في معنى التَحَدِّي والمُوَاجَهَة

راشد فايد*

أما وقد تبنّت المعارضة في لبنان ترشيحَ الوزير السابق جهاد أزعور لرئاسة الجمهورية، بعدما أخلى له الدرب إليها النائب ميشال معوّض، فإن التساؤلَ المُلِحّ، اليوم، هو ماذا لدى جماعة المُمانعة والمُنازعة للإستمرار في الهروب من الاستحقاق الدستوري، ورمي قنابل دخانية للتعمية على استنفاذها كل ما يمكن أن تستنبطه من مدرسة غوبلز النازي، ومنها أكاذيبها في توصيف معوّض، ولاحقًا ازعور، بانهما مُرَشَّحا تحدٍّ، ومواجهة، وغير جدِّيَين.

التساؤلُ الذي ينسَلُّ من بين هذه العناوين، هو هل المطلوب مرشّح متسوِّل في السياسة، خنوع، عبوس، يُولَدُ على أيديهم، لذا ينكرون على نواب المعارضة أن “يجيزوا لأنفسهم ترشيح مَن يريدون”، حسب خطاب للنائب حسن فضل الله، ينكر فيه على معارضي حزبه حقّهم في ترشيحِ أيٍّ كان، وفي المطلق، “فلن يصلَ مُرشَّحُ التحدّي والمواجهة إلى بعبدا أيّا يكن”. لكن بأيِّ قوة لن يصل؟

لا يُلوِّح النائب الكريم بـ7 أيار جديدة، لكنه يؤشّر إليها، لمعرفته بأن الظروف الإقليمية والدولية لا تبيح الأمر، وإذا أباحته، فلن يكونَ كالمرة السابقة، أي بلا مقاومة شعبية، لأن اللبنانيين دفعوا ثمن التحرير، جنوبًا زعزعة في السلم الأهلي، وتسلّطًا على القرار الوطني، وإن قبلوا المأساة الماضية، فلن يقبلوا بمهزلة تكرارها، لذا ليس أمام جماعته سوى دخول قاعة مجلس النواب والإحتكام للإقتراع، وإلّا لما كان الدستور هو المرجع الدائم في الدول المحترمة، وقد أبعدنا حزبه عن قيمها ومبادئها. وإلّا يكون هذا الحزب ساعيًا بالبلاد إلى التهلكة، وبتصميمٍ قاتل لا يمارى، على طريقة “مخايل الضاهر أو الفوضى” التي قالها الموفد الأميركي ريتشارد مورفي حين نقل اسم المرشّح الأوحد لرئاسة الجمهوريّة في العام 1988. واليوم يقولها الحزب بتهديد واضح ” سليمان فرنجية أو الفوضى”.

بين الإصرارِ على تعطيلِ الدستور بإقفال مجلس النواب، والحيلولة دون انتخاب رئيس، إلّا بشروطِ الممانعة، تحت غيمة كثيفة من الشعارات الكاذبة وتشكيكٍ زائف بوطنية الآخرين، يبدو الحزب في حالِ مُماطلة في التسليم بمنطق الدستور، ووقف رمي فقّاعات الهواء لإشغالِ اللبنانيين عن جرائم الفساد، وتفجيرِ المرفَإِ وتهالك المؤسسات العامة والبنى الإقتصادية والقطاعات المهنية.

كان لافتًا استعجال الحزب توجيه قذائفه الخطابية على الوزير أزعور، فور إعلان تبنّي المعارضة له، كأنه يؤكد عدم رغبته في خروج لبنان من وحول أزماته، ويستدرج تمديد الأزمة، لتمكين قبضته من “مصادرة” البلاد ومؤسساتها. ومن أسف أن الرد على ذلك بدل أن يكون بمزيد من التمسك بتطبيق “اتفاق الطائف” وتصحيح ثغراته، تتعالى أصوات الداعين إلى “الفيدِرالية” كأن مشكلة السلاح تُحَلُّ بالجغرافيا، وليس بالعودة إلى الدستور، علمًا أن تغيير النظام في لبنان لا يمرّ بولادة طبيعية، وما الوصول إلى اتفاق الطائف إلّا شهادة على الكلفة الباهظة للعودة إلى الدولة، وولادة الجمهورية الثانية المُجهَضة.

ليس ترشيح أزعور مناورة إلّا بنظر الحزب المسلّح، لكنه كشف صدمته به، وتجلّت برد خطبائه بلغة واحدة، وصيغة مُكرَّرة، لا تستقيم بعين عاقل، وتوضّح أنَّ الحزبَ لا يريد انتخاب رئيس، على الأقل راهنًا، كأنما ينتظر مستجدّات محلية أو إقليمية، يأمل أن تلبّي بحثه عن إعادة صياغة النظام بما يكافئ دور سلاحه كقوة ضغط داخلي بعدما هيمنت “قواعد الاشتباك” و”ترسيم الحدود البحرية” على المواجهة مع العدو الاسرائيلي.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى