الشرق الأوسط الكبير قد يُجبِرُ الصين على إبراز قوّتها العسكرية قريباً

إذا كانت الصين غير راغبة أو غير قادرة على تحقيق وجودٍ عسكري عالمي يُنافس وجود الولايات المتحدة، فقد تضطر إلى إيجاد طريقة جديدة لتكون قوة عظمى – أو التخلّي عن الطموح.

وزيرا خارجية الصين يي وانغ والسعودية الأمير فيصل بن فرحان: لقاء في أوزبكستان للبحث في أمن الخليج

عبد السلام فريد*

قد لا تكون للصين مصلحة في المدى القصير في المساهمة بضمان الأمن على أجزاءٍ من رقعةٍ تمتدّ من آسيا الوسطى إلى الساحل الشرقي لأفريقيا، لكن هذا لا يمنع بكين من الاستعداد لوقتٍ قد ترغب فيه البناء على علاقاتٍ سياسية وعسكرية طويلة الأمد في أنحاءٍ مختلفة من العالم لإبرازِ القوّة والحفاظ على الميزة الاقتصادية.

ولأن استراتيجيتها الخارجية قامت على استغلال مبدأ علاقات “ربح – ربح” المزعومة والتي يضمنها الاقتصاد والتجارة والاستثمار لحلِّ المشاكل، فقد عملت الصين حتى الآن على تأخير، إن لم يكن تجنّب، المشاركة السياسية والعسكرية الثنائية أو الأحادية في النزاعات خارج حدودها.

السؤال هو: إلى متى يُمكن أن تستمر في القيام بذلك؟

إتّخذت الصين أول خطوة صغيرة نحو عرضٍ للقوّة أكبر بإنشاء أول قاعدة عسكرية خارجية لها في دولة جيبوتي بشرق إفريقيا في العام 2017، وهي جزيرة تؤجّر العديد من المنشآت العسكرية للولايات المتحدة وفرنسا واليابان وربما المملكة العربية السعودية والإمارات وغيرهما. وتُشير القاعدة إلى الأهمية التي توليها الصين لمناطق مثل الخليج والقرن الأفريقي.

ويُلقي مقالٌ حديث في منشورٍ عسكري صيني مزيداً من الضوء على الاستعدادات الصينية ليومٍ قد تضطر فيه بكين إلى إبراز قوّتها العسكرية في أجزاءٍ مُختلفة من العالم. وقد عرض المقال التفكير الصيني في مزايا توفير فُرَصِ التدريب والتعليم للجيوش والنُخَب السياسية في الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا.

الطلاب الذين يُمكنهم الدراسة في الصين هم في الغالب من النُخَب العسكرية والسياسية المحلية أو من نسل عائلات بارزة. بعد أن يدرسوا ويعودوا إلى وطنهم، لديهم احتمالٌ كبير بأن يصبحوا القادة العسكريين والسياسيين الكبار في البلد. وقال المنشور، “Military Express”، إن هذا مُفيدٌ للغاية للصين لتوسيع نفوذها في الخارج وصادرات أسلحتها.

أكّد المنشور أن الأكاديميات العسكرية الصينية كانت أكثر جاذبية من نظيراتها الغربية التي تفرض “شروطاً سياسية”، في إشارةٍ إلى الطلاب الذين ينحدرون من دولٍ مُتحالفة مع الغرب. وجاء فيه أن “الأكاديمية العسكرية الصينية تقوم بعملٍ أفضل في هذا الصدد. لا توجد شروطٌ سياسية مُرتبطة هنا. يتعلّم الطلاب العسكريون الأجانب هنا الاستراتيجيات والتكتيكات الصينية ويتعلّمون كيفية تشغيل الأسلحة الصينية بأنفسهم”.

لكن المنشور فشل في الإشارة إلى أن الصين على عكس المُنتجين الغربيين تمتنع أيضاً عن ربط شروط ٍسياسية بمبيعات الأسلحة مثل الالتزام بحقوق الإنسان.

الواقع أن الأشهر الأخيرة كانت صعبة بالنسبة إلى تطلعات الصين للبقاء بمعزل عن الصراع خارج حدودها، ما يشير إلى أن الواقع على الأرض يُمكن أن يُعقّد حسابات بكين الاستراتيجية.

إن الانسحاب الأميركي من أفغانستان يُهدّدُ بوضعِ نظامٍ ديني محافظ ومتشدّد في السلطة على الحدود مع شينجيانغ، المقاطعة الشمالية الغربية حيث تُحاول الصين بوحشية إضفاء الطابع الصيني على الهوية العرقية والدينية التركية.

أكثر من ذلك، لقد عزّزت الإنتصارات العسكرية الأخيرة لطالبان فعلياً المشاعر الدينية المُحافظة المتطرفة في باكستان المجاورة التي تَعتَبرُ أعضاء الجماعة المتطرفة أبطالاً حيث يُعزّز نجاحهم من فرص الحكم الديني المُتشدّد في ثاني أكبر دولة ذات غالبية مسلمة في العالم.

“سوف يتشجّع جهاديونا. سيقولون: إذا كان من المُمكن هزيمة أميركا، فهل بإمكان الجيش الباكستاني الوقوف في طريقنا؟”، قال مسؤول باكستاني كبير.

لقي تسعة مواطنين صينيين مصرعهم في الأسبوع الفائت في انفجارٍ وقع في حافلة تنقل عمّالاً صينيين إلى موقع بناء سدّ في الجبال الشمالية لباكستان، وهي منطقة أكثر عرضةً لهجمات المُتشدّدين الدينيين من القوميين البلوش، الذين يعملون من إقليم بلوشستان. وهم مسؤولون عن الجزء الأكبر من الهجمات على أهدافٍ صينية في الدولة الواقعة في جنوب آسيا.

كانت أعلى خسارة في أرواح المواطنين الصينيين في السنوات الأخيرة في باكستان، أكبر مُتلقٍ لاستثمارات الطاقة والبنية التحتية المتعلقة بالحزام والطريق الصينية. وتعتبر الصين باكستان مفتاحاً للتنمية الاقتصادية في شينجيانغ وجزءاً من جهودها لإضفاء الطابع الصيني على المنطقة.

في إشارةٍ إلى القلق الصيني، نصحت بكين الشهر الماضي مواطنيها بمغادرة أفغانستان وأجلَت في الأسبوع الفائت 210 مواطنين صينيين على متن رحلة جوية مُستَأجَرة. كما أرجأت الصين أيضاً في الأسبوع الماضي توقيع اتفاقية إطارية بشأن التعاون الصناعي كان من شأنها تسريع تنفيذ المشاريع التي تُشكّل جزءاً من الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني.

ما يُعقّد الحسابات الصينية هي حقيقة أن كلّاً من روسيا وتركيا تناوران لأسبابٍ مختلفة لتعزيز الهوية التركية في القوقاز والذي من المُحتمل أن يكون أكثر تعاطفاً مع محنة الأويغور وغيرهم من المسلمين الأتراك.

علاوة على ذلك، قد ترى تركيا أفغانستان كنقطة انطلاق أخرى نحو إعادة إنشاء عالم تركي. وبحسب بعض التقارير، طلبت تركيا من أذربيجان، التي دعمتها أنقرة في حرب القوقاز في العام الماضي ضد أرمينيا، المساهمة بقواتٍ في الوحدة التركية التي ستبقى في أفغانستان بعد انسحاب الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لتأمين مطار حامد كرزاي الدولي في كابول.

ويبدو أن النفوذ التركي قد تعزّز بين الأقليات التركية في أفغانستان من خلال تشغيل المدارس التركية، وزيادة عدد المنح الدراسية التركية، وتدريب أفراد الجيش والشرطة الأفغانية، وشعبية الأفلام والمسلسلات التلفزيونية التركية، والجهود المبذولة للتوسّط لإنهاء الصراع في البلاد.

من جهتها رفضت حركة طالبان استمرار الوجود العسكري التركي الذي كان على مدى السنوات الست الماضية جزءاً من مهمة “الدعم الحازم” بقيادة حلف شمال الأطلسي (الناتو). فقد أصرّت على أن الجنود الأتراك هم “محتلون في أفغانستان” يجب أن يغادروا مع “الناتو” والقوات الأميركية حتى لو كانوا أيضاً ينتمون إلى “دولة إسلامية عظيمة”.

تحسّباً لتطور مُهَدِّد في أفغانستان، أنشأت الصين بهدوء موقعاً عسكرياً صغيراً في العام 2019 على مرتفعات طاجيكستان، على مرمى حجر من حيث يلتقي “ممر واخان” الأفغاني مع شينجيانغ.

في الآونة الأخيرة، نصح وزير الخارجية الصيني وانغ يي محاوريه خلال زيارةٍ قام بها في الأسبوع الفائت إلى آسيا الوسطى بأن الشركات العسكرية الصينية الخاصة ستلعب دوراً أكبر في تأمين مشاريع البنية التحتية الاستراتيجية المُتعلّقة بالحزام والطريق. ويرى بعض المحللين أن الشركات الصينية سيتم توظيفها أيضاً لتدريب جيوش آسيا الوسطى – وهو مجالٌ كان حتى الآن حكراً على روسيا إلى حدّ كبير.

وعلى المنوال عينه، فإن سحب فرنسا لقوّاتها من غرب إفريقيا يزيد من الضغط على الصين للدفاع عن مواطنيها ومصالحها في الخارج. كان هناك ثلاثة عمال بناء صينيين من بين خمسة أجانب اختطفهم مسلحون في نهاية الأسبوع الفائت في جنوب مالي. ولم تُعلن أي جماعة مسؤوليتها عن عملية الاختطاف حتى الآن.

كل هذا يترك جانباً السؤال عن المدة التي ستشعر فيها الصين بأنها تستطيع الاعتماد على مظلة الدفاع الأميركية في الخليج لتأمين تدفق الطاقة وكثير من تجارتها على خلفية الالتزام الإقليمي الأميركي المُعاد تشكيله والعلاقات المتوتّرة بشكل متزايد بين واشنطن وبكين.

كما أن ذلك لا يأخذ في الاعتبار قدرة الصين على إدارة توقعات رغبة بكين في المشاركة في بعض الحالات، ليس فقط سياسياً أو عسكرياً، ولكن أيضاً إقتصادياً.

وكان هذا الأمر واضحاً خلال الزيارة الأخيرة للوزير وانغ إلى المنطقة، ولا سيما سوريا، التي كانت موطناً لجهاديي الأويغور الذين ميّزوا أنفسهم في المعركة خلال معظم الحرب الأهلية.

وهذه هي الزيارة الثانية لوانغ إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في غضون أربعة أشهر. علاوة على ذلك، ناقش وانغ في الأسبوع الماضي أمن أفغانستان والخليج مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله آل سعود على هامش اجتماع تعاون إقليمي في أوزبكستان.

ولطالما وصف المسؤولون السوريون الصين، لأسبابٍ داخلية وخارجية، بأنها الفارس الأبيض الخيالي الذي سيأتي لإنقاذ البلد الذي مزّقته الحرب والمشاركة في عملية إعادة الإعمار.

وقد أشار الباحثان أندريا جيزيلّي ومحمد السديري إلى أن “الصين أقل اهتماماً بسوريا من اهتمام سوريا بالصين … لم تكن سوريا أبداً أولوية في نهج الصين الذي يحركه الاقتصاد تجاه الشرق الأوسط”. لكن الباحثَين حذّرا من أنه لا يمكن تجاهل “التأثير المُحتَمل المهم للسرد الذي أطلقه وسوّقه الفاعلون المحلّيون في سياق السياسة الدولية”، في إشارة إلى تصوّر سوريا للصين كمُنقذٍ لها.

ضمنياً في استنتاج الباحثَين هي الفكرة القائلة بأن السياسة الصينية قد تتشكّل في المستقبل بشكل متزايد من خلال صنع القرار في بكين وفقاً للتطورات على الأرض في عالمٍ تتنافس فيه القوى لتأمين مصالحها ومكانتها في نظام عالمي جديد.

في نهاية المطاف، فإن السؤال الأساس الكامن وراء كل عوامل الدفع هذه، وفقاً لكاتب العمود في “فايننشال تايمز” جدعون رحمن، هو ليس ما إذا كانت الصين تمتلك القدرة والطموح لتصبح قوة عظمى ولكن أيضاً هل تملك الإرادة؟

يُجادل عبد الرحمن قائلاً: “إذا كانت الصين غير راغبة أو غير قادرة على تحقيق وجودٍ عسكري عالمي يُنافس وجود الولايات المتحدة، فقد تضطر إلى إيجاد طريقة جديدة لتكون قوة عظمى – أو التخلّي عن الطموح”.

  • عبد السلام فريد هو مراسل “أسواق العرب” في بكين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى