المصارف ما بعد وباء كورونا لن تكون كما قبله

بقلم كابي طبراني

كشفت أزمة “كوفيد-19″ بأن البنوك في كل أنحاء العالم، باستثناء لبنان، ليست لديها مشكلة للتغيير والتحوّل ويُمكنها أن تكون جُزءاً من الحلّ. وقد أثبتت حتى الآن أنها مَرِنة، وذلك نتيجةً لمتطلبات رأس المال والسيولة الصارمة التي فُرِضَت عليها عقب الأزمة المالية العالمية 2007-2009. اليوم، يستخدم العديد من الحكومات المصارف لتوجيه وتحويل الأموال إلى الأُسر والشركات التي تضرّرت من التداعيات الإقتصادية للوباء.

علاوة على ذلك، مَنَحَت الحكومات المصارف وقفاً مؤقتاً لتطبيق معايير تنظيمية وإشرافية أكثر صرامة، من أجل الحدّ من الإجراءات الدورية المُحتمَلة التي تم إدخالها في العقدين الأخيرين وتجنّب أزمة ائتمان. والنتيجة، أصبحت لدى البنوك الآن، باستثناء المصارف اللبنانية، فرصةً لعكس الضرر الذي لحق بسمعتها في الأزمة المالية.

مع ذلك، فهي ليست مُحصّنة وبعيدة من مأزق. ويرجع الأمر جزئياً إلى أن الأزمة ستزيد بشكل حاد حجم القروض المُتعثّرة. وكما يشير تقرير صدر أخيراً بعنوان ” النموذج لأعمال البنك في عالم ما بعد كوفيد-19″، فإن الوباء سيزيد من الضغوط الموجودة أصلاً، خصوصاً أسعار الفائدة المُنخفضة والخلل الرقمي، على ربحية البنوك.

الواقع أن الرقمية ستتقدم الآن بسرعة، لأن البنوك والعملاء على السواء قد أدركوا أنه يمكنهم العمل والتشغيل والتعامل عن بُعد بطريقة آمنة وفعّالة. ستؤدي الزيادة الناتجة من الإستثمارات الكبيرة في تكنولوجيا المعلومات إلى جعل العديد من شبكات الفروع الممتدة للبنوك عديمة الفائدة ولا لزوم لها، وإقفالها في وقت أقرب مما كان مُتَوَقّعاً، خصوصاً في أوروبا. وسيتطلب ذلك إعادة هيكلة عميقة للقطاع.

البنوك متوسطة الحجم ستُعاني لأنها ستجد صعوبة في تحقيق الكفاءة من حيث التكلفة والإستثمار في تكنولوجيا المعلومات اللازمة في البيئة الجديدة. على الرغم من أن الاندماج أو الدمج يُمكن أن يُوفّر للمصارف المُجهَدة والمتعثّرة مخرجاً، إلا أنه من المُحتمل أن تنشأ عقبات سياسية أمام عمليات الإندماج عبر الحدود في العديد من الولايات القضائية حيث أصبحت الحكومات أكثر حماية للأنظمة المصرفية الوطنية. في أوروبا، على سبيل المثال، حيث ارتفعت النزعة القومية المصرفية، باستثناء المملكة المتحدة، يبدو الإندماج المحلي أكثر احتمالاً.

بالإضافة إلى ذلك، قد تواجه البنوك مُنافَسةً مُتجدِّدة من بنوك الظل والشركات المالية الرقمية الجديدة التي كانت تتحدّى أصلاً نموذج الأعمال المصرفية التقليدية قبل الوباء. في الولايات المتحدة، حقّقت شركات التكنولوجيا المالية، أو ” fintechs”، نجاحات مهمة في مجال الرهون العقارية والقروض الشخصية. وفي الأسواق الناشئة، أصبحت الشركات الرقمية الكبرى “BigTechs” – منصات رقمية كبيرة، مثل “آلي باي” (Alipay) في الصين – تُهيمن على بعض قطاعات السوق مثل أنظمة الدفع.

يشير التحوّل الرقمي السريع الناتج من إجراءات الإغلاق لمكافحة “كوفيد-19” إلى أن وتيرة التغيير في القطاع المصرفي قد تُفاجئ الجميع. وقد يؤدي هذا التسارع بدوره إلى تسريع اعتماد أشكالٍ مُختلفة من العملات الرقمية، بما في ذلك من قبل البنوك المركزية.

من خلال التخفيف والتقليل من حواجز الدخول والخروج في سوق الخدمات المالية، ستعمل الرقمنة على زيادة الضغوط التنافسية وتقييد ربحية البنوك الحالية في المدى القصير. لكن تأثيرها في المدى الطويل هو أكثر غموضاً، وسيعتمد على هيكلية السوق التي تسود في نهاية المطاف.

إحدى النتائج المُحتَملة هي أن بعض المنصّات السائدة، ربما بعض الشركات الرقمية العملاقة الحالية، بالإضافة إلى بعض الشركات الحالية المُحَوَّلة والمتحَوِّلة، ستتحكّم في الوصول إلى قاعدة عملاء مُجزّأة تعيش في أنظمة بيئية مالية مختلفة. في هذه الحالة، سيقوم العملاء بتسجيل طلباتهم على منصة، وسوف يتنافس مُزوّدو الخدمات المالية لتزويدهم. وتعتمد درجة تنافس المنصّة ومستوى خدمة العملاء على تكاليف التحوّل من نظام بيئي إلى آخر: كلما كانت أعلى، كانت السوق أقل تنافسية.

وقد تكيّف منظمو البنوك فعلياً مع عالم ما بعد الوباء بتخفيف الجدول الزمني لتنفيذ متطلبات رأس المال. بالإضافة إلى ذلك، فإن الإضطراب الرقمي يتطلب منهم موازنة تعزيز المنافسة والإبتكار مع الحاجة إلى حماية الإستقرار المالي.

من أجل القيام بذلك، يجب على المُنظّمين ضمان تكافؤ الفرص، وتنسيق القوانين الإحترازية وسياسة المنافسة مع سياسات البيانات. سيتطلب ذلك التنقل بين المقايضات المُعقّدة واستقرار النظام وسلامته وكفاءته وقدرته التنافسية وخصوصيته.

سيختبر الوباء وتداعياته مرونة النظام المالي والإصلاحات التنظيمية التي أُدخِلت بعد أزمة 2007-2009. وقد خلص التقرير الأول لمبادرة الخدمات المصرفية في كلية إدارة الأعمال في جامعة نيفارا في العام الفائت إلى أن هذه الإجراءات قد جعلت البنوك أكثر سلامة، ولكن لا يزال هناك بعض العمل الذي يَتعيَّن القيام به، بخاصة في ما يتعلق بمصارف الظل.

ستعمل الإستجابة للأزمة الحالية على توسيع حدود تدخل البنوك المركزية، خصوصاً في أوروبا، حيث قد تُصبح القدرة على تحمل الديون السيادية قضية أكثر بروزاً في المدى المتوسط. علاوة على ذلك، ستختبر الأزمة الإتحاد المصرفي في منطقة اليورو، والذي لا يزال غير مُكتَمِل بدون تأمين مشترك على الودائع.

لدى البنوك فرصة لتحسين صورتها العامة المُنهارة من خلال لعبِ دورٍ بنّاء في التخفيف من الأزمة الإقتصادية الحالية. ولكن مع انتشار “كوفيد- 19″، الذي من المتوقع أن يعمل على تسريع رقمنة وإعادة هيكلة القطاع، فإن مستقبلها قد يصبح قريباً أكثر غموضاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى