ديبلوماسية “نيوم” السعودية
تقوم المملكة العربية السعودية ببناء مدينة حديثة ضخمة لجذب الشركاء الدوليين، لكن مثل هذه الخطوة قد تضع المملكة في مواجهة شريكتها منذ فترة طويلة الإمارات العربية المتحدة.
بقلم علي دوغان*
في 23 تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، عُقِدَ اجتماعٌ بين وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو والأمير محمد بن سلمان في “نيوم”، المدينة المستقبلية التي ستُقام في منطقة تبوك السعودية. و”نيوم”، اختصارٌ لـ”المستقبل الجديد”، هي مدينة حديثة ضخمة تعتمد تقنيات المدن الذكية وستكون أيضاً وجهة سياحية حيث ينتهي العمل في القسم الأول منها في 2025. سيُكلّف بناء المدينة حوالي 500 مليار دولار، ومن المتوقع أن تُغطي منطقة بمساحة 10,230 ميلاً مربعاً في شمال غرب المملكة مُتاخمة لخليج العقبة. يُشير مكان اللقاء إلى أهمية “نيوم” الاستراتيجية لسياسة ولي العهد الخارجية. الواقع أن هذا الإجتماع كان جزءاً من ديبلوماسية “نيوم” السعودية الجديدة، وهو واحدٌ فقط من العديد من الاجتماعات المُماثلة التي من المحتمل أن تتبع في المستقبل.
أعلن الأمير محمد بن سلمان عن خطط مدينة “نيوم” الضخمة في تشرين الأول (أكتوبر) 2017، بعد أربعة أشهر فقط على تعيينه المثير للجدل كوليٍّ للعهد. لم يؤدِّ هذا إلى خلق مُعارضة داخل العائلة المالكة فحسب، بل أجبر أيضاً بن سلمان على العمل لإقناع الشباب السعوديين والعاطلين من العمل بأعداد كبيرة بمشروعية مُطالبته بالعرش. “نيوم”، كمشروع ضخم لبن سلمان، يعمل كأداةٍ رئيسة له لتعزيز سلطته في المملكة وتدعيم أمن النظام. في السنوات الأخيرة، استخدم ولي العهد بشكل متزايد “نيوم” كعنصرٍ أساس في جهوده الديبلوماسية. ومن المخطط أن تكون للمدينة منطقة اقتصادية مستقلة ذات نظام قانوني وضريبي خاص بها. وتهدف الحكومة إلى تنويع الاقتصاد من خلال الترويج لمجالات اقتصادية جديدة ذات تقنية عالية. إن الموقع الجغرافي للمدينة قريب من الأسواق الدولية وسيتم تشغيلها بنسبة 100 في المئة من طاقة الرياح والطاقة الشمسية المتجددة. علاوة على ذلك، يُظهر إطلاق “الخط” من “نيوم”، وهو خط مواصلات بطول 170 كيلومتراً، أن المدينة ستمتلك قطاراً تحت الأرض وحركة مرور سيارات يعتمدان الذكاء الإصطناعي.
إن ما يجعل “نيوم” فريدة من نوعها مقارنة بالمشاريع العملاقة الأخرى هو دورها في السياسة الخارجية السعودية كأداة للقوة الناعمة. تُوسّع المدينة المستقبلية فُرَص السياسة الخارجية السعودية. في أول زيارة رسمية لعاهلٍ سعودي، قام بها النملك سلمان بن عبد العزيز، إلى روسيا في تشرين الأول (أكتوبر) 2017، استمرت ثلاثة أيام، أعلن صندوق الاستثمار الروسي أنه سيستثمر مليارات عدة من الدولارات في “نيوم” والمشاركة في تسهيلات عمليات المدينة المُخَطّط لها مع شركات التكنولوجيا الفائقة الروسية. نظراً إلى الأفكار المستقبلية والنيوليبرالية في جوهر “نيوم”، تؤكد السعودية أيضاً على أنها مكانٌ للتعاون والاستثمار بين واشنطن والرياض. بالنسبة إلى بن سلمان، يُعتَبَر مشروع “نيوم” بمثابة واجهة لجذب الشركاء الديبلوماسيين للمملكة العربية السعودية.
على سبيل المثال، خططت المملكة لعرض مشروعها العملاق على الدول الاقتصادية الرائدة في قمة مجموعة العشرين في العام 2020 من خلال تنظيم زيارات لقادة الدول إلى “نيوم”. خلال هذا المؤتمر، صرح رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أنه يود زيارة “نيوم” لأنها تمثل مستقبلاً أكثر خضرة للجميع. يُوفّر موقع “نيوم” موقعاً أفضل مناخياً وجغرافياً للشركات العالمية مُقارنةً بصيف دبي شديد الرطوبة. تحاول السعودية الترويج لصورة “نيوم” المستقبلية والسياحية كمنافس مُحتَمل لدبي. وتُظهر إعلانات “نيوم” في صحيفة “وول ستريت جورنال”، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، والقنوات التلفزيونية الأوروبية، وكذلك في دوري “إي سبورت” (ESport)، أهمية “نيوم” لاستراتيجية العلاقات العامة في السعودية. وتمثل زيارة مايك بومبيو الأخيرة مثالاً على وضع “نيوم” الفريد كمشروعٍ ضخم.
من ناحية أخرى، إن العلاقات مع إسرائيل ضرورية للرياض لاستكمال “نيوم”. لذلك فإن اتفاقات التطبيع بين الإمارات والبحرين والسودان وإسرائيل تخدم مصلحة المملكة. في حزيران (يونيو) 2017، سلمت مصر جزيرتَي صنافير وتيران إلى السعودية، الواقعتين قبالة سواحل المملكة وشبه جزيرة سيناء. أعطت مصر الجزيرتين للسعودية على افتراض أن الاقتصاد المصري سيستفيد من “نيوم”. في الواقع، لدى الرياض خططٌ لبناءِ جسرٍ يعبر مضيق تيران ويربط مصر ب”نيوم”. ومع ذلك، فإن توسيع الطريق السريع السعودي 392 وبناء جسر السعودية-مصر يتطلب مفاوضات مع إسرائيل. وتتضمن معاهدة السلام للعام 1979 بين مصر وإسرائيل ضمان الشحن الإسرائيلي المجاني عبر مضيق تيران، وبالتالي، يعتمد المشروع على موافقة الدولة العبرية.
لا يمكن ل”نيوم” أن تزدهر إذا لم يتم عقد صفقة مع إسرائيل، رُغم أنه، وفقاً لاستطلاعٍ للرأي أجراه معهد الدوحة، هناك ما يصل إلى 90 في المئة من السكان العرب لا يزالون يعارضون الاعتراف الديبلوماسي بإسرائيل. لذا لا تحتاج السعودية إلى مواصلة استراتيجيتها للعلاقات العامة الدولية فحسب، بل تحتاج أيضاً إلى حلفاءٍ آخرين من العالم العربي لتوفير أرضية للإعتراف المُتبادَل بين العرب وإسرائيل. ولكن، يبدو أن هذه المسألة ما زالت مُعَلّقة.
وقد واجهت أيضاً دولة الإمارات مع المملكة نزاعاً على الحدود بشأن حقل الشيبة النفطي. علاوة على ذلك، أظهرت الحرب في اليمن انقسامات في مصالح البلدين هناك. في المستقبل، يمكن أن يقود مشروع “نيوم” ومحمد بن سلمان كلا البلدين الخليجيين إلى منافسة مستقبلية على السوق. إن بناء مشاريع مماثلة بهدف تنويع الاقتصاد، يمكن أن تؤدي بكلا البلدين إلى مواجهة بعضهما البعض على حصة الأسواق المختلفة للمنطقة.
تُعاني المشاريع الكبرى مثل مركز الملك عبد الله المالي ومدينة الملك عبد الله الاقتصادية أصلاً من المنافسة مع دولة الإمارات العربية المتحدة المجاورة. يمكن للشركات الدولية أن تَعِدَ الأجانب بنمطِ حياةٍ غربي في دبي، وهو أمرٌ لا تجده بعد في السعودية. وهذا عاملٌ مهم للشركات الدولية التي تبحث عن تمثيل إقليمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. لقد كافح كلٌّ من مركز الملك عبدالله المالي ومدينة الملك عبدالله الإقتصادية، اللذين بلغت تكاليف إنشائهما مليارات الدولارات، لإدخال وجذب شركات أجنبية إلى منشآتهما. ومع ذلك، فإن الحكومة السعودية تخطط لتحويل مركز الملك عبد الله المالي إلى منطقة اقتصادية خاصة لجذب الشركات العالمية. وقال وزير الإستثمار خالد الفالح في تشرين الأول (أكتوبر) 2020، إنه سيتم إطلاق مناطق اقتصادية خاصة في العام 2021.
لا يُمكن للمملكة العربية السعودية أن تدع “نيوم” تقع في المصير عينه في ظل النمو السكاني المرتفع في البلاد وارتفاع معدلات البطالة. ستحاول الحكومة السعودية جذب الشركات بعيداً من دبي من خلال تقديم اتفاقات ضريبية خاصة ومُحَلّيَاتٍ أخرى للإنتقال إلى “نيوم”. نظراً إلى أن كلاً من الإمارات والسعودية تعملان على تقليل اعتماد اقتصاداتهما على النفط، فإنهما تخاطران بالمنافسة مع بعضهما البعض لجذب الشركات والاستثمارات الدولية.
السؤال هو ما إذا كان الإماراتيون على استعداد لمشاركة هيمَنتهم على مركز الأعمال وترك الوضع مفتوحاً. كما يبقى أن نرى كيف ستعمل أغنى دولتين في الخليج على تسوية نزاع مستقبلي. في كل الأحوال ستحتاج السعودية إلى التفاوض مع إسرائيل والإمارات من أجل مستقبل “نيوم”.
إن سياسة الأمير محمد بن سلمان الخارجية ترتبط ارتباطاً وثيقاً برؤيته الاقتصادية والاجتماعية. وتُعد “نيوم” بمثابة واجهة عرض للمشاريع العملاقة المختلفة في السعودية ونعمة لجهودها الديبلوماسية. تهدف الحكومة إلى تحسين الصورة العامة للمملكة وتعزيز الفرص التجارية فيها من خلال “نيوم”. ومن المرجح أن يؤدي موقع محمد بن سلمان بصفته الوريث المُعَيَّن لعرش المملكة إلى زيادة استخدامات ديبلوماسية “نيوم”.
- علي دوغان هو زميل باحث في “Leibniz-Zentrum Moderner Orient” ومرشح لنيل درجة الدكتوراه في معهد أوتو سور للعلوم السياسية في برلين. يمكن متابعته عبر تويتر على: @LearnIntelZMO.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.