دولةٌ شوساء… حجْمُها 100 غرام خبز

بقلم هنري زغيب*

أَلا افرَحوا معنا يا جميعَ الشعوب، وهلِّلي لنا يا جميع الأُمم: ها إِنَّ دولتَنا الشوساء سَخَت علينا  بـ100 غْرام من الخبز لمدة 62 يومًا.

ما أَكبرَ حظَّنا، وأَوفرَ النِعَمَ علينا، وما أَغنانا بدولتنا الغنية!

مَن مِن دُوَل العالم تَسخى على شعبها بـ100 غْرام من الخبز؟

فَلْيَسْكُتِ النقَّاقون، ولْيَخْجَلْ أُولئك الذين لا يُعجبُهم عَجَب مهما فعلَت لهم دولتُنا من خير ومهما قدَّمَت من عطايا لشعبها الحبيب.

ما الذي لا يُعجبُهم هؤَلاءِ الذين لا يُعجبُهم عجَب؟ وَلَوْ ؟! إِلى هذا الحدّ انقطَع شرش الحياء في المواطنين؟

ها هي دولتُنا الشوساء تَسخى علينا، على الأَقل، على الأَقلّ، بساعتَين من الكهرباء يوميًّا عوَضَ أَن تحرِمَنا منها 24 ساعة، أَلا يُعجبُهم؟

وها هي دولتُنا الشوساء تُرسل موظَّفيها بالمئات كي يُراقبوا الأَسعار ويُسطِّروا يوميًّا مئات المحاضر بـمُخالفين يدخلون السجن فورًا. فلماذا النقّ إِذًا؟ 

وها هي دولتُنا الشوساء جيَّشَت فِرَقَ إِنقاذٍ من مغاوير البحر كي تُخلِّص من الموت مواطنين هَجُّوا منها عن شاطئ طرابلس يأْسًا وقَرفًا وغضبًا وضاعت بهم عَــبَّاراتُ الموت في عُرض البحر. أَفلا يجمُل بالنقَّاقين أَن يرفعوا إِلى الدولة مدائح الشكران؟

وها هي دولتُنا الشوساء هيَّأَت جميع أَسباب الوقاية من وباء الكورونا الثقيل الدم فَقَطَعَت دابره كُليًّا وأَمرَت بفتْح المسارح والمراقص والمطاعم وصالات السينما والحفلات، وسمحَت حتى بشُرب الأَركيلة المُغذِّيةِ شرايينَ القلب، وتُرسِل عشرات المراقبين نهارًا والعسَس ليلًا لمراقبة كلِّ مَن يخالف تعليماتها في الوقاية، فلِمَ لا يزال النقَّاقون ينقُّون؟

وها هي دولتُنا الشوساء نظَّفَت مجرى نهر الليطاني حتى آخر بقرة نافقة وآخر بقعة زيت صناعي مسرطِن، وباتت مياهُه أَشهى من الماء القَرَاح وأَنقى من قناني المياه المعدنية. ومع ذلك ما زال المواطنون ينقُّون على الدولة ولا يُعجبُهم العَجَب.

وها هي دولتُنا الشوساء سهرانةٌ على حياة المواطنين حتى أَنها لـمَّت جميع قطَع السلاح المتفلِّت من أَيدي المواطنين القليلي الذَوق، وسحبَت منهم آخِر سكين مطبخ مشْبوه، وترحَّمت على ضحايا الرصاص الطائش قضاءً وقدرًا، وعمَّ الأَمن والأَمان على جميع الأَراضي اللبنانية الشقيقة، فلماذا لا نعطيها هذا الرصيدَ الـمُحِق؟

وها هي دولتُنا الشوساء أَمَّنَت لشعبها المحبوب جميع وسائل النقل العام من باصات وقطارات، على طرقات ساحرة التزفيت، وشبكةِ سكك حديدية تربط شمال لبنان بجنوبه ببقاعه حتى إِذا بلغَت مداخلَ بيروت استحالت أَنفاقًا تحت الأَرض كي لا تَتَسَبَّب بزحمة سير في شوارع العاصمة الحبيبة النظيفة من براميل الزبالة ومستوعبات النُفايات. أَفلا يرضي هذا حضرةَ المواطنين المعتادين على النَق المجاني؟

إِن هذا، فعلًا، لَـمِن العجَب العُجاب أَن تُقَدِّمَ دولتُنا الشوساء جميع هذه الخدمات المجانية لمواطنيها الأَحباء، ويظلَّ المواطنون لا يُعجبُهم عجَب، ويظلُّوا يتطلَّعون إِلى سويسرا ويرفضون أَن يسمى لبنان “سويسرا الشرق”، ويطالبون دولتَنا الشوساء أَن تتقدَّم بطلب إِلى منظمة الأُمم المتحدة كي تتَّخذ في جلسةٍ عامةٍ قرارًا بالإِجماع يقضي على هذه السويسرا المتغطْرسة هناك بأَن تتَمثَّل هي بنا وأَن تُسَمى “لبنانَ الغرب”.

والسلامُ على من اتَّبع هُدى دولتنا الشوساء، ولنُنَادِ العالم كلَّه أَن تتمثَّل دُوَلُهُ بدولتِنا فنصيحَ كلَّ صباح: “افرحوا معَنا يا جميعَ الشعوب، وهلِّلي لنا يا جميع الأُمم”. 

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: henrizoghaib.com أو عبر تويتر:  @HenriZoghaib

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى