علاقات تركيا السيّئة مع الغرب ستتوتّر أكثر في عهد بايدن

بقلم كابي طبراني*

بينما يستعد الرئيس الأميركي المُنتَخب جو بايدن لتولّي منصبه في وقت لاحق من هذا الشهر، يتطلّع العديد من حلفاء وشركاء أميركا إلى فُرصةٍ لتحسين العلاقات مع واشنطن. لكن تركيا، بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، ستواجه معركة شاقّة لتسوية نزاعاتها المستمرة مع الولايات المتحدة، ناهيك عن حلفائها الآخرين في حلف شمال الأطلسي (الناتو).

هناك ثلاثة عوائق رئيسة أمام إعادة ضبط وترتيب علاقات تركيا مع الغرب. أولاً، لا تزال أميركا على خلاف مع أنقرة بشأن قرار أردوغان شراء نظام دفاع صاروخي مُتقدّم من روسيا. ثانياً، يُفكّر الإتحاد الأوروبي في فرض عقوبات صارمة على تركيا بسبب أنشطة التنقيب التي تقوم بها في شرق البحر المتوسط​​، في المياه التي تدّعي كلٌّ من اليونان وقبرص بأنها من ضمن منطقتها الإقتصادية الخالصة. وثالثاً، بغض النظر عن تلك الضغوط الخارجية، من المرجح أن تستمر حكومة أردوغان في تقويض ومعارضة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كجزء من حملتها المحلية لإبقاء الناخبين الأتراك إلى جانبها من خلال تحفيز المشاعر القومية.

في وقت سابق من الشهر الفائت، فرضت إدارة دونالد ترامب عقوبات مُستَهدِفة ضيِّقة ولكنها مع ذلك صارمة ضد تركيا ردّاً على استحواذها نظام الدفاع الصاروخي الروسي الصنع “أس-400” في العام 2019. العقوبات، التي استهدفت صناعة الدفاع التركية، فُرِضَت بموجب “قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات” لعام 2017. وقد ضمّن الكونغرس، الذي كان غاضباً من التأجيل، بنداً يقضي بفرض العقوبات في غضون 30 يوماً في مشروع قانون الدفاع السنوي الذي أقرّه بغالبية ساحقة في كانون الأول (ديسمبر) 2020.

واجه قرار أردوغان شراء منصّة “أس-400” منذ فترة طويلة مقاومة شرسة من أميركا وحلف شمال الأطلسي، لأن النظام لا يتوافق مع البنية التحتية الدفاعية الحالية للحلف. يُمكن للرادار المُتقدّم تكنولوجياً أيضاً جمع معلومات حساسة حول قدرات “الناتو” – وعلى الأخص، الطائرات المقاتلة الشبح “أف-35” التي تم نشرها حديثاً. لقد دفع أردوغان ثمناً باهظاً لإصراره على الاحتفاظ بمنظومة “أس-400”. بعد تسليم موسكو لأول بطاريات صواريخها إلى تركيا في منتصف العام 2019، اتخذت واشنطن  خطوة غير مسبوقة بإخراج تركيا من برنامج طائرة “أف-35″، وإلغاء شحن حوالي 100 طائرة من هذا النوع كانت مخططة لتسليمها إلى أنقرة.

بالمقارنة مع هذه الخطوة، كانت العقوبات الأخيرة بموجب “قانون مكافحة أعداء أميركا” محدودة النطاق لمنع حدوث ضرر أوسع للإقتصاد التركي. سوف تحدّ بشكل أساس من وصول القوات المسلحة التركية إلى المعدات العسكرية الأميركية. ومع ذلك، فإنها تعكس العداء المتزايد تجاه تركيا بين المُشرّعين الأميركيين. ما لم تُغيّر أنقرة مسارها بشكل كبير في ظل إدارة بايدن المقبلة، فمن غير المتوقع أن ترفع الحكومة الأميركية هذه العقوبات، الأمر الذي سيعزل تركيا داخل “الناتو”.

من المرجح أيضاً أن تتابع إدارة بايدن بشكل أكثر جدية القضايا الجنائية المُعَلَّقة ضد الكيانات التركية التي توقّفت أو تباطأت في عهد الرئيس دونالد ترامب، ما قد يزيد من توتر العلاقات الثنائية. في تشرين الأول (أكتوبر) 2019، وجه المُدَّعون الفيدراليون الأميركيون الإتهام إلى بنك خلق (Halkbank)، وهو مصرف تركي كبير مملوك للدولة، لتورّطه المزعوم في “مخطط بمليارات الدولارات للتهرّب من العقوبات الأميركية على إيران”. لكن قبل توجيه لائحة الإتهام، إستسلم ترامب على ما يبدو لضغوط أردوغان لتأجيل متابعة القضية، ولم تسمح وزارة العدل التابعة له بتوجيه اتهامات ضد بنك خلق إلّا بعدما أمر أردوغان القوات التركية بالدخول إلى سوريا، ما أثار رد فعل عنيفاً من الولايات المتحدة في حزيران (يونيو). ومن بعدها، تم طرد المدعي العام الفيدرالي الأعلى في مانهاتن، جيفري بيرمان، لرفضه منح تسوية إيجابية لبنك خلق تنطوي على حصانة للأفراد المشتبه في تورّطهم في القضية.

ومن المؤكد أن خليفة بيرمان، الذي سيُعيّنه وزير العدل في إدارة بايدن، سوف ينظر في هذه القضية حتى نهايتها. إذا تمت إدانة بنك خلق، فقد يواجه عواقب مالية وخيمة، مع فرض غرامات بمليارات الدولارات، وستظهر الآثار المتتالية في جميع أنحاء الاقتصاد التركي. يُمكن للمُدّعين العامين الأميركيين أيضاً توجيه اتهامات إلى المديرين التنفيذيين لبنك خلق وغيرهم من الأفراد المُتورّطين في تسهيل المعاملات المشبوهة.

ضغط أردوغان بشدة لردع مثل هذه التحرّكات، ويُقال إنه يتواصل بالفعل مع فريق بايدن من أجل تخفيض حدّة التوتّر. لكن من غير المرجح أن يتدخّل بايدن في قضية بنك خلق، نظراً إلى رغبته في استعادة استقلالية وزارة العدل بعدما جعلها ترامب مركزأً للنيل من خصومه. كما تعهّد بايدن بإعادة بناء سمعة أميركا بين حلفائها وشركائها باعتبارها نصيراً للمؤسسات الديموقراطية القوية وسيادة القانون. وهذا يعني أنه في كلٍّ من قضية بنك خلق ونزاع صواريخ “أس-400″، سيقع العبء على عاتق أردوغان لتحسين العلاقات الثنائية باتخاذ خطوات جريئة، مثل إنهاء استحواذ الصواريخ الروسية وعرض تسوية لقضية بنك خلق بشروط مقبولة من المُدَّعين العامين في وزارة العدل في إدارة بايدن.

ولكن، من غير المرجح أن يُقدِم أردوغان على فعل ذلك نظراً إلى موقفه السلبي المستمر تجاه الولايات المتحدة والغرب، والذي غالباً ما يلقي باللوم عليهما في مشاكل تركيا. جزئياً بسبب هذا التاريخ من الخطاب السلبي، فإن 48٪ من الأتراك يعتبرون أميركا الآن أكبر تهديد لبلدهم، وفقاً لمسحٍ إستقصائي حديث.

يسود رأي مُماثل تجاه الإتحاد الأوروبي، الذي يُهدّد بفرض عقوبات على تركيا بسبب تحركاتها العدوانية في المياه المتنازع عليها في البحر الأبيض المتوسط. طوال العام 2020، وسعت حكومة أردوغان طموحاتها وعملت بناءً على مطالباتها المُوسَّعة بشأن حقوق التنقيب عن رواسب النفط والغاز في قاع شرق البحر الأبيض المتوسط. تُعادي أنقرة  بشكل خاص اليونان وقبرص، حيث تتهم الأولى بمحاولة تحويل بحر إيجه إلى “بحيرة يونانية”، بسبب تعدّد الجزر اليونانية التي تزعم أثينا أن لكلٍّ منها منطقتها الاقتصادية الخاصة التي تمتد 200 ميل بحري حول محيطها.

من جهته ردَّ أردوغان بقوة على مزاعم اليونان من خلال نشر سفن استكشاف في أعماق البحر في المياه المتنازع عليها، بمرافقة عناصر من البحرية التركية. واستجابت دول أوروبية أخرى، وخصوصاً فرنسا، بإرسال سفنها البحرية لمساعدة اليونان وقبرص، ما زاد التوترات بل وأثار المخاوف من وقوع نزاعٍ عسكري في البحر. وبينما يعرف أردوغان أن المواجهة تضرّ بعلاقاته مع كلٍّ من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فإنه يفضل إبقاء الرأي العام التركي مُركّزاً ضد الغرب. على الرغم من أن هذه الاستراتيجية تبدو قصيرة النظر، إلّا أنها ذات أهمية حيوية لأردوغان، الذي يحتاج إلى تعزيز دعمه في الداخل إذا كان يأمل في الحفاظ على بقائه في السلطة.

لا تزال الحكومة التركية قلقة للغاية من تصاريح إدارة بايدن التي تعهّدت باستعادة وضع أميركا على المسرح العالمي من خلال العمل عن كثب مع حلفائها الأوروبيين. لكي يتم إدراج تركيا تحت هذه المظلة، ستكون هناك حاجة إلى تغييرات كبيرة في السياسة والسلوك من قبل أردوغان، وهو أمر غير مرجح. وبدون هذه التغييرات، من المتوقع أن تواجه أنقرة المزيد من الإجراءات العقابية في شكل عقوبات، ما يؤدي إلى مزيد من العزلة الإقتصادية والديبلوماسية والعسكرية.

  • كابي طبراني هو ناشر ورئيس تحرير “أسواق العرب”. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @GabyTabarani

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى