مع رحيلِ نتنياهو؛ عودةُ مظاهر العلاقة الطبيعية بين الأردن وإسرائيل

أسامة الشريف*

يأمل الأردن وإسرائيل في إعادة العلاقات بعد سنوات من التوتّر في عهد رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو. بعد شهرٍ على تشكيلِ حكومةٍ ائتلافية إسرائيلية جديدة، مُنهِيَةً 12 عاماً من حكم نتنياهو، اتّخذ الجانبان عدداً من المبادرات لتطبيع العلاقات. إلتقى وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في الأسبوع الفائت نظيره الإسرائيلي يائير لبيد على الجانب الأردني من الحدود وتوصّلا إلى اتفاقٍ تقوم بموجبه إسرائيل ببيع 50 مليون متر مكعب من المياه إلى الأردن. علماً أن على إسرائيل منح المملكة 30 مليون متر مكعب سنوياً بموجب معاهدة السلام الموقعة بين البلدين في العام 1994.

كما اتفق الجانبان على زيادة الصادرات الأردنية إلى الضفة الغربية من 160 مليون دولار إلى 700 مليون دولار سنوياً. وقال لبيد: “المملكة الأردنية جارٌ وشريكٌ مُهمّ، وسنُوسّع التعاون الاقتصادي لما فيه خير البلدين”.

من ناحية أخرى، أفادت وسائلُ إعلامٍ إسرائيلية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت قام بزيارةٍ سرّية إلى عمّان في الأسبوع الماضي للقاء الملك عبد الله الثاني. وبينما لم يُعلّق الأردن على ذلك، فإن مثل هذا الاجتماع إذا تأكّد سيكون الأول بين قادة البلدين منذ سنوات. لقد رفض الملك عبد الله طلب نتنياهو للقاء أو حتى مكالمته هاتفياً. ولم يثق الملك في نتنياهو الذي خالف ونقض الاتفاقات مع عمّان، خصوصاً في ما يتعلق بالمسجد الأقصى الذي يكون الملك وصياً عليه. في عهد نتنياهو، توتّرت العلاقات بين البلدين ووصلت إلى مستوى الأزمة، بخاصة عندما قَتلَ ديبلوماسي إسرائيلي أُردُنِيَين في مجمع السفارة، وحين قتل جندي إسرائيلي قاضٍ أردني عند معبر نهر الأردن. ولم يُحاسب الجانب الإسرائيلي أيّ شخص عن كلتا الجريمتين.

لكن العلاقات ساءت أكثر في ظل إدارة دونالد ترامب. لقد عارض الملك عبد الله اعتراف ترامب بالقدس عاصمةً لإسرائيل وخطة السلام اتي اقترحها البيت الأبيض تحت عنوان “صفقة القرن”. في العام الماضي ذهب الملك إلى حدّ التشكيك في مصير معاهدة السلام إذا نفّذ نتنياهو تهديده بضم غور الأردن. في وقتٍ سابق من هذا العام، غضبت عمّان عندما تراجعت إسرائيل عن اتفاقٍ للسماحِ لولي العهد الأردني بزيارة المسجد الأقصى. ورداً على ذلك، رفض الأردن منح تصريح لطائرة نتنياهو بالهبوط في عمّان في طريقها إلى الإمارات.

بضغطٍ من إدارة جو بايدن، وافق نتنياهو على بيع 50 مليون متر مكعب إضافية من المياه لعمّان، التي تشهد نقصاً حاداً في المياه. كان انتخاب بايدن للرئاسة بمثابة ارتياح للأردن، الذي شعر في عهد ترامب بالتهميش. بمجرد انتخاب بايدن، تلقّى مكالمة من الملك أعاد فيها الرئيس الأميركي التزام الولايات المتحدة بحلّ الدولتين؛ وهي مسألة مبدئية وأساسية بالنسبة إلى المملكة الهاشمية.

مع خروج نتنياهو أخيراً، يأمل الأردن أن تعود العلاقات مع إسرائيل إلى طبيعتها. ولكن قول هذا الكلام هو أسهل من تنفيذه والقيام به. إن الحكومة الائتلافية الجديدة في إسرائيل مُتَزَعزِعة وقد لا تدوم طويلاً. بينيت مُتشدّدٌ ويدعم منظمات المستوطنين اليهود وكذلك مطالبات اليمين المتطرف بشأن المسجد الأقصى. في الواقع، استمرت التوغّلات الإسرائيلية في مجمع الأقصى في ظل الحكومة الجديدة. وهذه قضية من المؤكد أنها ستثير رداً أردنياً قاسياً.

لكن حتى في عهد نتنياهو، لم يتأثّر التنسيق الأمني ​​والاستخباراتي بين الجانبين. شريك نتنياهو السابق في الائتلاف ووزير الدفاع الحالي بيني غانتس، الذي هو الآن جزء من الائتلاف الجديد، لم يخجل من إعلان أهمية الأردن كجارٍ وحليف. لقد هاجم نتنياهو لأنه أضرّ بالعلاقات الثنائية وهو يُعتَبَر داعماً مُهمّاً لاستقرار الأردن.

رُغمَ اعتراض غالبية الأردنيين، فقد أصبحت عمّان تعتمد بشكل متزايد على إسرائيل في مجال الطاقة والمياه. في العام الفائت، بدأ الأردن تلقّي الغاز الطبيعي الإسرائيلي بموجب صفقة بقيمة 10 مليارات دولار عارضها البرلمان ومعظم الأردنيين. ومع ذلك، كان على الأردن إلغاء مشروعٍ مع إسرائيل كان سيوفّر الطاقة والمياه المُحَلّاة من قناةٍ تربط البحر الأحمر بالبحر الميت. لم تحترم إسرائيل ذلك الاتفاق.

وسيكون الملك عبد الله أول زعيم عربي يستقبله بايدن في الأسبوع المقبل. كما سيزور بينيت البيت الأبيض قبل نهاية هذا الشهر. يبدو أن إدارة بايدن تُعطي الأولوية للعلاقة الأردنية-الإسرائيلية كجزءٍ مُهمٍّ من سياستها في الشرق الأوسط. والأهم أنها تُعزّز دور الأردن في المنطقة خصوصاً في ما يتعلق بدعم السلطة الفلسطينية، وحكومة مصطفى الكاظمي في العراق، وتقديم الدعم اللوجستي للجيش الأميركي في المنطقة.

في حين أن العلاقات مع إسرائيل لا يُمكن إلّا أن تتحسن بعد سنواتٍ من التوتّر والاضطرابات، فإن المشاكل قد تكمن في المستقبل. لا يمكن للأردن المساومة على حلّ الدولتين، ولا يستطيع قبول الإجراءات الإسرائيلية في القدس الشرقية المحتلة بما فيها التوغّلات شبه اليومية للمسجد الأقصى والتحرّك لتهويد المدينة المقدسة بالضغط على الفلسطينيين للمغادرة. لقد اعترف زعماء العالم بدور الملك عبد الله في القدس، وستُجبِرُ الهجمات المستقبلية على المدينة العاهل الأردني على الردّ.

لكن في الوقت الحالي، تمت إعادة ما يشبه العلاقة الطبيعية بين البلدين. وقد لا يستمر ذلك طويلاً حيث سيعتمد على بقاء الحكومة الائتلافية الإسرائيلية.

  • أسامة الشريف هو صحافي ومٌحلّل سياسي مُقيم في عمّان، الأردن. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @OsamaAlSharif3

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى