الشَرقُ الأوسَط يَستَعِدٌّ لاتفاقٍ نووي مع إيران

مايكل يونغ*

في نهاية الأسبوع الفائت، نُشِرَت تقاريرٌ عدة في لبنان تُفيدُ بأن دول الخليج ستُعيدُ قريبًا سفراءها إلى بيروت، وهي معلوماتٌ أكّدها أيضًا رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي يوم السبت. وكان السفراء سُحبوا في تشرين الأول (أكتوبر) 2021، عقب نشر مقطع فيديو يُظهِرُ وزير الإعلام اللبناني آنذاك، جورج قرداحي، ينتقد التدخّل السعودي في اليمن.

وكان الفيديو سُجِّل وأُذيع قبل تعيين قرداحي وزيرًا، وفي غضون أسابيع استقال. ومع ذلك، لم يعد السفراء إلى بيروت. وقد اعتبر العديد من المراقبين هذا الأمر كتحرّكٍ أوسع نطاقًا لتغييرِ كيفية تعامل لبنان، البلد الذي تراه حكوماتٌ عدة على أنه تحت سيطرة إيران، مع بيئته العربية.

قبل 10 أيام مضت، تم استقبال الرئيس السوري بشار الأسد في الإمارات العربية المتحدة، وهي المرة الأولى التي دُعي فيها الرئيس السوري إلى دولة عربية أخرى منذ الانتفاضة السورية في العام 2011. وبعد فترة وجيزة من هذه الزيارة، استضافت مصر قمةً في شرم الشيخ بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي عهد أبو ظبي/ نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الشيخ محمد بن زايد ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت.

يُمكن للمرء أن يتوصّلَ إلى استنتاجاتٍ عدّة حول ما يجري بين الدول العربية والحكومة السورية. أوّلًا، ربما يحدث ذوبان الجليد في العلاقات مع وضع طهران في الاعتبار. تُشيرُ تقاريرٌ عديدة إلى أن الاتفاق النووي مع إيران سيُوقَّع قريبًا في فيينا، وهذا سيشكل تحدّيًا كبيرًا للدول العربية وإسرائيل.

في ضوء ذلك، قد تكون دولٌ عربية عدة استنتجت أن إعادة سوريا إلى الحظيرة العربية كان ضروريًا لزيادة الرهان العربي في البلاد واستخدام ذلك لصد النفوذ الإيراني هناك. في الواقع، سبق لدمشق أن استخدمت هذا النهج العربي للتلاعب بالدول العربية ضد إيران، وكسبت من كلا الجانبين.

لكن هذه المرة، قد تكون الأمور مختلفة. الافتراض العربي هو أن الأسد حريصٌ على توسيع هامش مناورته في ما يتعلق بإيران، وتقليل اعتماده على الإيرانيين. لم تطلب الدول العربية من سوريا قطع علاقاتها مع إيران، ولكن بتحقيق مصالحها، تضع حدودًا لحرية العمل لإيران لفرض أولوياتها هناك.

والامتداد المنطقي لهذا، على ما يبدو، هو تشجيع سوريا على تقييد خيارات إيران في لبنان. منذ العام 2005، عندما انسحب الجيش السوري من لبنان بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، تتوق سوريا إلى إحياء نفوذها في بيروت. بدلًا من ذلك، خلال تلك الفترة، كانت إيران، بالعمل من خلال “حزب الله”، هي التي وسّعت نفوذها في البلاد، ما أثار استياء العديد من اللبنانيين.

اليوم، يبدو أن احتضان الأسد يفتح الباب جُزئيًا أمام إحياء الدور السوري في لبنان. المنطق هو أنه فقط من خلال تقديم مثل هذا الإغراء يمكن تشجيع سوريا على متابعة أولوياتها في البلاد، بغض النظر عن تفضيلات إيران.

سيكون هذا الأمر مُختلفًا عما كان موجودًا قبل العام 2005. لن يعود الجيش السوري وأجهزة المخابرات قريبًا، ولن يستطيعا العودة. بدلاً من ذلك، قد يكون التركيز على إحياء الشبكات السورية في البلاد، وخلق وضعٍ بشكلٍ فعّال تعترف فيه الدول العربية بدورٍ أكبر لدمشق عندما تُريدُ شيئًا من لبنان.

بمجرّد أن تحشد سوريا حلفاءها المحلّيين، فإن هذا من شأنه أن يمنح الدول العربية حصةً أكبر في لبنان حتى لا يبقى موقعًا إيرانيًا حصريًا. لن تدخل سوريا وإيران في مواجهة. لكن السوريين سيهدفون إلى أن يكون لهم رأي أكبر في الشؤون اللبنانية، وهو ما سيتعيّن على “حزب الله” قبوله، وستنظر الدول العربية، بهذه الطريقة، في الحدّ من جهود إيران لتوظيف لبنان ضد مصالحها.

وفي هذا السياق، فإن قمة شرم الشيخ لم تُطمئن طهران. يُمكِنُ للإيرانيين أن يشعروا بأن المنطقة قد وصلت إلى نقطةٍ تكون فيها الدول العربية الرئيسة، إلى جانب سوريا، وكذلك إسرائيل وروسيا، جُزءًا من مجموعة بحكم الأمر الواقع من الدول التي قد تحدّ من خيارات إيران حيث تسعى كلٌّ منها إلى تحقيق مصالحها الخاصة في المشرق العربي. يدرك الجميع أن إحياء الاتفاق النووي من شأنه أن يزيد من نفوذ إيران، ويريدون الاستعداد لذلك.

لذلك لم يكن من قبيل المصادفة أن يقوم وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، بزيارة سوريا ولبنان في نهاية الأسبوع الماضي. لم يكن الإيرانيون سعداء برؤية الدول العربية تتحدّث إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، ولا لرؤية أن الأسد قد تم استقباله للتو من قبل أحد القادة الموجودين في شرم الشيخ.

لن تنفصل سوريا وروسيا عن إيران، بل إن العديد من الدول العربية قد تعمل في نهاية المطاف على تحسين العلاقات مع طهران. ومع ذلك، في البيئة الإقليمية الجديدة للمعاملات، لكلِّ واحد مصلحة في إجبار إيران على الاعتراف بمصالحه أيضًا.

مع الإحياء الوشيك للاتفاق النووي وفك ارتباط الولايات المتحدة بالشرق الأوسط، تتشكّل تحالفاتٌ جديدة من شأنها التأثير في المكاسب الإيرانية. تشهد المنطقة إعادة تعديل وتصحيح جذرية وقد لا يكون أمام إيران خيارٌ سوى قبول هذا الواقع الجديد. يبدو أن عودة الخليج إلى لبنان تُظهر أن الدول العربية ترى الآن ميزة أقل في عزل البلاد مُقارنةً بالانخراط في السياسة هناك ودمجها في التفاعل المرن الذي يُعطي شكلًا لهذه الاصطفافات الجديدة.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى