إعادَةُ تَدوير وتَحوير طالبان لأداءِ مُهِمّاتٍ قديمة جديدة فانتظروا يا عرب؟!

عرفان نظام الدين*

إعتمدت بريطانيا عبر التاريخ مبدأً: ليست هناك صداقات دائمة ولا عداوات دائمة بل هناك مصالح دائمة … باستثناء بعض الحالات، فقد أُعطِيَت الأولَوِيّة للمصالح مع الحفاظ على الصداقات، عكس الولايات المتحدة التي وضعت مصالحها فوق أي اعتبار واستخدمت الصداقات كوسيلة لتحقيقِ الأهداف وفق مبدأ ماكيفيللي .

وما شهدناه في أفغانستان اخيراً ما هو إلّا نسخة مُكَرّرة للسياسة الأميركية الرعناء التي تتجاهل المبادئ الإنسانية في الحرب والسلم وتتخلّى عن الصديق قبل العدو، وترمي في الجحيم مَن تَعامَلَ معها وظنّ أنه حليفٌ وصديقٌ وتتركه فريسةً لأبشعِ أنواع التنكيل والانتقام .

والمشهد الذي صدم العالم كله في مطار كابول عندما رحل الأميركيون وتركوا الجماهير تُسحَقُ قبل قذفهم نحو مصيرٍ مُظلمٍ٠ وفي التاريخ مشاهد دامية أُخرى تُعبِّرُ عن السياسة الأميركية الدنيئة والمُنافية لأدنى درجات الوفاء والإنسانية تجاه مَن صَدَّقها ووقف معها٠.

من هذه الأمثلة الفاضحة ما جرى في فيتنام الجنوبية عندما فرّ الأميركيون وتركوا شعبها يُذبَح بأيدي “الفيتكونغ” بعد حرب دامية طويلة٠ أمّا المثال الأكبر فعبّر عنه تخلّي الولايات المتحدة الأميركية عن شاه ايران، محمد رضا بهلوي، وحرمانه من اللجوء لأيِّ بلد إلى أن استضافه الرئيس المصري الراحل أنور السادات وأمَّن له الحماية والعلاج من السرطان الذي انهكه وقتله مع الحزن والالم من ناكرِ المعروف الذي دعمه وقدم بلاده درعاً واقياً ضد الخطر الشيوعي إبّان الحرب الباردة.

وكما جرى في إيران حين قدّمت الولايات المتحدة البلاد والشعب هديةً للثورة بقيادة الإمام روح الله الخميني تكرّر المشهد في العراق بالانسحاب الأميركي بعد غزوٍ فاشلٍ وحربٍ دامية لتترك البلاد بيد ايران والميليشيات الشيعية المُوالية لها٠

وهذه الدروس والعِبَر كان على العرب ان يتعلموا منها ليُحافِظوا على وحدتهم واستقلالهم، لكنهم أمعنوا في الرضوخ للهيمنة وسلّموا مقاليد أمورهم ومصير شعوبهم للأجانب الذين لا يُؤتَمَن جانبهم ليس في الولايات المتحدة فحسب بل لكل القوى الطامعة وبينها روسيا والصين ومعهما إيران واسرائيل وتركيا٠

لا أحد يتعلّم ويأخذُ العِبَر من أيام ملوك الطوائف إلى يومنا هذا وأمامنا اليوم مخاطر جديدة علينا أن نستعدَّ لها ونُواجهها، فعودة طالبان الى حكم أفغانستان وبدء تنفيذ سياستها القمعية على مرأى من مُرَدِّدي مزاعم حقوق الإنسان، وهو ليس مجرد حدث محلّي بل هو بداية لعودة تبنّي الولايات المتحدة لسياسة باراك أوباما الخرقاء وفق مُخَطّط الشرق الأوسط الجديد، والتحالف مع الأحزاب والجماعات الدينية، وهو ما عبّر عنه في خطابه الشهير في جامعة القاهرة، وتبعته هيلاري كلينتون بالتفاوض مع جماعة “الإخوان المسلمين”.

وأكبر المُصَفّقين لهذا التحوّل جاء من تركبا وقطر التي رعت المفاوضات الأميركية-الطالبانية بزعم انتصار هذا المحور الذي سيضم إليه باكستان٠

هذا السيناريو الظلامي ينتظر ان تتضح صورته قريباً بقيامِ نظامٍ إسلامي سنّي مُتَطَرِّف في أفغانستان في وجه نظامٍ شيعي مُتَطرِّف في إيران، ومع كلِّ طرف حلفاءٌ وأنصار لتشتعل الحرب بعد تهيئة الظروف المُعَدّة سلفاً للفتنة الشيعية-السنية في العراق وسوريا ولبنان٠

وما علينا إلّا أخذ الأمور بجدية وحذر، وانتظار مسلسل الأحداث وتداعيات التغيير في أفغانستان التي تحوّلت إلى منبعِ خطرٍ على إيران وروسيا٠ وها هي لُعبةُ الأُمم تتجدّد فابشروا يا عرب وانتظروا، وإن غداً لناظره قريب٠

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحَلِّل سياسي مُقيم في لندن. وهو رئيس تحرير سابق لصحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى