كيف تغيّرت سياسات روسيا في الشرق الأوسط منذ الانتفاضات العربية؟

بعد العام 2015، بدأت روسيا تتبع المزيد من الإنخراط المباشر في الشرق الأوسط، مع تحوّلها إلى التدخّل العسكري في الحرب الأهلية السورية، وهو ما يُمثل نقطة تحوّل ملحوظة.

سيرغي لافروف في زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز: نشاط روسي كبير في منطقة الخليج

ديانا غاليفا*

كان ردُّ فعل الحكومة الروسية على الانتفاضات العربية التي بدأت في كانون الثاني (يناير) 2011 يهدف في المقام الأول إلى حماية مصالحها في الشرق الأوسط، بما فيها الأهداف الأمنية والاقتصادية. ومع ذلك، فقد اتّبعت مناهج مختلفة بمرور الوقت: فترة أوّلية من المراقبة والضغط السياسي بين العامين 2011 و2015، تلتها سياسات أكثر نشاطاً بعد ذلك. يشرح هذا المقال أسباب هذا التحوّل ويُجادل بأن سياسات روسيا منذ العام 2015 من المُرجّح أن تستمر، على الرغم من التحديات الداخلية والخارجية.

تتميّز المرحلة الأولى بردودِ فعلٍ مدروسة بعناية، مُقتَصِرة على التحرّكات الديبلوماسية والسياسية بدلاً من التدخّل المباشر. كان أحد قرارات موسكو البراغماتية مراقبة سقوط نظام زين العابدين بن علي في تونس، بدلاً من التدخل. لكن في مصر، كانت روسيا أكثر نشاطاً حيث أبدت استعداداً للتعاون مع حكومة “الإخوان المسلمين” الجديدة تحت عنوان مصر “القوية والديموقراطية” بعد تنحّي حسني مبارك. وفي الوقت عينه، كان يُنظَر إلى الاحتجاجات في البحرين والمعارضة المتزايدة للرئيس علي عبد الله صالح في اليمن على أنهما مسائل داخلية فقط، بينما وجد الحليف السوري بشار الأسد دعماً سياسياً روسياً ضد عقوبات الأمم المتحدة والتدخّل العسكري.

بعد العام 2015، بدأت روسيا تتبع المزيد من المشاركة المباشرة، مع التحوّل إلى التدخّل العسكري في الحرب الأهلية السورية، وهو ما يُمثّل نقطةَ تحوّلٍ ملحوظة. برّرت روسيا وجودها في سوريا بالقول إنها تقاتل تنظيم “الدولة الإسلامية” والجماعات المتطرفة الأخرى. وهذا بحدّ ذاته مُرتبطٌ بالعامل المحلّي، بسبب خوف موسكو من تطرّف الأقليات في روسيا. لا شك أن التدخّل العسكري الروسي في الحرب السورية، حيث أقامت موسكو تحالفات مع نظام الأسد (جنباً إلى جنب مع لاعبين إقليميين آخرين، مثل إيران وميليشيا “حزب الله” المدعومة منها) عمل أيضاً على الحفاظ على إمدادات الأسلحة والاستثمارات النفطية والوصول البحري. من الناحية الجيوسياسية، كانت سوريا حاسمة في عودة مكانة روسيا كقوة عظمى، على الأقل على أساس نفوذ القوة العسكرية، وكما صرّح فيدور لوكيانوف من  المعهد العالي للإقتصاد في موسكو (HSE) لصحيفة “روسياكايا غازيتا (Rossiyaskaya gazeta) الحكومية في آذار (مارس): “لم تُعِد الحرب السورية تشكيل الشرق الأوسط فقط. كانت سوريا هي المكانة التي تم فيها ترسيخ مكانة روسيا كقوة من الطراز العالمي، والتي يجب أخذها في الحساب، بغض النظر عن كيفية التعامل معها “. وبالمثل، تمت إعادة بناء العلاقات مع تونس وليبيا، إلى حدٍّ كبير من خلال مكافحة الإرهاب والطاقة النووية والتعاون السياحي في الحالة الأولى ومشتريات النفط في الحالة الثانية. في كانون الثاني (يناير) 2020، ذهبت موسكو إلى حدِّ التوسّط في المحادثات بين “حكومة الوفاق الوطني” في طرابلس المدعومة من الأمم المتحدة وقوات الجنرال خليفة حفتر في الحرب الأهلية الليبية. مرة أخرى، يمكن رؤية النشاط والبراغماتية الروسية من خلال رئاستها المشتركة للمنتدى الاقتصادي الروسي-الأفريقي في سوتشي في العام 2019، وتعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والأمنية والديبلوماسية والثقافية مع حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي في مصر.

الأهم من ذلك، منذ العام 2015، أَشرَكَت روسيا بنشاط الأقليات المسلمة لديها في سياستها الخارجية، ما زاد من تعزيز الوجود الروسي في المنطقة. على سبيل المثال، هناك اعتراف واسع النطاق بالدور الذي لعبته جمهورية الشيشان المُسلمة الروسية وزعيمها رمضان قديروف، الذي أُطلِقَ عليه لقب “الديبلوماسي الروسي الأعلى”، خصوصاً في الشرق الأوسط. إستخدم قديروف سلطته الشخصية واتصالاته مع عددٍ من الحكومات لإيصال ومشاركة رسائل الكرملين. كان هذا مهماً بشكل خاص بالنسبة إلى سوريا منذ العام 2015. على الرغم من النفي الأوّلي لوجود مقاتلين شيشانيين بين القوات الروسية، فقد أكّد الزعيم الشيشاني أن كتيبة شرطة مُسلّحة مُكَوَّنة من عرقية شيشانية كانت في سوريا كجزء من قوات الدفاع العسكرية الروسية. في العام 2017، أشار مكسيم سوشكوف من معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية أيضاً إلى أن أقرب مستشاري قديروف، آدم ديليمخانوف ومفتي الشيشان صلاح حجي مزييف، سافرا إلى سوريا للقاء ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري بشار الأسد. نتج عن ذلك قرار الصندوق العام الإقليمي المُسمّى على اسم أحمد حجي قديروف، والد رمضان قديروف، بتمويل ترميم المسجد الأموي المُدرَج على قائمة اليونيسكو للتراث العالمي في حلب، والذي دمّره تنظيم “الدولة الإسلامية”.

علاوة على ذلك، حدث المزيد من الارتباطات الاقتصادية مع اللاعبين الإقليميين بفضل مشاركة فاعلٍ مُهمّ آخر، جمهورية تتارستان. وقّعت “تاتنفت” (Tatneft) في تتارستان، خامس أكبر شركة نفط وغاز في روسيا الإتحادية، إتفاقية مع شركة النفط الوطنية الليبية في العام 2005 بأن تحصل الشركة الروسية على حوالي 10.5٪ من حصص إنتاجها في حوض غدامس. لكن بسبب تدهور الوضع الأمني​​، عادت “تاتنفت” إلى ليبيا فقط في كانون الأول (ديسمبر) 2019، عندما استأنفت أنشطة الاستكشاف في منطقة الحمادة. وتدخّل تتارستان ليس من باب الصدفة. إنها موطن قمة قازان، الحدث الدولي الرائد لتطوير العلاقات الاقتصادية بين روسيا والدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي. علاوة على ذلك، فإن رئيس تتارستان، رستم مينيخانوف، هو رئيس مجموعة الرؤية الاستراتيجية “روسيا-العالم الإسلامي”، وهي الآلية المؤسّسية للكرملين لزيادة دمج الأقليات في سياساته الخارجية، والتي استأنفت عملها في العام 2015.

العوامل المساهمة في تغيير السياسات

لماذا إذن تَغيَّرَ نهج موسكو تجاه المنطقة بين العامين 2011 و2015 … وحتى اليوم؟ في بداية الانتفاضات العربية، يُمكن القول إن ردّ روسيا الحذر للغاية كان مُرتبطاً بتاريخها. وقد علّق الأكاديمي الروسي أليكسي فاسيليف، على كلمات عاطفية لكاتبٍ عربي حول نتائج “الربيع العربي” في القاهرة، مُعتبراً ومُحترماً القول لكنه لم يقل ما يلي حفاظاً على مشاعر صديقه: “صديقي العزيز! صديقي المُخلص والصادق الموهوب بلا حدود. أنا أُريدُ أن أُصدّقك، أُريد أن أؤمن بمستقبل مصر، التي أحبّها كثيراً. لكنني أنتمي إلى بلدٍ شهد خلال القرن الفائت العديد من الثورات والثورات المضادة! وكيف بمرارة أنظر الآن إلى الوضع الحالي في بلدي”.

في الواقع، شهدت روسيا في القرن العشرين وحده عدداً من الثورات والثورات المضادة: الثورة الروسية (1917-1923)، بما في ذلك ثورة شباط (فبراير) 1917، وفترة “السلطة المزدوجة” (1917)، وثورة تشرين الأول (أكتوبر) (1917)، والحرب الأهلية الروسية (1917-1923)، وما تلاها من إلغاء الإمبراطورية الروسية وتأسيس الحكم البلشفي مع النظام الجديد للإتحاد السوفياتي. بعد سبعة عقود، مرت روسيا مرة أخرى بفترة من الاضطرابات في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة في آب (أغسطس) 1991، والتي أدّت إلى زعزعة استقرار النظام الشيوعي، وانهيار الاتحاد السوفياتي بحلول نهاية العام. لذلك، بعد أن عانت هي نفسها من عدم الاستقرار وفتراتٍ من عدم اليقين مع تغيير القيادة والأنظمة، اختارت روسيا المُراقَبة بدلاً من الانحياز إلى جانب.

هناك عاملٌ آخر محلّي ويتعلّق بشكلٍ خاص بقيادتها. كانت بداية الانتفاضات العربية في عهد ديمتري ميدفيديف، الذي كان يُنظَر إليه على أنه “أكثر موالاة للغرب” و “شخصية ليبرالية” مُقارنةً بفلاديمير بوتين. ويُمكن توضيح المقاربات المختلفة لميدفيديف وبوتين من خلال حالة ليبيا. خلال الانتفاضة الليبية في العام 2011، رفض ميدفيديف وصف رئيس الوزراء آنذاك بوتين لقرار الأمم المتحدة بشأن ليبيا بأنه “غير مقبول”. كما قال بوتين إن القرار يشبه “دعوات القرون الوسطى للحروب الصليبية”. في النهاية، امتنعت روسيا عن التصويت على قرار السماح بعمل عسكري في ليبيا لحماية المدنيين من القوات الموالية للعقيد معمر قذافي.

بالمقارنة مع حذر ميدفيديف، كان النهج الذي اتخذه بوتين بعد عودته إلى الرئاسة في العام 2012 أكثر حزماً، ويُمكن القول إنه مستوحى من رؤيته لمكانة روسيا في تاريخ العالم. في العام 2005، أشار بوتين إلى انهيار الاتحاد السوفياتي بأنه “أكبر كارثة جيوسياسية” في القرن العشرين، وفي العام 2018، أشار إلى أنه “سيعكس انهيار الاتحاد السوفياتي إذا أتيحت له فرصة ويُغيّر التاريخ الروسي الحديث”. هذه هي “رؤية بوتين لروسيا كقوة عظمى عادية”، والتي بلغت ذروتها بالتدخّل في الحرب السورية. كما صرّحت الصحافية ألينا بولياكوفا في العام 2018، “كان انتصار بوتين الجيوسياسي الحقيقي بمثابة تقويضٍ ناجح لمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، مع ترسيخ مكانة روسيا كوسيط رئيس في جميع أنحاء المنطقة”. وهذا وثيق الصلة أيضاً ببعض الأسباب الأخرى التي أدّت إلى تغيير سياسات روسيا منذ العام 2015 – وبالتحديد العوامل الخارجية.

تاريخياً، إستندت السياسات الروسية إلى مواجهة مصالح المُعارضين الغربيين في المنطقة، سواء كانت الإمبراطورية البريطانية أو الولايات المتحدة، مع دورها المتزايد خلال القرن الماضي. لكن منذ العام 2015، إرتبطت سياسات روسيا المُتغيِّرة تجاه الشرق الأوسط إلى حدٍّ كبير بالفُرَص التي توفّرها الدول الغربية نفسها. على سبيل المثال، في مقالٍ يتناول رئاسة دونالد ترامب، وضع الصحافي والمُحلّل السياسي الأميركي ستيفن كوك استنتاجاته في العنوان: “إرث ترامب في الشرق الأوسط هو الفشل”. في عهد ترامب، تحوّل نهج أميركا التقليدي تجاه الاتحاد الأوروبي نحو الأحادية والانسحاب من المعاهدات و المنظمات الدولية. كافح الاتحاد الأوروبي مع أزمة المهاجرين، وخصوصاً اللاجئين الآتين من جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط​​، والتي تصاعدت كجزء من تداعيات “الربيع العربي”؛ أيضاً، أدّى استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في العام 2016 والمفاوضات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى تحويل الانتباه بعيداً من الشرق الأوسط. نتيجة لذلك، مُنِحَت روسيا فرصاً لاتخاذ نهجٍ أكثر نشاطاً تجاه الشرق الأوسط منذ العام 2015.

مستقبل السياسات الروسية في الشرق الأوسط

شكّلت كل هذه العوامل سياسات روسيا منذ العام 2015 ويُمكن أن تكون حيوية بالنسبة إلى مستقبل سياساتها تجاه المنطقة. من المحتمل جداً أن تواصل روسيا سياساتها على المنوال عينه مع نهجها منذ العام 2015. أولاً، كما تم توضيحه، فإن العامل المهم هو القيادة. نظراً إلى الإصلاحات الدستورية الجديدة لعام 2020، والتي سمحت لبوتين بتحديد حدود الولاية الرئاسية إلى صفر في العام 2024، وبالتالي منحه الفرصة لقضاء فترتين أخريين لمدة ست سنوات، يبدو من المرجح أنه سيكون قادراً على الاستمرار في فرض رؤيته للسياسة الخارجية الروسية في الشرق الأوسط. وستستمر أيضاً ارتباطات روسيا النشطة مع شركائها بطريقة توازن بين الخصوم ومُعارضيهم.

في الشهر الأول من العام 2021، كانت هناك بالفعل علامات على استمرار مثل هذه السياسات: زار وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان موسكو لفتحِ مساراتٍ للتعاون في مختلف المجالات، بما فيها الاستثمار والتنمية وتبادل الخبرة الفنية، والأهم من ذلك، نظراً لأهمية كلا اللاعبَين في سوق الطاقة العالمية، بذل الجهود للتغلب على تحديات حرب أسعار النفط لعام 2020. إتفقت الدولتان على مزيد من التعاون تحت مظلة “أوبك +”. وبعد أقل من أسبوعين، زار وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف موسكو أيضاً. إلى جانب القضايا المستمرة للتعاون في التجارة والاقتصاد والطاقة والزراعة والنقل والصناعة، تحدث الجانبان عن بناء وحدات جديدة في محطة بوشهر للطاقة النووية. ومن النتائج المهمة توقيع الاتفاق الحكومي الدولي بشأن التعاون في ضمان أمن المعلومات. خلال الزيارات الرسمية الأخيرة إلى دول الخليج (السعودية والإمارات وقطر)، إلتقى وزير الخارجية سيرغي لافروف برئيس الوزراء اللبناني المُكلَّف سعد الحريري في أبو ظبي (9 آذار/مارس 2021)، وبعد أسبوع التقى لافروف مع وفد من “حزب الله” اللبناني (16 آذار/مارس 2021)،  بينما زار وزير الخارجية الإسرائيلي، غابي أشكنازي، موسكو بعد أيام قليلة (20 آذار/مارس 2021). وبالمثل، سيستمر السكان المسلمون في المشاركة والإنخراط بنشاط في السياسات الخارجية لروسيا في الشرق الأوسط. على سبيل المثال، من المقرر عقد الاجتماع المؤجل بسبب فيروس كورونا لمجموعة الرؤية الاستراتيجية “روسيا – العالم الإسلامي” في المملكة العربية السعودية في العام 2021.

ومع ذلك، هناك تحديات أمام استمرار هذا النهج النشط في الشرق الأوسط. من بينها الاحتجاجات المحلية المؤيدة للناشط المُعارض المسجون أليكسي نافالني والتي حدثت في شباط (فبراير) 2021. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن دعم نافالني في جميع أنحاء روسيا منخفض للغاية، ويرجع ذلك أساساً إلى أنه ليس زعيماً لأيِّ حزبٍ مُعارض وتفاصيل سياساته لإحداث التغيير داخل البلاد ضبابية. من غير المحتمل أن يُغيّر هذا قيادة روسيا، رُغم أنه قد يؤدي إلى إصلاحات داخلية، والتي قد تؤثر بدورها في سياسات روسيا الخارجية ومحاولاتها لتعزيز مكانتها كقوة عظمى في الشرق الأوسط. يتمثّل التحدّي المحلي الآخر في الاقتصاد الروسي، نظراً إلى تأثير جائحة كوفيد-19 الحالي وانخفاض أسعار النفط في منتصف العام 2020، مع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.4٪ في العام 2020. ومع ذلك، إستناداً إلى تقارير المُحللين الإقتصاديين، يتعامل الاقتصاد الروسي مع فيروس كورونا بشكلٍ أفضل من غيره، وكان العام 2020 هو العام الأول الذي يقترب فيه من اقتحام أكبر خمسة اقتصادات في العالم -على الأقل استناداً إلى مؤشرات تعادل القوة الشرائية التي تأخذ بعين الاعتبار الفروق في مستويات المعيشة. يُمثّل الوباء تحدياً كبيراً لجميع الاقتصادات في جميع أنحاء العالم وسيؤثر أيضاً في منافسي روسيا في الشرق الأوسط. وفقاً للبنك الدولي، أغرق كوفيد-19 الاقتصاد العالمي في أعمق ركود له منذ الحرب العالمية الثانية ويُمكن ملاحظة ذلك في أداء الاقتصادات الرائدة: فقد تقلّص الاقتصاد الأميركي بنسبة 3.5٪ في العام 2020، وهو أسوأ عام للنمو منذ العام 1946، بينما قدّرت فرنسا تقلص اقتصادها ب7٪ ومن المتوقع أن ينخفض ​​الناتج المحلي الإجمالي الألماني بنسبة 5.4٪.

ويرتبط هذا بتحدٍّ آخر – ألا وهو سياسات اللاعبين الخارجيين تجاه المنطقة وقدرة روسيا على حماية مصالحها بتكاليف محدودة. ويكمن عدم اليقين الرئيس في السياسات الخارجية لإدارة جو بايدن وما إذا كانت السياسات الأميركية ستتحدّى وضع وموقف روسيا في المنطقة. كيف سيؤثر ذلك في العلاقات مع روسيا ومصالحها في الشرق الأوسط؟ تستند رؤية بايدن إلى العودة إلى الديبلوماسية الأميركية التقليدية والتعددية، مؤكداً أن “أميركا ستُعيد تأكيد دورها في العالم وستكون بانية تحالفات”، لكن من دون أن تكون رئاسته “فترة ثالثة لإدارة أوباما”. هل يعني هذا أن الولايات المتحدة تُخطّط للعودة إلى دورها القيادي؟ إذا كان الأمر كذلك، فقد تتحدّى مصالح روسيا. على سبيل المثال، كمُدافعة عن قيم حقوق الإنسان، قد تبذل إدارة بايدن جهوداً أقوى لإنهاء الحروب والصراعات (على سبيل المثال، في سوريا واليمن وليبيا). بعد 10 أيام فقط من توليها سلطاتها، دعت إدارة بايدن روسيا وتركيا إلى وقف تدخلهما في ليبيا. في الوقت نفسه، من المتوقع أن تعود إدارة بايدن إلى الاتفاق النووي الإيراني وتتعاون مع شركائها الأوروبيين، الأمر الذي قد يضعها في مسارٍ تصادمي مع المصالح الروسية (على الرغم من أنه ينبغي الإشارة إلى أن روسيا هي أيضاً واحدة من الدول الخمس +1 التي وقّعت على خطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران). كيف ستُوازن روسيا سياساتها مع خصومها ومنافسيها أمرٌ ما زال يتعين رؤيته، نظراً إلى عدم اليقين بشأن موقف إدارة بايدن مُقارنةً ببناء إدارة ترامب لـ”محور” مُناهض لإيران يتألف من إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. بالفعل، أوقفت الإدارة الجديدة الدعم الأميركي للعمليات التي تقودها السعودية في اليمن، مُضيفةً شكوكاً جديدة إلى جانب سياسات بايدن تجاه إسرائيل وفلسطين، لا سيما بالنظر إلى اعتراف إدارة ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، وقرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان. لا تزال الطريقة التي ستتعامل بها روسيا مع السياسات الجديدة لإدارة بايدن والرد عليها غير مؤكدة اعتباراً من أوائل العام 2021.

علاوة على ذلك، فإن مصالح روسيا لا تتحدّاها القوى الغربية وحدها. الصين لها تأثيرٌ مُتزايد آخر في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة. واليوم، تُعَدُّ الصين أكبر مستورد للنفط الخام في العالم وأكبر شريك تجاري للعراق. في النصف الأول من العام 2020، زادت شحنات النفط العراقي إلى الصين بنسبة 30٪ تقريباً عن العام السابق. كما يتنامى تعاون الصين مع شركائها الخليجيين. في العامين 2017 و2018، عزّزت الصين والإمارات علاقاتهما في مجال الطاقة، حيث وقّعت شركات النفط الحكومية من كلا البلدين اتفاقات عدة. خلال الفترة عينها، سعت مؤسسة البترول الوطنية الصينية أيضاً إلى الحصول على حصة بقيمة 3 مليارات دولار في حقول نفط أبوظبي، وحصلت على أكبر عقد مسح زلزالي بحري من شركة بترول أبوظبي الوطنية، بقيمة 1.6 مليار دولار. في المملكة العربية السعودية، تم تنفيذ مشروع ضخم للسكك الحديدية فائق السرعة يربط مدينة جدة بالأماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة بالتعاون مع الشركات الصينية. في دبي، حصل عرض صيني-سعودي على عقدٍ لتوسيع مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية.

بشكلٍ عام، يُظهر فحص سياسات روسيا تجاه الشرق الأوسط منذ الانتفاضات العربية تغييراً ملحوظاً في الأسلوب منذ العام 2015. ويرتبط هذا بشكل خاص بقيادة روسيا وتاريخها، فضلاً عن الفُرَص الناشئة. بعبارة أخرى، نتيجة لعدد من العوامل المختلفة، خلقت هذه الانتفاضات فُرَصاً جديدة لموسكو لتعزيز مصالحها في المنطقة. بينما يُتوقَّع أن تواصل روسيا هذه السياسات في المستقبل، لا تزال هناك تحديات أمامها، بما فيها التحديات المحلية والخارجية، فضلاً عن أوجه عدم اليقين الكبيرة.

  • ديانا غاليفا هي أكاديمية زائرة لكلية سانت أنتوني (جامعة أكسفورد). تشمل اهتماماتها البحثية مفاهيم القوة والسياسات الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي والعلاقات بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي. يُمكن متابعتها عبر تويتر على: @diana_galeeva
  • يصدر هذا البحث بالعربية في “أسواق العرب” توازياً مع صدوره بالإنكليزية على موقع معهد الشرق الأوسط في واشنطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى