القضايا الكبرى للعام 2022

جيم أونيل*

مع اقتراب السنة من نهايتها، بدأت لعبة الإدّعاء والتظاهر بمعرفة ما سيحدث في الأشهر الـ 12 المقبلة. ومع ذلك، عندما يتعلّق الأمر بالعام 2022 (وما بعده)، لست متأكدًا مما إذا كان الأمر يستحق حتى التظاهر. لا يمكنني تذكّر وقت سابق عندما كان هناك الكثير من علامات الإستفهام الكبيرة التي تلوح في الأفق حول العديد من القضايا الاقتصادية الرئيسة.

هذا الغموضُ العميق مُثيرٌ للاهتمام بشكلٍ خاص في ما يتعلق بالأسواق المالية. إذا اتّخَذَت أيٌّ من التطورات العديدة التي يجب مراقبتها مُنعَطَفًا سلبيًا، فقد تكون التداعيات على الأسواق المرتفعة اليوم وخيمة.

من بين القضايا الأكثر إلحاحًا، بخلاف كوفيد-19، التضخّم. هل الزيادات في الأسعار هذا العام عابرة، أم أنها تُمثّل شيئًا أكثر خطورة؟ جوابي غير المُجدي هو، “لا أعرف”. على الرغم من أنني اقترحتُ في هذا الوقت من العام الفائت أن التضخّمَ سيصبح مشكلة أكبر من ضعف نمو الناتج المحلي الإجمالي، إلّا أنني الآن، وأنا أتطلع إلى العام 2022، لستُ مُتأكّدًا كثيرًا.

لا يزال من الممكن أن يرتبط الكثير من الضغوط التضخمية اليوم بسرعة الانتعاش في العديد من الاقتصادات، وبالطبع باضطرابات العرض الكبيرة والمستمرة. لكن نقص الإمدادات بحدّ ذاته قد يكون أعراضًا لمشاكل أكبر، مثل التحفيز الاقتصادي المفرط، والسياسات النقدية غير الفعّالة أو نمو الإنتاجية الضعيف. ستكون الآثار المترتّبة على الأسواق المالية مختلفة تمامًا وتعتمد على أيٍّ من هذه العوامل قد تعمل، وإلى أي مدى.

يرتبطُ العديد من الأسئلة الكبيرة الأخرى للعام 2022 بالتضخّم أيضًا. ما هو الغرض من السياسة النقدية في اقتصاد اليوم؟ هل ما زلنا قلقين بشأن مستويات الدين الحكومي، أم أننا اكتشفنا (بالمصادفة) أنه لا يجب أبدًا أن نقلق بشأن هذا الأمر؟ أنا مُنفتِحٌ الذهن بشكلٍ عام، لكن لدي بعض الشكوك القوية بالنسبة إلى هذا النقاش بالذات.

في ما يتعلق بالسياسة المالية وفكرة أن الدين الحكومي يُصبح إشكاليًا على مستوى مُعيَّن من الدقّة، أظهرت أحداث 2020-2021 أن الكثير من التفكير التقليدي كان خاطئًا. الأهم من ذلك بكثير هو ما هو هدف الدين؟ الديون المُتكَبَّدة لمنع انهيار النشاط الاقتصادي مختلفة تمامًا عن الديون المُتكَبَّدة لمجرد تمويل أجندة حكومية شديدة الطموح.

في ما يتعلق بالسياسة النقدية، كان من الواضح حتى قبل الوباء أن عالَمَ ما بعد العام 2008 قد أدرك أن سخاء البنوك المركزية اللانهائي قد تجاوز فائدته. لطالما احتجنا إلى العودة إلى علاقةٍ حيث تحمل فيها أسعار الفائدة المُعَدَّلة حسب التضخّم بعض التشابه مع معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي المُحتَمَلة.

في حين يُمكن تقديم الأعذار للتعليق لفترةٍ وجيزة على إدارةِ صدمةٍ كبيرة مثل كوفيد-19، فإن استمرار السياسات النقدية الفضفاضة يبدو في غير محله. وكما يؤكد أنصار ميلتون فريدمان، فإن هذه السياسات قد تكون مسؤولة حتى عن الارتفاع الأخير في التضخم. من المُريح إلى حدٍّ ما أنه بعد سنوات من الكفاح لتحقيق معدلات تضخم أعلى، بالقرب أو أعلى من أهدافها المعلنة، اختارت البنوك المركزية الآن اعتبار التضخّم مؤقتًا.

في الواقع، ليس لدى محافظي البنوك المركزية فكرة أفضل منك أو حول ما إذا كان التضخّم سيستمر. ولكن حتى لو تبيّنَ أنه عابرٌ، فإن تبريرَ سياسةٍ نقدية سخية مشكوكٌ فيه على نحوٍ مُتزايد. بعد كل شيء، من خلال خلقِ ظروفٍ مالية فضفاضة، تُساهم البنوك المركزية في الشكوك المتزايدة بأن ثمار الرأسمالية الحديثة هي في المقام الأول لأولئك الذين يتمتّعون بامتيازاتٍ قليلة ممن يمتلكون الأصول.

يلوح في الأفق بهدوء حول هذه القضايا السؤال المركزي المتعلق بنمو الإنتاجية، والذي كان مُخيّباً للآمال في معظم الاقتصادات المُتقدّمة لسنواتٍ عديدة. هل تُنذِرُ التغييرات والابتكارات السلوكية المدفوعة بالوباء بالعودة التي طال انتظارها لمكاسب الإنتاجية القوية؟ لديّ قدمٌ واحدة في المعسكر المتفائل، وهذا جزئيًا هو سبب عدم رؤيتي للحاجة إلى الكثير من التحفيز النقدي. ولكن، بالنظر إلى خيبات الأمل المستمرة في العقد الماضي، لا يُمكنني بثقة أن أضع قدمي هناك. كما هو الحال دائمًا، يُروِّج صانعو السياسة لنيّة بذلِ المزيد من الجهود لتعزيز الإنتاجية. يأمل المرء أن يكونوا أكثر جدية الآن مما كانوا عليه في الماضي.

كما لو أن هذه التحديات والمجهول لم يَكُنا خادعَين بما فيه الكفاية، فهناك أيضًا قائمة طويلة من القضايا الكلية غير التقليدية التي يجب مراعاتها. يبقى أن نرى ما إذا كان يمكن دمج الاقتصاد الصيني المتزايد الأهمية بشكل أفضل في الاقتصاد العالمي. يُمكن لأيِّ شخصٍ أن يُخمّن ما هي التقلبات والمنعطفات التي سيتخذها الوباء. هل سيصبح “أوميكرون” (Omicron) سريعًا هو البديل المُهَيمن الجديد، أم أنه سيتم استبداله بمتحوّرٍ آخر؟

وماذا عن التهديدات الرئيسة الأخرى مثل الجائحة الصامتة لمقاومة مضادات الميكروبات أو المخاطر المُرتبطة بتغيّر المناخ؟ كما هو الحال الآن، يبدو من غير المُحتَمَل أن الناخبين، ولا سيما الأفواج الأكبر سنًا من ذوي الدخل المحدود أو الثابت، سوف يتحمّلون الزيادات المُتكرّرة في أسعار الطاقة، حتى لو كانت سمة ضرورية للانتقال إلى بدائلٍ أنظف. كما اقترحتُ أخيرًا، سيحتاج صانعو السياسة إلى التفكير بشكلٍ خلّاق في كيفية التعامل مع هذه المشكلة.

هناك قضية رئيسة أخرى هي الفقر العالمي، الذي بدأ في الازدياد مرة أخرى خلال العامين الماضيين. يبدو أن القضاء على هذه الآفة يُمثّلُ تحدّيًا أكبر من تحوّل الطاقة.

أخيرًا، هناك عدم اليقين المُنتشر بشأن الحَوكمة العالمية. على عكس فترة 2008-2010، عندما أثبتت مجموعة العشرين فعاليتها، لم يكن هناك تقريبًا أيّ تقدّم ملموس في التعاون الاقتصادي العالمي في 2020-2021. دعونا نأمل أن يأتي العام 2022 بتحسّنٍ كبيرٍ على هذه الجبهة.

  • جيم أونيل هو الرئيس السابق لشركة “Goldman Sachs Asset Management ووزير الخزانة البريطاني السابق، وهو عضو في لجنة عموم أوروبا للصحة والتنمية المستدامة.
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى