لقاءُ عبّاس-غانتس لا يُغيِّرُ شيئاً بالنسبة إلى الفلسطينيين

أسامة الشريف*

إذا كان أحدٌ على درايةٍ بقانونِ تناقصِ الغلّة والعائد فلا بدّ أن يكون هذا الشخص هو الرئيس الفلسطيني محمود عباس. عمليةُ السلام التي تبنّاها منذ أوائل التسعينات الفائتة لم تعد موجودة، وفي العقد الماضي لم يتمّ حتى عقد جولةٍ واحدة من المحادثات الديبلوماسية مع إسرائيل. لذلك عندما قام وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس بزيارة نادرة إلى رام الله ليلة الأحد الفائت  للقاء عبّاس، سارعت مصادر مُقرَّبة من رئيس الوزراء نفتالي بينيت إلى التأكيد على أنه لا توجد عملية ديبلوماسية مع الفلسطينيين في الأفق.

ولم يُعلّق مكتب عباس على الاجتماع العام، وهو الأول من نوعه منذ العام 2010، لكن غانتس غرّد على تويتر بأنه ناقش السياسة الأمنية والقضايا المدنية والاقتصادية، وأنه أبلغ عباس بأن إسرائيل تسعى إلى اتخاذِ إجراءاتٍ من شأنها تعزيز إقتصاد السلطة الفلسطينية. وذهب أبعد من ذلك ليقول إنه ناقش تشكيل الأوضاع الأمنية والاقتصادية في الضفة الغربية وغزة: “إتفقنا على مواصلة التواصل بشكلٍ أكبر بشأن القضايا التي أُثيرت خلال الاجتماع”.

عُقِدَ اللقاء بعد يومٍ من عودة بينيت من زيارته الرسمية الأولى لواشنطن. وقبل مغادرته أوضح أنه لن يكونَ هناك سلامٌ مع الفلسطينيين، وأن الحصار الإسرائيلي على غزة سيستمر طالما أن “حماس” تحكم القطاع الساحلي. وقال لصحيفة نيويورك تايمز أنه لن يكون هناك تقدّمٌ في عملية السلام مع الفلسطينيين، زاعماً أن محادثات السلام لن تحدث لأن القيادة الفلسطينية منقسمة وبلا دفّة، وكذلك لأنه يُعارض بشدة السيادة الفلسطينية.

وفي حين التزمت إدارة بايدن بحلّ الدولتين، إلّا أنها ليست مُستَعدّة لإطلاق عمليةِ سلامٍ جديدة. أولويّتها في الوقت الحالي هي دعم السلطة الفلسطينية والمؤسسات الفلسطينية المُتعثّرة مالياً وتحسين حياة الفلسطينيين بمن فيهم أولئك الذين يعيشون في قطاع غزة. وقد ضغط البيت الأبيض على إسرائيل لتخفيف الحصار الاقتصادي عن غزة ودعم جهود إعادة الإعمار في أعقاب المواجهة في أيار (مايو) الفائت والتي ألحقت أضراراً جسيمة بالبنية التحتية للقطاع.

وكانت إسرائيل وافقت أخيراً على زيادة الصادرات الأردنية إلى الضفة الغربية، وتحت ضغط الولايات المتحدة ستتخذ خطوات لدفع ما أسماه بينيت “الإجراءات المالية” لدعم السلطة الفلسطينية.

من الواضح أن الولايات المتحدة وإسرائيل قلقتان بالنسبة إلى صمود وبقاء السلطة الفلسطينية. سياسياً، عانى عباس و”فتح” والسلطة الفلسطينية بشكل كبير في أعقاب المواجهة العسكرية في أيار (مايو) الماضي بين “حماس” وإسرائيل. علاوة على ذلك، تمرّ المؤسسات الفلسطينية بالشلل السياسي مع عدم وجود مؤشرات إلى استعداد عباس لتحديدِ موعدٍ جديد للانتخابات التشريعية والرئاسية. وقد دأبت السلطة الفلسطينية على الضغط وإلقاء القبض على النقاد والنشطاء واستخدام القوّة ضدّ الصحافيين. كما أن وضع حقوق الإنسان يزداد سوءاً، وقد أعرب الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة عن قلقهما بشأن استخدام القوّة ضد الفلسطينيين الذين يمارسون حرية التعبير والتجمّع. وكان فلسطينيون تظاهروا ضد السلطة الفلسطينية بعد وفاة الناشط نزار بنات في حزيران (يونيو) الماضي أثناء احتجازه.

ويقول المقرّبون من عباس إنه يشعر بالعزلة ويرفض الاستماع إلى مساعديه المُقرّبين. هناك بالفعل حديثٌ في الصحافة الإسرائيلية حول اليوم التالي لعباس، الذي يرفض تسمية خليفة له.

تناول اجتماع غانتس-عباس الشيء الوحيد المُتبقّي من اتفاقات أوسلو، التنسيق الأمني. وسارعت “حماس” إلى إدانة الاجتماع قائلة إن الشيء الوحيد الذي يهتم به عباس هو الحفاظ على التنسيق الأمني ​​مع إسرائيل وهو إهانة للفلسطينيين.

تخلّت مصر عن وساطتها بين “حماس” و”فتح” لإنهاء الخلافات بين الفلسطينيين والتوصّل إلى مصالحة. وتشعر “حماس” بالجرأة بعد الاشتباك الأخير مع إسرائيل حيث ارتفعت شعبيتها في الضفة الغربية على حساب “فتح” التي لا تزال مُنقسمة بشكل عميق.

ومن المفارقات أن بقاء عباس يعتمد الآن على حسن نيّة إسرائيل التي يحكمها رئيس وزراء ترفض معتقداته الإيديولوجية إقامة الدولة الفلسطينية كمسألة مبدأ. مع عدم وجود اختراق سياسي في الأفق، ستستمر إسرائيل في توسيع المستوطنات وإخضاع الفلسطينيين وترسيخ حكم الفصل العنصري. لا تستطيع السلطة الفلسطينية أن تفعل شيئاً لوقف التعدّي البطيء على الأراضي الفلسطينية، بينما لن ترعى الإدارة الأميركية الحالية عملية سياسية جديدة ولكنها تأمل في إدارة الصراع من خلال تحسين حياة الفلسطينيين.

إنها حقيقةٌ مؤلمة أنه بعد عقودٍ من النضال من أجل التحرير، يجد الفلسطينيون أنفسهم في مواجهة احتلالٍ لا يرحم، يتحدّى القانون الدولي على أساس يومي، من ناحية، ورئيس استبدادي ما زال موهوماً بشأن احتمالات التفاوض على اتفاق سلام مع إسرائيل، من جهة أخرى. والأمر المُحزن هو أن النشطاء الفلسطينيين والنقاد تتم ملاحقتهم لمطالبتهم بالحقوق الأساسية ليس من قبل إسرائيل ولكن من قبل قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية.

إن دعم إسرائيل لعباس البالغ من العمر 86 عاماً يهدف في المقام الأول إلى إبقاء الفلسطينيين في مأزق وتحت السيطرة أثناء التفاوض على هدنة طويلة الأمد مع “حماس”. إنه وضعٌ مثالي لإسرائيل، في الوقت الحالي، لكنه وضعٌ غير مُستدام في المدى الطويل.

  • أسامة الشريف هو صحافي ومٌحلّل سياسي مُقيم في عمّان، الأردن. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @OsamaAlSharif3

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى