تجار السوق

الرياض – سمير الحسيني

هل تنشىء دول الخليج العربية سوقاً مشتركة حقيقية بعدما حققت أخيراً إتحاداً جمركياً إقليمياً؟
في غرة كانون الثاني (يناير) 2015 شهد مجلس التعاون الخليجي، بعد أكثر من عقد من المشاورات والإجتماعات والقرارات التحضيرية، التنفيذ الكامل للإتحاد الجمركي.
مع إلغاء الرسوم الجمركية والقيود الكمية، وإدخال تعريفة خارجية مشتركة وإضفاء الطابع المؤسسي على سياسة تجارية مشتركة مع أعضاء خارج دول المجلس، فإن البحرين، وعُمان، والكويت، والمملكة العربية السعودية، وقطر، ودولة الإمارات العربية المتحدة قد أنشأت كياناً إقتصادياً واحداً يسمح للبضائع بالعبور والتحرك من دون رسوم جمركية أو عوائق تجارية أخرى.
من خلال تطبيق مفهوم المعاملة الوطنية، فإن دول مجلس التعاون الخليجي تضمن أن المنتجات المصنّعة في أي دولة معيّنة في الكتلة سوف تعامل معاملة لا تقل أفضلية عن منتجاتها المحلية الخاصة.
وهكذا، فإن الإتحاد الجمركي يقدّم فوائد للتجارة على أساس قواعد كيان جمركي موحّد وإجراءات ذات قاعدة إقتصادية تخلق القدرة على التنبؤ والثقة والفرص للتجار.
مع قيام دول مجلس التعاون الخليجي بتنفيذ التعرفة الجمركية الموحّدة، فإن السلع الأجنبية المستوردة إلى دولها يمكنها أن تمر على نقطة دخول واحدة للجمارك حيث يمكنها أن تصل بعدها إلى أي مكان من دول الخليج من دون العبور على أي مدخل آخر، أو من حيث التجارة العملية من خارج دول مجلس التعاون الخليجي: سيارات من ألمانيا متجهة للبيع في البحرين ليس بالضرورة وصولها مباشرة إلى البحرين، فإن الشحنة يمكن أن تمر على جمارك دبي والانتقال من هناك من دون رسوم أو قيود أخرى إلى المنامة، أو أي جهة أخرى في دول مجلس التعاون.
مع تنفيذ دول المجلس سياسة تجارية موحّدة تهدف إلى الدفاع عن المصالح التجارية لأعضائها الست بوصفها تشكل كياناً إقتصادياً كبيراً وواسعاً بصوت واحد، من المتوقع أن يؤدي ذلك إلى مشاركة خليجية بشكل جماعي في مفاوضات لإتفاقات تجارية مع أطراف ثالثة – وعلى هذا النحو، تصبح دول المجلس أكثر تكاملاً في عالم المبادلات التجارية.
تقاسم خصائص مماثلة في السلع القابلة للتصدير، يتفاوت في الحجم الجغرافي، وعدم المساواة في الإحتياط الهيدروكربوني، والإختلاف في القوة الإقتصادية، ولكن على نحو متزايد متعولمة وحازمة ومتكاملة ككتلة تجارية إقليمية. وقد شرعت دول مجلس التعاون الخليجي إستراتيجياً في تحرير السوق المحلية، والتنويع الاقتصادي، والتنافسية العالمية والتكامل الإقليمي.
بعدما حصلت على موافقة دول المجلس في أواخر العام 2007، وكانت متوقعة منذ أوائل العام 2008، فالسؤال الذي يطرح نفسه الآن حول ما إذا كانت دول مجلس التعاون الخليجي ستمضي قدماً في سوق إقليمية مشتركة.
مع تنفيذ الإتحاد الجمركي تنفيذاً كاملاً، فإن سوقاً مشتركة حقيقية مع حرية تنقل كاملة غير مقيّدة للأشخاص، وخدمات ورأسمال – بالإضافة إلى الاتحاد الجمركي لتحرير حركة السلع – هي الآن من المرجح أن تكون الخطوة التالية في تحقيق تعزيز التكامل الإقتصادي في منطقة الخليج.
لكن السوق الخليجية المشتركة تعني المساواة في الحقوق والمستحقات لجميع مواطني دول مجلس التعاون من حيث التنقل والإقامة والتملك والاستثمار والعمل والتعليم والصحة والخدمات الإجتماعية والتقرير، على هذا النحو، ستكون لها آثار في سلسلة من السياسات الإقتصادية الوطنية.
إن ممارسات مثل تقييد الملكية الأجنبية، وتنظيم وصول الأجانب إلى أسواق الأسهم وفرض نظام الحصص على مشاركة الأجانب في القوى العاملة المحلية، في شكلها الحالي، هي ضد مبدأ المساواة في المعاملة.
وقد لاحظ معلقون أن التنفيذ الفعال للتدابير اللازمة لسوق خليجية مشتركة كانت تسقط دون التوقعات الأولية. ينبغي التأكيد أنه على الرغم من أن الاندماج الناجح يعتمد إلى حد كبير على نحو سلس لإدارات وطنية فاعلة، التي، بدورها، تعتمد بشكل كبير على الموارد البشرية المدربة جيدًا مع وجود درجة من الاستقلالية والقدرة على التعاون مع نظيراتها في ولايات أخرى.
مع إفتقار الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي على ما يبدو إلى قدرات إدارية قوية، وإلى قوى وطنية كافية للإنفاذ اللازم لتحقيق المواءمة بين المعايير التقنية الوطنية وإجراءات الاختبار / الشهادة، وتقريب وتنسيق التشريعات التجارية والمالية والصناعية المشتركة الوطنية ذات الصلة بالسوق، وما إذا كان يمكن التوصل إلى سياسة مشتركة هو سؤال مفتوح.
من المشجع أنه على الرغم من وجود وجهات نظر مختلفة حول سلسلة من القضايا غير الإقتصادية في ما بينهم، فإن حكام دول الخليج الست قد نجحوا في التوصل إلى إتفاق على الخطوات الأخيرة المطلوبة لإنجاز الاتحاد الجمركي.
مع إنشاء هذا الإتحاد الجمركي لدول المجلس حيث صارت الشركات قادرة على جني فوائد متعددة، فمن المرجح أن قادة الخليج سوف يشرعون بإتخاذ التدابير اللازمة لخدمة وجهة نظر جيدة ومستقبل مشترك لدول مجلس التعاون الخليجي.
إن توليد الزخم لتأسيس سوق مشتركة حقيقية داخل دول مجلس التعاون الخليجي سوف تضيف العديد من الطرق التي تعزز التجارة، ولذا فمن المرجح أن تحدث في المستقبل، حتى لو كان بالتحديد عندما يصعب التنبؤ بها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى