لبنان… الاستعدادات لـ 16 أيّار

محمّد قوّاص*

لا يُمكِنُ إلّا ملاحظة سلسلة من الانفراجات المُتعلِّقة بلبنان. وفيما لا يزال من المُبكِر المُخاطرة في إعطاءِ تفسيراتٍ واضحة حول حيثيات بعض التطورات الإيجابية ودوافعها، لكن الواضح أن تأثيراتٍ خارجية باتت ضاغطة لمنع لبنان من الارتطام الكبير.

تتواكب عودة السفيرين السعودي وليد البخاري والكويتي عبد العال القناعي إلى لبنان مع الإعلان عن اتفاق الحكومة اللبنانية مع صندوق النقد الدولي (تمويلات مبدئية ومشروطة للبنان بمبلغ 3 مليارات دولار)، كما الإعلان عن زيارة البابا فرنسيس للبنان في حزيران (يونيو) المقبل.

يجري كل ذلك وفق تواصل فرنسي-خليجي لإنعاش ما بإمكانه ضخّ مساعدات إنسانية، وتوفُّر أجواء إقليمية ممكن أن تكون واعدة في ما شكّله الحدث اليمني من مفاجأة لليمن والمنطقة.

ولا يمكن أن نستبعد المفاوضات الجارية في فيينا عن أي تطور سلبي أو إيجابي داخل مناطق نفوذ إيران في الشرق الأوسط، بما فيها لبنان. ولئن يجري ربط الصواريخ التي أطلقها الحرس الثوري على أربيل شمال العراق في 13 آذار (مارس) أو الهجمات الحوثية التي استهدفت المنشآت النفطية في السعودية في 20 آذار (مارس) بما يجري على طاولة فيينا، فإن دعمَ إيران للهدنة في اليمن ودفع الحوثيين إليها، كما سكوت “الضاحية” في لبنان عن هذا التطوّر، تفاصيل لا يمكن إلّا إدراجها داخل ملف مفاوضات اللحظة الأخيرة في العاصمة النمساوية.

وتأتي عودة الرعاية الخليجية، والعربية، وفق ما أشاعته زيارة البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى مصر واجتماعه مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 20 آذار (مارس)، لتعبّر عن دينامية إقليمية لاحتضان لبنان قد لا تكون بعيدة من توجّه بلدان المنطقة إلى ترتيب الصفوف وفق ما أفصحت عنه القمم المفاجئة في شرم الشيخ والعقبة كما استقبال الإمارات للرئيس السوري بشار الأسد.

وقد لا تكون مُصادفة أن تتدافع التطورات الإقليمية والدولية الخاصة بلبنان في لحظاتٍ مفصلية يصفها البعض بالتاريخية. أبرز تلك اللحظات هي تلك المُتعلّقة بالحرب في أوكرانيا مع ما تُسبّبه من تداعيات مباشرة على المنطقة في مسائل الطاقة والغذاء من جهة، وما ستنتجه من جهة أخرى من تحوّلات جيوستراتيجية دولية واصطفافات مُتَغَيِّرة تُظهر المنطقة بعض إرهاصاتها.

لكن اللحظة المباشرة مُرتبطة بمصير المفاوضات التي تجريها إيران مع مجموعة الـ 4+1 والولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي، والتي سيكون لها تداعيات مباشرة على لبنان في حال إبرام اتفاق مُحدث أو عدمه. وفي هذا السياق تماما جاءت زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى بيروت في 24 آذار (مارس) مُستَبقًا هذا الاستحقاق مؤكدًا على مساحة نفوذ بلاده على قرار بيروت عشية “العودة” العربية إلى لبنان.

والحال أن دعم طهران لتبريد جبهات اليمن قد يُصاحبه، على ما يبدو حتى الآن، تبريد للهجة منابرها التابعة ل”حزب الله” في الموقف من الأجواء الإيجابية التي عبّر عنها بيانا وزارتي خارجية السعودية والكويت المُرَحِّبَين بوعود الحكومة اللبنانية ورئيسها نجيب ميقاتي، كما في الموقف من عودة سفيري البلدين إلى بيروت. صحيح أن جلسات حوار إيران والسعودية مُتَوقّفة، لكن للبلدين تماسّا من المصالح يجري التعبير عن تصادمها أو تعايشها في كل من اليمن ولبنان. وإذا ما تنخرط إيران في وقف إطلاق النار في اليمن ويقاطع حليفها الحوثي التشاور اليمني-اليمني في الرياض ويُهاجم ما اسفر عنه من قيام مجلس رئاسي، فإن السلوك الإيراني في لبنان واجهة دقيقة للنهج الذي ستعتمده إيران حيال المقاربات الدولية والعربية المُستَجدّة في لبنان.

يدور المستجد الخارجي حول التطور اللبناني الداخلي الأهم المتعلق بالانتخابات النيابية في 15 أيار (مايو) المقبل. تهتم فرنسا بقوة، وهي في خضم انتخابات رئاسية، في تعزيز حضورها كما الحضور الدولي العربي في لبنان. ووجب الانتباه إلى خصوصية باريس في علاقاتها الودودة مع الخليج في عزّ برودة علاقات المنطقة وتوتّرها مع واشنطن، كما علاقاتها مع إيران وتواصلها المستمر مع “حزب الله”، كما موقعها المُتقدِّم داخل أوروبا وتنسيقها مع واشنطن بشأن لبنان.

وفق خريطة طريق فرنسية-أميركية-عربية تتلاحق المواقف الخارجية استعدادًا لانتشالِ لبنان على النحو الذي بدأت معالمه في المداولات مع صندوق النقد الدولي (المُرحَّب بنتائجها من داخل الكونغرس في واشنطن). ووفق هذه الأجواء يقُرر البابا فرنسيس، وهو رئيس دولة الفاتيكان، الانضمام إلى ذهاب دول أخرى في فرض أمر واقع  دولي جديد. على هذا وجب قراءة زيارته للبلد المنكوب بعد تشكّل برلمانه الجديد. وعلى هذا تتأمل طهران وحزبها في لبنان هذا المشهد العام وتستعد للتموضع بناءً عليه آخذةً بعين الاعتبار حقائق ما سيخرج من فيينا.

غير أن التحوّلات الخارجية حيال لبنان لا تهدف أبدًا إلى التأثير في الانتخابات في أيار (مايو). والأدقّ أنها تَطوّرات تسعى إلى تلقّف اللحظة اللبنانية غداة تلك الانتخابات. على أن اللافت هو ما ذهب إليه البطريرك بشارة الراعي من دعوته إلى “أن يخرج من صناديق الاقتراع لا أسماء النواب فقط، بل هوية لبنان”. ربما هنا تجب إعادة قراءة التحوّلات في البُعد الذي يُحدّد تموضع لبنان أيًّا كانت طبيعة برلمانه الجديد. هذا أيضًا ما تستعدّ له طهران وحزبها في لبنان.

  • محمّد قوّاص هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني مُقيم في لندن. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @mohamadkawas
  • يَصدُرُ هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره على موقع “سكاي نيوز عربية” (أبو ظبي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى