“عدّة الشغل” القديمة لبايدن لن تُنهي العُنفَ الإسرائيلي – الفلسطيني

المزيد من الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين أمرٌ لا مفرَّ منه ما لم تُنهِ واشنطن حصانة الدولة العبرية وإفلاتها من العقاب وتضمين الفلسطينيين في أجندتها الديموقراطية العالمية.

حي الشيخ جرّاح: بسببه اشتعلت بين الفلسطينين واسرائيل

زها حسن ودانيال ليفي*

الولايات المتحدة ليست مسؤولة عن الموجة الجديدة من العنف والموت والدمار التي تجتاح إسرائيل والأراضي الفلسطينية التي تحتلها وتسيطر عليها. لكن كان ينبغي لواشنطن أن تتوقّع ذلك.

هذا الإنفجار هو النتيجة الحتمية لحرمان الفلسطينيين الدائم من الحقوق والحريات الأساسية من قبل إسرائيل، ونسيج التمييز والسيطرة الذي تفرضه إسرائيل على كل جانب من جوانب الحياة الفلسطينية، والحصار المستمر لغزة الذي يجعل الحياة هناك أكثر صعوبة. وقد تبنّت الإدارة الأميركية في عهد الرئيس جو بايدن موقفاً مألوفاً بشكلٍ مُحبِط: دعواتٌ لا معنى لها لضبط النفس من كلا الجانبين، ومنع اتخاذ إجراءٍ في مجلس الأمن الدولي، والاختباء وراء فكرةٍ غير معقولة مفادها أن واشنطن ليس لها نفوذ على أحد أقرب حلفائها وأكبر مُتلقٍّ لمساعداتها.

في الأسابيع الأخيرة، كان هناك تصعيدٌ في الإجراءات الإسرائيلية العدوانية تجاه الفلسطينيين في القدس الشرقية (خصوصاً في المسجد الأقصى وحوله والمدينة القديمة خلال شهر رمضان)، وتكتيكاتٌ إستفزازية للشرطة، وإعطاء الضوء الأخضر لمسيرات المتطرفين اليهود الإسرائيليين، والإخلاء الإجباري المُخَطَّط له لست عائلات فلسطينية من منازلها في حي الشيخ جرّاح، وهو منطقة فلسطينية في القدس الشرقية ضمّتها إسرائيل. وتزامن ذلك مع غضب الفلسطينيين الداخلي بسبب تأجيل الرئيس محمود عباس، إلى أجل غير مُسمّى، للانتخابات الفلسطينية التي كان من المقرر إجراؤها بعد توقّف دام 15 عاماً.

إن الإدارة التي بدت مُصَمِّمة على عدم إعطاء الأولوية لمنطقة الشرق الأوسط والصراع الفلسطيني-الإسرائيلي على وجه الخصوص، تُواجه الآن احتمال الانخراط في حريق هائل طويل الأمد. يجب على مجموعة الديبلوماسيين المُتمرّسين المُجتمعين في فريق الأمن القومي التابع لبايدن معرفة الأمر بشكل أفضل. لقد أظهرت تجربتهم الحكومية الخاصة بأن اجتماعات ومذكرات المديرين ونوابهم يمكن بسهولة أن تستهلكها صراعات الشرق الأوسط، بخاصة إذا كانت واشنطن غير مُنسَجِمة وخلف المُنحنى.

في حين أن الإسرائيليين والفلسطينيين هم اللاعبون الأساسيون في الدراما الحالية، فإن الولايات المتحدة هي بلا منازع الفاعل الخارجي الأكثر أهمية في هذه الساحة. إذا استمرت واشنطن في فهم هذا الملف بشكل خاطئ، فإن عواقب إنكار إسرائيل لحقوق الفلسطينيين سوف تضمن فرض نفسها على أجندة السياسة الخارجية الأميركية التي تُفضّل التركيز في مكانٍ آخر.

يجب أن تهتم الإدارة الجديدة ليس فقط باحتمالية االسهو والإرتباك ولإلهاء. هناك خطران إضافيان على الأقل. الأول محلّي: يصرّ جزء من كتلة الحزب الديموقراطي والكونغرس على تطبيق المعايير العالمية لحقوق الإنسان والقانون الدولي لمعاملة الفلسطينيين، بطرقٍ غير مسبوقة. وهذا لا ينسجم مع جناحٍ أكثر تحفّظاً داخل الحزب، والذي منح استثناءات تاريخياً لإسرائيل – ما جعله تحت مستوى أدنى وتأييداً لسرديات اليمين الإسرائيلي والأميركي.

يقوم مجتمع حقوق الإنسان- بما فيه المجموعات الفلسطينيية والإسرائيلية والعالمية- بتوثيق الممارسات الإسرائيلية التي يقولون إنها تُشكّل جريمة الفصل العنصري في وقتٍ يتجمّع الديمقراطيون بشكل متزايد تحت راية العدالة العرقية. وهذا سيجعل فكرة أن العدالة مرغوبة -باستثناء الفلسطينيين- أصعب بكثير للتأييد. سيكون هذا العمل البهلواني الخطابي أيضاً صعب المنال على الساحة الدولية. كانت رسالة “أميركا قد عادت” (America is back) تدور حول دولةٍ تلتزم بالقانون وتُروّج للمعايير وتحترم الحقوق وتقود عودة ظهور الديموقراطيات.

كانت السياسة الخارجية للولايات المتحدة جيدة دائماً في إدارة التناقض والنفاق، ولكن كونها بعيدة كل البعد من هذه الالتزامات والقيم المُعلَنة عندما يتعلّق الأمر بمعاملة إسرائيل للفلسطينيين يُعرّض الحكومة الأميركية إلى نقاط الضعف التي يمكن استغلالها بسهولة من قبل الآخرين. ليس من الصعب تخيّل ما ستقوله بكين: “أنتم تقولون الأويغور، نحن نقول الفلسطينيين”.

سيكون النهج القائم على الحقوق لسياسة الولايات المتحدة في المنطقة أكثر اتساقاً مع أجندة السياسة الخارجية الشاملة لبايدن وسيتطلب استثمارات أميركية أقل، وليس أكثر. يُمكنه عكس خطوط الاتجاه السلبية الحالية وإنشاء سقّالات جديدة يُمكن أن تُبنى عليها جهود السلام المستقبلية.

لتحقيق ذلك، لن يكون مجرد عكس التجاوزات الفظيعة لإدارة ترامب كافياً. كان الوضع الراهن، الذي تبنّته الإدارات الديموقراطية السابقة، يتألف أصلاً من هيكل حوافزٍ مَقلوبٍ يعمل ضدّ السلام، لا سيما من خلال ضمان إفلات إسرائيل من العقاب، وبالتالي تشجيع الاتجاهات الأكثر تطرفاً في السياسة الإسرائيلية والتي يتبعها ويستلزمها إستثماراً كبيراً من الجهد ورأس المال للديبلوماسية الأميركية.

ليس هذا هو الوقت المناسب لواشنطن لتقديم مُخَطَّطٍ جديد للحلّ أو لإعادة تركيز الجهود على الحفاظ على عملية السلام التي عانت منذ فترة طويلة من قانون تراجع العائدات وفشلت في تحقيق أي شيء ذي معنى، ما يضع المفاوضات والترقيع أو العبث الإقليمي فوق حقوق الناس على الأرض.

كانت السياسة الأميركية جيدة في التأكد من حصول الإسرائيليين على الأمن والرفاهية اللذين يستحقونهما. كانت السياسة الأميركية سيئة للغاية في تطبيق تلك المعايير على الفلسطينيين وفي تحدّي النظام المنفصل وغير المتكافئ المعمول به. من المؤكد أن الأمور ستزداد سوءاً إذا استمرّت واشنطن في السير على هذا الطريق – حتى لو تم استبدال الهدم الديبلوماسي للإدارة السابقة بالنوايا الحسنة الواضحة لخليفتها. طريقةُ عكس ذلك هي التركيز على حقوق الإنسان والكرامة والحق في العيش في حرية ومساواة.

كان التأثير المُشَوّه للسياسات الأميركية واضحاً بشكلٍ خاص عندما يتعلّق الأمر بالسياسة الإسرائيلية والرأي العام. إن تساهل واشنطن بالنسبة إلى الممارسات الإسرائيلية التي تتعارض مع كلٍّ من السياسة الأميركية والقانون الدولي قد ساهم في تهميش الأصوات المؤيّدة للسلام وتمكين أولئك الذين لديهم عقلية “يمكننا عمل أي شيء والإفلات من العقاب”.

ساعدت السياسات الأميركية – بخاصة، ولكن ليس فقط، في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب- على دفع التطرّف الإسرائيلي إلى حافة الضم الشرعي للأراضي الفلسطينية، مع تعزيز الضمّ الفعلي بشكل كبير. والأسوأ من ذلك، أنه أتاح إحساساً بين الإسرائيليين بأن حرمان الفلسطينيين من الحريات يُمكن التحكّم فيه بتكلفةٍ مُنخفضة، ما شجّع على اللامبالاة والغطرسة التي انقلبت في الأيام الأخيرة.

إن تركيز الولايات المتحدة على إنهاء حصار غزة ومنع مصادرة الأراضي وهدم المنازل وطرد مالكيها الفلسطينيين؛ السجن الجماعي (بما في ذلك الأطفال)؛ عنف الدولة والمستوطنين؛ والقيود المفروضة على الحياة اليومية للفلسطينيين – في السياسات الأميركية الثنائية والمتعددة الأطراف تجاه إسرائيل- هو الترياق.

في غضون ذلك، يجب على الفلسطينيين بالطبع أن يقودوا تجديد سياساتهم. ومع ذلك، فإن تفضيل الولايات المتحدة وإسرائيل لقيادة فلسطينية غير خاضعة للمساءلة ملتزمة بالوضع الراهن لعملية السلام، بدلاً من قيادة تمثيلية وقوية يمكن أن تتحدّى الاحتلال بشكل أكثر فاعلية، كان له تأثيرٌ مُدمّر.

لقد فشلت إدارة بايدن، على الرغم من التزامها المُفترَض بإعادة إحياء الديموقراطية عالمياً، في دعم الانتخابات الفلسطينية التي طال انتظارها – سواء بشكل خطابي أو في سياساتٍ من شأنها أن تُسهّل بالفعل إجراء تلك الانتخابات.

وبدلاً من ذلك، إختبأت الحكومة الأميركية وراء تصريحاتٍ تدّعي أن الانتخابات هي مسألة يُقرّرها الفلسطينيون، في حين أن إسرائيل هي التي تمنع التصويت الفلسطيني في القدس الشرقية. وكان للولايات المتحدة (جنباً إلى جنب مع شركائها في الرباعية، روسيا، والأمم المتحدة، والإتحاد الأوروبي) دورٌ في إصدار مرسوم رئاسي للسلطة الفلسطينية ووضع مطالب فريدة على “حماس”، يهدف ليس لحماية حياة المدنيين الإسرائيليين ولكن لتحييد آفاق المصالحة الفلسطينية.

إن السياسة الأميركية التي تظل تُحلّق بواسطة طيارٍ آلي ستفشل. على الرغم من أن واشنطن لم تبدأ هذه الجولة الجديدة من العنف، إلّا أنها تضع إبهامها على الدوام على نطاق المزيد من الظلم والصراع. قد يكون الصراع الحالي مجرّد صورة عابرة وينتهي فجأة كما بدأ. ولكن في غيابِ تغييرٍ في نهج الولايات المتحدة، فإن تجدّد الصراع أمرٌ لا مفرّ منه، ومع كل تكرارٍ ستتدهور شروط الاشتباك أكثر، الأمر الذي سيترك أميركا تحمل باستمرار عبئاً شرق أوسطياً أثقل بينما تسعى إلى تركيز طاقتها في مكان آخر.

  • زها حسن زميلة زائرة في برنامج الشرق الأوسط التابع لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ومستشارة سابقة للمفاوضين الفلسطينيين. يمكن متابعتها عبر تويترعلى: @zahahassan. ودانيال ليفي هو رئيس “مشروع الولايات المتحدة/الشرق الأوسط” وعمل مفاوض سلام إسرائيلي في محادثات “أوسلو ب” في عهد رئيس الوزراء إسحق رابين ومفاوضات طابا مع رئيس الوزراء إيهود باراك.
  • يصدر هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” توازياً مع صدوره بالإنكليزية في “فورين بوليسي” الأميركية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى