الإصلاحُ أم التَهَوُّر؟ أيُّ مَسارٍ للمنطقة العربية؟

يُمكِنُ تقسيمُ دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى ثلاث فئات، ولكن يتعيَّن على كلٍّ منها أن تتبنّى نهجًا شاملًا تجاه التنمية حتى يتسنّى لها تحقيق النجاح.

لبنان: أكبر مثالٍ للدول الفاشلة أو التي على طريق الانهيار.

مروان المعشّر*

أدّت جائحة كوفيد-19 في العام 2020 والحرب الروسية-الأوكرانية، التي بدأت في شباط (فبراير) 2022، إلى تعميق الأزمات الاقتصادية التي كان العديد من الدول في العالم العربي تواجهها أصلًا، بينما ساعدت آخرين، خصوصًا في منطقة الخليج. اليوم، يتعيَّن على البلدان المستوردة للنفط والغاز أن تتعامل مع زياداتٍ غير مسبوقة في أسعار الغذاء والطاقة، فضلًا عن ارتفاعِ مستويات البطالة والديون والتضخّم. في المقابل، تتمتّع البلدانُ المُصدّرة للمواد الهيدروكربونية بفوائض نتيجةً لارتفاع أسعار النفط والغاز، حتى ولو بشكلٍ مؤقت. تُشيرُ الصدمات السياسية والاقتصادية المُتعاقبة في السنوات الثلاث عشرة الماضية، منذ بداية الانتفاضات العربية، إلى أن الأنظمة السياسية والاقتصادية في جميع أنحاء المنطقة لم تَعُد قابلة للحياة.

لقد أشارت الانتفاضات، التي اندلعت في مختلف أنحاء المنطقة، إلى أنَّ النظامَ السياسي العربي القديم، القائم على الاستبداد، كان مَوضِعَ مُعارضةٍ جدّية. لكن قصورَ الأنظمة السياسية والاقتصادية العربية ظهرَ أيضًا في عدم قدرتها على التعامل مع الصدمات المتعاقبة، مثل أزمة الغذاء في 2007-2008 وما بعدها، والأهم من ذلك، انخفاض أسعار النفط في العام 2014، الذي أشار إلى هشاشة النظام الاقتصادي العربي القديم القائم على الأنظمة الريعية.

على الرُغمِ من الزيادة الأخيرة قصيرة المدى في أسعار النفط بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية، فإنَّ مجموعةَ الصدمات السياسية والاقتصادية بدأت بالفعل تحويل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بطُرُقٍ مختلفة، وستكون لها آثارٌ طويلة المدى على النُظُم السياسية والاقتصادية في المنطقة. ونتيجةً لتنوّعِ العواقب المُترتّبة على كلِّ هذه الأزمات، فضلًا عن تباين المسارات التي تنتهِجُها الدول العربية المختلفة لمعالجتها، لم يَعُد بوسعنا أن ننظرَ إلى المنطقة العربية باعتبارها منطقة مُتجانِسة. بل يمكن تقسيم الدول العربية اليوم إلى ثلاث فئات متميّزة: تلك البلدان المزدهرة، وتلك التي تكافح، وتلك الفاشلة أو التي هي على طريق الانهيار. ومن الواضح في كلِّ هذه المجموعات أنَّ النظام العربي القديم قد مات. والسؤال الرئيس اليوم هو ما هو نوع النظام أو الأنظمة الجديدة التي ستحل محله؟

الدول العربية اليوم ثلاث فئات

حتى وقت قريب، كانت غالبية الدول العربية، سواء تلك التي كانت تُنتج الهيدروكربونات أو تلك التي تستوردها، تستخدم أداتَين رئيسيتَين للحفاظ على السلام الاجتماعي: قوات الأمن والموارد المالية التي أصبحت ممكنة بفضل النفط والغاز. واليوم، تمَّ استنفادُ هاتين الأداتين بشكلٍ خطير. إنَّ إدراكَ هذه الحقيقة، فضلًا عن الإرادة السياسية لاستخدامِ أدواتٍ جديدة وفعّالة للحفاظِ على السلام الاجتماعي، سوف يُحَدّدُ إلى حدٍّ كبير مستقبل بلدان المنطقة.

إن انخفاضَ أسعار النفط إلى ما دون 100 دولار للبرميل في العام 2014، والذي أعقبته سنواتٌ من العجز في الموازنة في دول الخليج، لم يكن يعني نهاية اعتماد المنطقة على النفط. لا تزال دول الخليج تتمتع باحتياطات مالية كبيرة، تم تعزيزها أخيرًا نتيجةً للمكاسب غير المُتوَقَّعة الناجمة عن الصراع بين روسيا وأوكرانيا. لكنه أشار إلى أنَّ الاعتمادَ المُستمر على آلياتِ المحسوبية لم يعد مُستدامًا على المستوى الإقليمي. وقد أكّدَ ارتفاعُ معدّل البطالة في العالم العربي (وهو ضعف المتوسّط العالمي)، وتضخّم القطاعات العامة، وانخفاض النمو الاقتصادي في العديد من البلدان، أن اقتصادات وسياسات المحسوبية لم تعد كافية لمعالجة التحديات المتزايدة. لقد أصبح الانتقال والتحوّل إلى أنظمةٍ أكثر تنوّعًا وقائمة على الجدارة والكفاءة أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة لتلك البلدان الراغبة في قراءة ما هو مكتوب على الجدران. لكن هل تفعل المنطقة ذلك فعلًا؟

الإجابة ليست بسيطة. دعونا ننظرُ إلى المجموعات الفرعية الثلاث في المنطقة اليوم ونَفحَصُ استجاباتها لتطورات العقد الماضي. المجموعة الأولى تتكوّن من الدول التي ازدهرت. وهذه هي بشكلٍ رئيس الدول المنتجة للنفط والغاز في الخليج. وقد دفع انخفاض أسعار النفط في العام 2014 العديد من البلدان إلى الشروع في تنويع اقتصاداتها واعتماد الإصلاحات الاقتصادية التي طال أمدها – مثل فرض الضرائب، ورفع الدعم، وتحرير مناخ الاستثمار. وكان هذا أكثر وضوحًا في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لكن دولًا أخرى نفّذت أيضًا إصلاحاتٍ اقتصادية رئيسة، مثل قطر. وقامت السعودية على وجه الخصوص بإصلاحاتٍ اجتماعية حاسمة أيضًا، مثل السماح للنساء بقيادة السيارة، والحدّ من سلطة الشرطة الدينية المحافظة، وتخفيف العديد من القيود الاجتماعية على مواطنيها بشكلٍ عام، علمًا أنّ دولة الإمارات كانت بدأت ذلك منذ فترة أطول بكثير.

في الآونة الأخيرة، غيّرت هذه البلدان أيضًا نموذج المساعدة المُقَدَّم إلى بلدانٍ أخرى في المنطقة. لقد انتقلت من نموذج تقديم المنح لدعم الموازنة إلى حدٍّ كبير إلى أن تصبح أكثر انتقائية بشأن البلدان التي تموّلها، حيث تفرض أيضًا شروط المساعدة، مثل خفض إعانات الدعم وخصخصة الشركات المملوكة للدولة. إن مساعداتها تعتمد على رؤى سياسية واقتصادية مشتركة بينها وبين البلدان التي تموّلها، فضلًا عن المطالبة بالمساواة مع مؤسّسات الدولة في البلدان الأخرى التي تدعمُ مشاريعها. وفي الوقت نفسه، تم استخدام الفوائض الأخيرة التي حققتها دول الخليج نتيجةً لارتفاع أسعار النفط والغاز إلى حدٍّ كبير لتمويل مشاريع التنمية المحلية.

وقد حظيت مثل هذه الإصلاحات بموافقة وترحيب شريحة كبيرة من سكان الخليج، وخصوصًا جيل الشباب. وربما سمح هذا الأمر للنُخَب السياسية التهرّب من مسألة محاولة إجراء إصلاح سياسي ذي معنى في الوقت الحالي للسماح بمشاركة أكبر للمواطنين في عملية صنع القرار. في المدى الطويل، من المشكوك فيه أن النموذج المركزي الحالي للحكم، مع اتخاذ القرار من قبل شخصٍ واحد أو عدد قليل من الأشخاص، يمكن أن ينجح في تلبية كافة احتياجات المواطنين. وسوف يستلزم النجاح الدائم إشراك السكان بشكل أكبر في عملية صنع القرار، وتشجيع الإبداع المحلي بدلًا من التركيز على نماذج الاستهلاك والاستيراد، وتطوير القطاعات الخاصة التنافسية، ونقل المجتمع إلى ما هو أبعد من المحسوبية والزبائنية.

وتتكوَّن المجموعة الثانية من الدول الفقيرة بالهيدروكربونات والغنية بالعمالة. هذه هي البلدان المستوردة للنفط أو الغاز التي استفادت من التحويلات المالية من عمّالها المُقيمين في الخليج. ولذلك فإن ثقافة المحسوبية التي ساعد النفط على نشرها امتدت إلى هذه البلدان أيضًا. وقد استخدمت هذه البلدان عائدات النفط في شكلِ منح من دول الخليج، وتحويلات مالية، واستثمارات من قبل مستثمرين أو كيانات خليجية للعيش بما يتجاوز إمكانياتها. وكثيرًا ما استُخدِمَت لتوسيع القطاعات العامة بدون داعٍ وشراء الولاء من خلال تقديم امتيازاتٍ لمجموعاتٍ معينة، وبالتالي وضع الولاء فوق الكفاءة، والتعامل مع الاثنين كما لو كانا متنافيين. ومن الأمثلة على هذه البلدان مصر والأردن وتونس والمغرب. وقد شهدت جميعها انتفاضات كبرى، أدت إلى تغييرات في القيادة في مصر وتونس. ونجا زعماء الأردن والمغرب لأن النظام الملكي لا يزال يتمتع بشعبية كبيرة في كلا البلدين.

كلُّ هذه الدول تكافح اليوم. إن التغييرات في نموذج المساعدات الذي كانت تستخدمه دول الخليج في السابق تعني أن هذه المجموعة لم تعد قادرة على الاعتماد على سخاء الخليج للحفاظ على أنظمةٍ اقتصادية – وبالتالي سياسية – غير فعّالة. وقد تم توجيه المساعدات الخليجية بعيدًا من دعم الموازنة، أو توقفت تمامًا. وفجأة، لم تعد البلدان الفقيرة بالنفط والغاز قادرة على توظيف المزيد من العمال في قطاعاتها العامة المتضخّمة، واضطرت إلى رفع إعانات الدعم، وشهدت جودة الخدمات العامة الرئيسة، مثل الصحة والتعليم، تدهورًا بشكلٍ كبير.

الأمثلة على هذا الواقع كثيرة. في مصر، لا يريد الجيش إعادة النظر في دوره في الاقتصاد، في حين دعمت قوات الأمن في تونس شعبوية الرئيس قيس سعيِّد. وفي الأردن، قاومت النُخبُ السياسية والأمنية كافةَ الخطط الرامية إلى تحويل النماذج السياسية والاقتصادية في البلاد وإنهاء اعتمادها على المساعدات الخارجية. وحاولت مصر تعويض خسارة المساعدات الخليجية من طريق الاقتراض بكثافة وبناء البنية التحتية، غالبًا للشركات ذات الإنتاجية المحدودة. وفي العام 2023، تضاعف الدين المصري أربع مرات من 37 مليار دولار في 2013 إلى أكثر من 160 مليار دولار. وتواجه البلاد صعوبة في خدمة ديونها وتدهور الجنيه المصري بشكل كبير. وأدت المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها تونس وغياب الإرادة السياسية لمعالجتها إلى تراجع المكاسب السياسية والمجتمعية التي تحققت بعد انتفاضة 2010-2011، فضلًا عن إعادة الحكم الاستبدادي. كان أداء الأردن أفضل، لكنه لا يزال منخرطًا في إصلاحاتٍ عرقوبية بدون خطةٍ واضحة لإخراج نفسه من الاعتماد على المساعدات الخارجية.

وطالما أن البلدان الغنية بالهيدروكربونات والغنية بالعمالة ترفض استيعاب أن اعتمادها القديم على مصادر التمويل الأجنبية غير مستدام، وبالتالي فهي بحاجة إلى إرادة سياسية لتطوير نظامٍ شاملٍ قائمٍ على الجدارة مع تكافؤ الفرص للجميع، فإنها ستستمر في الكفاح والمعاناة. وهذا من شأنه أن يؤدّي إلى تفاقم الوضع ويجعل من الصعب عليها الخروج من مأزقها.

ثم هناك الفئة الثالثة من الدول العربية، وهي الدول التي فشلت أو على طريق الإنهيار. ويُعَد لبنان، وليبيا، وسوريا، والسودان، واليمن، أمثلة رئيسة على مثل هذه الدول. ومن المفارقات أن جميع هذه المجتمعات لديها مجتمعات متنوّعة عرقيًا ودينيًا. ولكن بدلًا من إدراك أن التنوّعَ هو مصدرُ قوّة، وهو ما ينبغي أن يؤدي إلى تبادلٍ صحّي للأفكار وانفتاح العقول، فقد سمحت هذه البلدان للتنوّع بتقسيم مجتمعاتها، حيث تتقاتل المجتمعات المختلفة أو تتعارض وتتصارع مع بعضها البعض، وهي عملية أدّت غالبًا إلى وضعٍ  يكون من الصعب عكسه.

يُقدّمُ لبنان مثالًا صارخًا على ذلك بشكلٍ خاص. وعلى الرُغمِ من أنه ليس ضحيةً للحرب الأهلية في الوقت الحاضر (لقد مرَّ بالعديد من الحروب سابقًا)، إلّا أنَّ نظامه السياسي المُختل، والذي يتّسم بالفساد عبر الطيف السياسي، أدّى بالبلاد إلى كارثة اقتصادية. ولكن بغضِّ النظر عن مدى سوء الوضع، فإن النخبة السياسية غير راغبة في القيام بأيِّ شيء، بما في ذلك الموافقة على تنفيذ حزمة إصلاحات طلبها صندوق النقد الدولي التي تشتد الحاجة إليها، وتُفضّلُ تدمير البلاد بدلًا من التخلي عن أيٍّ من امتيازاتها.

في سوريا، فإن الدرس المحزن المستفاد من الانتفاضات العربية هو أنه إذا كان النظام وحشيًا بالقدر الكافي في معاملة مواطنيه، وإذا كان قادرًا على تحمّل هذه الوحشية لفترة كافية، فقد يتمكّن من البقاء. ولم يتم فَرض الديموقراطية وحقوق الإنسان واحترام السكان المدنيين كشروطٍ لقبول عودة سوريا إلى الحظيرة العربية. ومن ناحية أخرى، لا تزال ليبيا والسودان واليمن منخرطة في صراعاتٍ أهلية، تُغذّيها جُزئيًا بلدان خارجية. وقد تسبب ذلك في خسائر فادحة في الأرواح وكان له تأثير مدمر في أجيالٍ من التنمية.

الحاجةُ إلى نَهجٍ شامل

ما هو القاسم المشترك بين المجموعات الثلاث من البلدان؟ تُظهِرُ جميعها أن التدابير التدريجية لم تعد ناجحة. بدلًا من ذلك، يتعيّن على كل هذه البلدان أن تتبنّى نهجًا شاملًا، مَبنيًا على الإدراك بأنَّ الإصلاحَ الهادف يجب أن يُعالِجَ التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ويتعيّن على الدول أيضًا أن تتبنّى إطارًا سياسيًا جديدًا يُنظَرُ فيه إلى المواطنين باعتبارهم موارد، وليس تهديدًا، ويُعامَلون كجُزءٍ متساوٍ وضروري في عملية صنع القرار.

ويجب أن يعترفَ هذا النهج أيضًا بأهمية الاستدامة البيئية والتنمية البشرية. فالبلدان الغنية بالموارد تشتري لنفسها الوقت بإجراء إصلاحاتٍ اقتصادية واجتماعية خالية من أيِّ إشراكٍ حقيقي للمواطنين في اتخاذ القرارات. وتنخرطُ البلدان المستوردة للنفط والغاز في إصلاحاتٍ لا تعالج إلّا جوانب محدودة من مشاكلها، وهي غير كافية للتعامل مع التحديات الاقتصادية والسياسية المتعاقبة التي تواجهها بلدانها. والدول الفاشلة هي ببساطة دولٌ تنتظر معجزة من المجتمع الدولي لإنقاذها، ولكنها غير راغبة في إنقاذ نفسها.

ويتطلّبُ التحوّل من الأنظمة الريعية القائمة على الهيدروكربونات أيضًا إرادة سياسية لدعم التسويات الشاملة بين مختلف مكوّنات المجتمع واعتماد الإصلاحات المؤسّسية. وهذا من شأنه أن يؤدّي إلى توسيع الدوائر الانتخابية التي تؤيد التغيير من خلال منحها فرصًا حقيقية للتنمية، وليس مجرد الإكراه أو الاستحواذ المالي. ويتطلب الأمر أيضًا الاهتمام اللائق بابتكار أنظمة تعليمية جديدة، قادرة على تخريج أجيال تُفكّرُ بشكلٍ نقدي، وتتقبّل وجهات نظر مختلفة، ومُستعدّة للعثور على عمل خارج الحكومة، ولكن أيضًا قادرة على التعامل مع التعقيدات المتغيرة للحياة. وتتطلب مثل هذه التحوّلات تشريعات مناسبة تسمح للقطاع الخاص بالنمو، وتشجيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وخلق فرص عمل حقيقية.

إن الانتقال إلى الأنظمة القائمة على الجدارة والكفاءة يعني أيضًا إنشاء شبكات أمان اجتماعي لرعاية الفئات المحرومة في المجتمع وضمان التحوّلات السلسة. كما يجب معالجة قضية حقوق المرأة بجدية أيضًا. لقد حان الوقت للعالم العربي لتكريس المساواة بين الجنسين دستوريًا ومن خلال الممارسة. وبدون الحقوق السياسية والقانونية الكاملة والمُنصفة، لن يكون هناك طريق نحو اقتصادات مستدامة ومجتمعات مزدهرة.

المرة الأخيرة التي تم فيها التخطيط لمثل هذا النهج الشامل -رُغم أنه لم يتم تنفيذه- كانت في الأردن، من خلال مبادرة الأجندة الوطنية الشاملة في العام 2005. لكن النُخَب السياسية نسفتها على الفور، لأنها لم تكن على استعداد لخسارة امتيازاتها. الأردن اليوم في وضعٍ اقتصادي أسوأ بكثير مما كان عليه في ذلك الوقت. ارتفع الدين العام من 6 مليارات دولار إلى 50 مليار دولار، وزادت نسبة البطالة من 13% إلى 23%. ومع ذلك، فإن النخبة في جميع أنحاء البلاد -مثلها مثل النخبة في المنطقة الأوسع- رفضت حتى الآن الانصياع إلى الحقائق.

هناك حاجة أيضًا إلى الحوار بين مختلف أصحاب المصلحة في البلدان العربية. ولا يشمل هؤلاء الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني فحسب، بل يشمل أيضًا الأجهزة الأمنية، التي غالبًا ما تكون صانعة القرار الحقيقي والتي يجب أن تكون مقتنعة بمخاطر الوضع الراهن. وعلى الرُغم من صعوبة هذا الحوار –إذ من غير المعروف أن قوات الأمن منفتحة على مثل هذه المحادثات– فقد أصبح من الضروري إيجاد طرق لتحقيق ذلك، وبالتالي تجنّب مستقبل قاتم للغاية.

اليوم، تمر غالبية دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بفترة صعبة. وليس من المستحيل إخراج المنطقة من مأزقها الحالي. ومع ذلك، فإن هذا يتطلب عقلية مختلفة تمامًا عن تلك السائدة اليوم، ونهجًا شموليًا للتنمية. ولم يعد من الممكن تجنّب ذلك، إن أمكن، خصوصًا في البلدان التي تفتقر إلى الموارد المالية.

  • مروان المعشّر هو نائب الرئيس للدراسات في مؤسسة كارنيغي، حيث يشرف على أبحاث المؤسسة في واشنطن وبيروت حول شؤون الشرق الأوسط. شغل منصبَي وزير الخارجية (2002-2004)، ونائب رئيس الوزراء (2004-2005) في الأردن، وشملت خبرته المهنية مجالات الديبلوماسية والتنمية والمجتمع المدني والاتصالات. يمكن متابعته عبر تويتر على: @MarwanMuasher

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى