قَدحٌ في بابِ المَدح

راشد فايد*

لم يُغيِّر رئيس الجمهورية، ميشال عون، منهجيته في ذكرى الإستقلال، أمس، فبدا، كما في سنواتِ عهده السابقة، كَمَن يُعطي دروساً في ما يجب أن يتحقّق في الأعوام المقبلة، كأن ما لم ينجزه في 5 سنوات يُمكن أن يُحقّقه في أقل من سنة هي الباقية من عهده. والأهم أنه يأخذ موقع من اكتسب حكمة وخبرة من معاينة أفعال الآخرين وحسن تقييمه لها، ليخرج على اللبنانيين شاهراً حكمة لم يمارسها منذ إقامته الشرعية في قصر بعبدا: فهو يرى يوم الإستقلال عيداً، بينما اللبنانيون يرونه، في عهده، ذكرى، وهو يجد “استقلال الدولة في قرارها الحر”، الذي لم يعشه اللبنانيون منذ 13 تشرين الأول/أكتوبر 2018، وللدقة، استناداً إلى وثيقة 6 شباط/فبراير 2006، في ظلال كنيسة ما ر مخايل يوم قايض الوصول إلى رئاسة الجمهورية بتلوين مذهبية سلاح “حزب الله” وتسهيل دوره الإيراني المهيمن.

والنكتة الأكبر في كلمة عيد الإستقلال هي زعم”المحافظة على أفضل العلاقات مع جميع الدول”، إذ تجنّب تخصيص الدول العربية بذلك، وهي التي اضطرّت إلى تجميد علاقاتها مع لبنان بعد تمادي حليفه “حزب الله” في الإعتداء على المملكة العربية السعودية سياسياً وعسكرياً، وتفخيخاً بالمسيّرات والمخدّرات. وهو حين أشار إلى الأمر، أعاد عزف نغمة “أفضل العلاقات مع الدول العربية الشقيقة” مُبرّراً ما نسب إلى وزير الإعلام، جورج قرداحي، بضرورة الفصل بين مواقف الدولة اللبنانية وبين ما يمكن أن يصدر عن أفراد وجماعات، أي أن الوزير يمكنه ألّا يعرف بما يُدعى التضامن الوزاري وأن لا فصل بين الوزير وبين الحكومة التي يشارك فيها وينطق باسمها خصوصاً إن كان وزيراً للإعلام. ولعلّ من الطرافة أن يستخرج فخامته تعريفاً للاستقلال هو أن “الإستقلال للدولة هو قرارها الحر”، وهو أمرٌ تجلّى بوضوحٍ مُضحك في الخضوع لطهران عبر حزبها في لبنان، وتحويل مطار رفيق الحريري الدولي إلى أحد معابرها اللاشرعية المنتشرة براً وبحراً. لكن المضحك المبكي يبقى في قوله للمواطن المفلس الجائع إن “الإستقلال للمواطن  هو مؤسسات دولة قادرة وموثوقة، تحميه وتؤمن له حقوقه ويؤمن لها ما عليه من واجبات”.

كلامٌ يتجاهل علم صاحبه بأن ما بقي من الدولة ليس سوى الرميم، وأن المواطن كفر بها وبالطبقة السياسية التي تريده أن يدفع كلفة إفلاسها، وسرقة أمواله مبتسماً للحياة وهو على شفير الموت. مع ذلك لا بدّ من التنويه بأن صاحب الفخامة تذكّر أن النظام اللبناني قائم على مبدأ فصل السلطات، وهو ما اختفى تطبيقاً من كل وجوه الحياة العامة حين حوّلت كل سلطة مجال عملها إلى إقطاعية طائفية يقودها رأسها إبن هذه الطائفة أو تلك، وشكلت بتفاهمها مع أندادها من السلطات فيدِرالية مؤسسات ينسق بينها الفساد والهدر.

في كل ذكرى استقلال، يعطي الرئيس الأول الإنطباع أنه يتلو خطاب تسلمه الرئاسة، وأن ما يدلي به هو خطة عمل العهد للسنين المقبلة، ولو كانت فحواه تكراراً لخطب سابقة، أو مسلّمات وطنية ودستورية معروفة ولم يتبقَّ له من الوقت ما يمسح التقصير المديد.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازياً مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى