من مُحسِن الى لُقمان: صوتُ الحرية في وجهِ سيف القتل والظلم والظلام

لقمان سليم: الحر لا يموت.

 

بقلم عرفان نظام الدين*

يُخطئ مَن يَعتقِد أن صوت الحرية يُمكن ان يُسَكَّت بكاتم صوت او بسيفِ ظلم ورصاصة ظلام. ومهما اشتد الوعيد والتهديد والترهيب فإن السيف كان يرتد الى صدور الطغاة والمجرمين واصحاب نهج اغتيال الاحرار الواحد تلوَ الآخر. فكلّما سقط فارس وُلِدَ مئات الفرسان الأحرار، لأن شجرة الحرّية هي توأم حبة القمح التي تُنبِت كل حبة منها سبع سنابل، وفي كل سنبلة منها مئة حبة٠

والتاريخ مليءٌ بدروسٍ وعِبَر تؤكد أن كلَّ مَن لجأ للقتل والاغتيال يُعاقَب، ومَن أخذ بالسيف بالسيف يؤخذ مهما طال الزمن، فالله يُمهل ولا يُهمل. وفي النهاية لا يصحّ إلّا الصحيح، ويعود الحق لأصحابه، وتعود شعلة الحرية لتضيء طريق الأحرار.

وبالأمس سقط شهيد آخر للأحرار الشرفاء، الذي يتسلّح بالعلم والكلمة الطيبة، ويدعو الى الحرية بالحكمة والتعبير عن الرأي بصوت عالٍ، فجاءه الرد برصاصات خجلت من نفسها، فكانت كاتمة للصوت في رأس رجل أعزل من السلاح٠

وبغض النظر عن الجهة الفاعلة، ومَن حرّض، ومَن خطّط، ومَن نفّذ، فإن الشهيد لقمان سليم مات مظلوماً مدافعاً عن الحرية وبابها بيده المضرجة بالدم البريء، ملتحقاً بقافلة شهداء الكلمة والرأي الحرّ والصحافة الشريفة٠

ولقمان الشهيد ليس غريباً عن ساحة الحرية، فقد كان في مقدمة ثوار ١٧ تشرين الاول (أكتوبر)، ومُشاركاً في الندوات التثقيفية والداعية للحوار البناء، وهو سليل عائلة سليم اللبنانية العريقة، ومن السكان الاصليين لضاحية بيروت الجنوبية٠

ويكفي لقمان فخراً انه نجل المرحوم مُحسن سليم، النائب والمحامي الشهير المدافع عن الحريات ورفيق ريمون إده السياسي الشريف وزعيم الكتلة الوطنية التي كانت في مقدمة المدافعين عن الديموقراطية ومواجهة التهديدات والترهيب٠

ولا بدّ هنا من التذكير بأن والد لقمان كان اول من تصدّى لقتلة الشهيد كامل مروة، ناشر صحيفة “الحياة” اللبنانية، ووافق فوراً على التوكّل عن آل مروة وتفنيد الإدّعاءات وعرض الوثائق وحيثيات الإتهامات٠ وكانت مُطالعته مرجعاً فريداً لكلّ مَن يَعمل في المحاماة والقضاء والدفاع عن الحرية وكشف المجرمين، ومَن حرّضهم، ومَن نفّذ العملية الشريرة برصاصة مسدس كاتم للصوت اخترقت قلب الصحافي المُعلّم في قلب مكتبه٠

ولم تكن مهمة المرحوم مُحسن سليم سهلة، بل واجه خلال المحاكمة كل أنواع الترهيب والترغيب، لكنه لم يستسلم، وأصرّ على المضي في رسالته خصوصاً وأن جريمة الإغتيال كانت الأولى التي تم فيها اعتقال المُنفّذ الأول، والتي كُشفت كل تفاصيلها ودور المخابرات المصرية في عهد الرئيس جمال عبد الناصر … وعليكم ان تتصوّروا حجم التدخلات والضغوط والنفوذ المصري في تلك المرحلة.

وكل هذا لم ينفع في طي الصفحة السوداء بل صدرت أحكام بالسجن على بعض المشاركين وتمّت تبرئة المُحرِّض والمُشرف على التنفيذ في بيروت.

هذاهو محسن سليم، والد الشهيد لقمان سليم، والذي ينطبق عليه القول: هذا الشبل من ذاك الاسد، رحمهما الله واسكنهما فسيح جناته.

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحلّل سيلسي عربي. كان رئيساً لتحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى