بواشنطن تدريجاً وبمكانتها كوسيط بين الفلسطينيين والإسرائيليين. على الأرض، سواء كانت تشير إلى المستوطنات باعتبارها غير شرعية أم لا فهو أمرٌ لا يهمّ كثيراً. لن يُحسّن ذلك محنة الفلسطينيين ولن يمنع الإسرائيليين من التوسع في أراضيهم. لكن مثل هذه التحريفية، كما تقول مفاوضة منظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي، تمنح إسرائيل “ضوءاً أخضرَ” للضمّ. ومثل هذه الخطوات تقول للسلطات الإسرائيلية أنه يمكنها أن تُنفّذ مثل هذه الجرائم من دون عقاب بينما يقف المجتمع الدولي غير آبه ولا يفعل شيئاً – وفي الواقع يتغاضى عن سلوكها. مع وقوف الولايات المتحدة وراء ذلك، ستشعر تل أبيب بالجرأة لمواصلة توسّعها العدواني، علماً أن أميركا تبقى أهم طرف خارجي يُمكنه إنهاء هذا الإحتلال وهذا التوسع.

إذا كان التاريخ يكتبه المُنتصرون عادة، فقد قدمت الولايات المتحدة ببساطة نصراً إلى الدولة العبرية وأعادت كتابة التاريخ في الصفقة – كل ذلك قبل التوصل إلى حلٍّ للنزاع. يجب على العالم أن يواصل الإعتراف بهذه المستوطنات كما هي: جريمة ضد شعبٍ بأكمله تم تجريده من أرضه ومن دولته، والآن سُلِب الحق في أن يُطلق عليه ضحية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى