التجاوُز الخطير لإسرائيل في سوريا: خَلقُ عدوٍّ من حَليفٍ جديدٍ مُحتَمَل
يُشبهُ نهجُ إسرائيل الحالي في سوريا جهودها لإنشاء منطقة أمنية في جنوب لبنان في الثمانينيات والتسعينيات، والتي أسفرت عن حرب استنزاف عمّقت الاستياء اللبناني وسهّلت على “حزب الله” السيطرة على البلاد بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي في العام 2000.

شيرا إيفرون وداني سيترينوفيتش*
في الأشهر التي تلت انهيار نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ازدادَ النشاطُ العسكري الإسرائيلي في سوريا عُدوانِيَّةً. استولى الجيش الإسرائيلي على المنطقة العازلة التي تُراقبها الأمم المتحدة والتي أُنشئت بعد حرب يوم الغفران (حرب أكتوبر) في العام 1973. ونفّذَ ضربات منهجية ضد البُنية التحتية السورية -قصف شبكات الدفاع الجوي، ومستودعات الأسلحة، وأنظمة الصواريخ، والقدرات الاستخباراتية- وأنشأ تسعةَ مواقع عسكرية جديدة. وقد أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، مرارًا وتكرارًا أنَّ الجيش الإسرائيلي سيبقى في سوريا “إلى أجلٍ غير مُسمّى”. وفي آذار (مارس)، أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن خططٍ لإنشاءِ مناطق نفوذ من خلال إقامة تحالفات مع الأقليات، بالإضافة إلى إنشاءِ منطقةٍ منزوعة السلاح بطول 30 ميلًا تمتدُّ من الحدود الإسرائيلية إلى دمشق.
يُمثّلُ كلُّ هذا تحوُّلًا جذريًا عن نهجِ إسرائيل الحذر السابق تجاه جارتها الشمالية الشرقية. كانت إسرائيل تشعرُ أنها قادرة على إدارة نظام الأسد، وبدأت تصرفات الجيش الإسرائيلي بعد كانون الأول (ديسمبر) 2024 كجُهدٍ مفهوم لمنع وقوع القدرات الاستراتيجية في أيدٍ مجهولة. إنَّ القلق الإسرائيلي بشأن الزعيم السوري الجديد، أحمد الشرع، مُبَرَّر، بالنظر إلى ارتباطاته الإرهابية السابقة وحقيقة أنَّ لقبه العسكري السابق، الجولاني، يعكُسُ رغبته في تحرير مرتفعات الجولان من الاحتلال الإسرائيلي. لكنَّ إسرائيل الآن تُبالِغ. بعد أن استولى على دمشق، انحنى النظام السوري الجديد للخلف للإشارة إلى أنه ليست لديه مصلحة في الصراع مع إسرائيل، حتى أنه طرح إمكانية تطبيع العلاقات. يجب الحكم على الحكومة السورية الجديدة من خلال أفعالها وليس فقط أقوالها. لكنها تُقدّمُ لإسرائيل فرصة ذهبية مُحتملة لتعميق عزلة إيران، وتحويل سوريا من عدوٍّ إلى جارٍ مسالم، وتحقيق الاستقرار في منطقتها.
على الرُغم من أنَّ المخاوف الحقيقية المُتعلّقة بالأمن القومي هي التي تُحرّكُ نهج الحكومة الإسرائيلية تجاه سوريا، فإنَّ شوقها لإثبات قوتها وتفوّقها وعزيمتها لجيرانها، وكذلك لمواطنيها، الذين تضرّروا بشدة من فشل حكومتهم في حماية حدود البلاد في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، هو الذي يدفعها أيضًا لفعل ذلك. إذا استسلم قادة إسرائيل لرغبة تصعيد توغّلاتهم في سوريا، فقد يخلقون عدوًا جديدًا في مكانٍ لا يوجد فيه عدوٌّ حاليًا. وستُفاقم إسرائيل من خلافها مع تركيا، مما يدفع البلدين نحو شفا صراعٍ عسكري جديد لا داعي له. بدلًا من ذلك، يجب على إسرائيل أن تُعلن أنَّ توغّلاتها الإقليمية مؤقتة، وأن تُساعدَ على تخفيف الأزمة الإنسانية في سوريا، وأن تتوقّف عن تقويض محاولات تركيا لمساعدة الشرع على تحقيق الاستقرار في البلاد والتصدّي للنفوذ الإيراني. كما ينبغي على إسرائيل الاستعداد للعمل مع دمشق طالما أنها لا تتخذ، أو تسعى إلى اتخاذ، إجراءات تُهدّد أمن إسرائيل.
تغييرٌ في الرأي
في ظلِّ ربع قرنٍ من حكم الأسد، أصبحت سوريا جُزءًا لا يتجزّأ مما يُسمى “محور المقاومة” الإيراني. عمل الأسد على تعميق تحالفه الاستراتيجي مع “حزب الله”، ما ساعدَ على تحويل الجماعة المسلحة اللبنانية إلى جيشٍ إرهابي خطير من خلال السماح لها باستخدام الترسانات السورية والقدرات الاستراتيجية التي تلقّاها الأسد من روسيا، مثل الصواريخ الباليستية المتطوّرة وأنظمة الدفاع الجوي. لقد أُصِيبت إسرائيل بصدمةٍ جرّاء حربها في العام 2006 ضد “حزب الله” (التي اعتبرها “حزب الله” انتصارًا)، وقضى الإسرائيليون العقد التالي في الغالب مُمتَنِعين عن محاولة تعطيل تحالف سوريا مع الحزب. عندما اندلعت الحرب الأهلية السورية في العام 2011، حاولت إسرائيل مَنعَ تَرسيخِ موطئ قدم “حزب الله” وإيران في سوريا من خلال تنفيذ ما أسمته “الحملة بين الحروب”، مع التركيز بشكلٍ أساسي على منع إيران من تهريب الأسلحة إلى لبنان. ولكن على الرُغم من أنَّ إسرائيل لم تدعم رسميًا أيًا من الجانبين في الحرب الأهلية السورية، إلّا أَّن القادة الإسرائيليين فضّلوا الأسد على معارضيه، ووصفوه في السر بأنه “الشيطان الذي نعرفه” وتأكدوا من أنَّ جهود إسرائيل لمواجهة نفوذ إيران المتزايد لن تعرِّضَ حكمه للخطر.
لم يَتَغَيّر نهجُ إسرائيل في سوريا فورًا عقب هجوم “حماس” في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023. لكن ذلك الهجوم المُدمّر أحدثَ تغييراتٍ جذرية. أوضحَ الهجومُ أنَّ إسرائيل أخطأت في تقدير نوايا وقدرات الخصم؛ كما اتضح أنَّ أجهزة الأمن الإسرائيلية اعتمدت بشكلٍ مفرط على المراقبة الإلكترونية لتأمين الحدود مع غزة. كانَ الدرسُ الذي استخلصه العديد من المسؤولين الإسرائيليين هو أنَّ استراتيجيتهم القائمة على “الهدوء مقابل الهدوء” -أي غضّ الطرف عن الاستفزازات الصغيرة لتجنُّب الصراع الكبير- قد فشلت. ونتيجةً لذلك، غيّر الجيش الإسرائيلي عقيدته على طول حدود إسرائيل، مؤكّدًا على العمل الوقائي وإنشاء ما يسمّى بالمناطق العازلة في أراضي الخصوم.
على مدارِ الأشهر الثمانية عشر الماضية، ازدادت رغبةُ إسرائيل في ترسيخِ المناطق العازلة. في آذار (مارس) 2025، صرّح وزير الدفاع كاتس بأنَّ العمليات البرّية الموسّعة للجيش الإسرائيلي في غزة تهدف، جُزئيًا، إلى “الاستيلاء على أراضٍ واسعة” تُضافُ بشكلٍ دائمٍ إلى “المناطق الأمنية لدولة إسرائيل”. في لبنان، ورُغمَ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار مع “حزب الله” في تشرين الثاني (نوفمبر)، ورُغمَ تولّي حكومة جديدة أقل ولاءً ل”حزب الله” مقاليد الأمور في بيروت في شباط (فبراير)، لا يزال الجيش الإسرائيلي متمركزًا في خمس نقاط استراتيجية قرب الحدود. ويهدف هذا إلى طمأنة سكان الحدود الإسرائيليين بأنهم لن يُترَكوا أبدًا بلا دفاع.
ورُغمَ أنَّ الحملة الإسرائيلية المُميتة ضد “حزب الله” وجهودها الرادعة ضد إيران، بالإضافة إلى انشغال روسيا بأوكرانيا، قد تركت الأسد بلا دفاع، إلّا أَّن انهيارَ نظامه قد فاجأ إسرائيل، التي اضطرت على الفور إلى وضع استراتيجية جديدة لسوريا. فتحرّكت إسرائيل مباشرةً لتدمير قواعد سلاح الجو السوري والطائرات العسكرية ومستودعات الصواريخ، وعزّزت دفاعاتها الحدودية، وسيطرت على المنطقة العازلة التي أنشأتها الأمم المتحدة ومساحتها 145 ميلًا مربعًا. وأقام الجيش الإسرائيلي مواقع جديدة داخل سوريا، وعبّد طرق الوصول، وحفر الخنادق، ونشر مئات الجنود هناك.
خطوةٌ خاطئة
مع أنَّ النظامَ السوري الجديد لا يُشكّلُ تهديدًا وشيكًا لإسرائيل، إلّا أنَّ هذا النهج أقل جدوى من الناحية الاستراتيجية بكثير مما هو عليه في لبنان. فقد ظلت الحدود الإسرائيلية-السورية سلمية طوال حرب غزة، ولم يُضطَر الإسرائيليون الذين يعيشون على امتدادها إلى المغادرة. وقد أكد قادة دمشق الجدد مرارًا وتكرارًا عزمهم على إشراك الأقليات والعلمانيين السوريين في حكومتهم، وتعزيز مصداقيتهم لدى الجهات الغربية. تخلّت حكومة الشرع عن الخطاب الرسمي السوري المُناهض لإسرائيل، الذي طالما اعتمدته. كما تعهّدَ الشرع بالالتزام باتفاقية فكِّ الارتباط التي وقّعتها سوريا وإسرائيل في العام 1974، والتي نصّت على وقف إطلاق نار غير محدد المدة. وصرّح في كانون الأول (ديسمبر) قائلًا: “لا نُريدُ أيَّ صراعٍ، سواء مع إسرائيل أو غيرها”، مضيفًا أنه “لن يسمح باستخدامِ سوريا كمنصّةِ انطلاق لهجمات”.
يبقى أن نرى مدى التزام الشرع بهذه الوعود. لكن بدلًا من الانتظار والترقُّب، بدأ العديد من القادة الإسرائيليين التعامل مع حكومة الشرع كما لو كانت مقدرًا لها أن تكون خصمًا آخر. في أواخر كانون الأول (ديسمبر)، غزا الجيش الإسرائيلي منطقتين أُخرَيين على الأقل في سوريا خارج المنطقة العازلة وزاد من وتيرة ونطاق ضرباته في عمق الأراضي السورية، على الرُغم من أنَّ هذه الوتيرة قد انخفضت خلال الأسبوعين الماضيين. تقولُ إسرائيل إنَّ بعض أفعالها يهدف إلى حماية الأقليات، وخصوصًا الدروز، الذين هم حلفاءٌ مُحتَمَلون. ومع ذلك، ينظرُ العديدُ من أعضاء المجتمع الدرزي السوري إلى مزاعم إسرائيل بأنها حليفتهم بشكٍّ ورَيبة: في منتصف آذار (مارس)، اندلعت احتجاجاتٌ في مدينة السويداء السورية ذات الأغلبية الدرزية، حيثُ اتهم زعماء الدروز إسرائيل بتقويض وحدة الأراضي السورية. إنَّ محاولة إسرائيل لإقامة شراكات مع الأقليات المسلمة غير السنّية تتعارض مع رغبة معظم السوريين المنهكين من الحرب في دولةٍ مُوَحَّدة ومستقرّة.
في غضون ذلك، يُمثّلُ إصرارُ نتنياهو على “نزع سلاح” كامل الأراضي السورية جنوب دمشق هدفًا يصعب على الشرع قبوله، إذ يعني ذلك على الأرجح التخلّي عن السيطرة على هذه المنطقة. كما دأبت إسرائيل على تقويض الشرع من خلال الضغط على الولايات المتحدة للحفاظ على عقوباتها على سوريا، والتنسيق الوثيق مع موسكو لمساعدة روسيا على الحفاظ على قواعدها العسكرية. ويُثيرُ انفتاحُ إسرائيل على روسيا تساؤلاتٍ مُحيّرة، بالنظر إلى أنَّ التدخُّلَ الروسي في سوريا لإنقاذ الأسد قبل عقد من الزمن ساهم في ترسيخ النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.
ويُشكّلُ عدم ثقة إسرائيل بحكومة الشرع مفارقة أخرى. فقد اتَّهَمَ القادةُ الإسرائيليون فريقَ الشرع بإخفاء هويته الحقيقية: في آذار (مارس)، ادّعى وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر أنَّ فريق الشرع “كان جهاديًا وسيظل جهاديًا، حتى لو ارتدى بعض قادته بزّاتٍ رسمية”. لكن إسرائيل تُعوّلُ على موقف الشرع المُناهِض لإيران لمنع الجمهورية الإسلامية من إعادة ترسيخ نفوذها الإقليمي. ورُغم أنَّ تقويضَ سلطة الشرع قد يُعزّزُ قبضةَ إسرائيل على منطقتها العازلة في المدى القصير، إلّا أنَّ مصلحة الدولة العبرية في المدى الطويل تكمن في استقرار سوريا.
كما تعمل إسرائيل على منع تركيا من ترسيخ نفوذها في سوريا. وقد أحبطت إسرائيل الجهود التركية لإعادة بناء قدرات الجيش السوري بقصف قواعد جوية سعت أنقرة للسيطرة عليها. وقد تعامل الخطاب الرسمي الإسرائيلي بشكلٍ متزايد مع تركيا كعدو: على سبيل المثال، أشارَ تقريرٌ صادرٌ عن لجنةٍ حكومية مَعنِيّة بميزانية الدفاع في كانون الثاني (يناير) 2025 إلى “التهديد التركي”، زاعمًا أنَّ تركيا تأملُ في جعل الجيش السوري “وكيلًا لها في إطارِ حلمها باستعادة التاج العثماني إلى مجده السابق”. وهذا بدوره “سيُعمّق خطر المواجهة التركية-الإسرائيلية المباشرة”. في أواخر آذار (مارس)، غرّد وزير الخارجية الإسرائيلي ساعر بأنَّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “معادٍ للسامية” ويُشكّلُ “تهديدًا” “للمنطقة”.
يبدو أنَّ القادةَ الإسرائيليين مُصَمِّمون على اعتبارِ بلادهم مُعرَّضةً للخطر، ويميلون إلى استبدال التهديد المتضائل الذي يُشكّله “محور المقاومة” الإيراني بتهديدٍ تركي جديد مزعوم. وقد أسهم أردوغان في الإضرار بالعلاقات بين البلدين، إذ أنه في العام 2024 شبّه نتنياهو بهتلر واتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في غزة. وتريد أنقرة ضم سوريا إلى دائرة نفوذها، مما قد يُعيقُ حرية عمل الجيش الإسرائيلي ويجلب القوات التركية إلى حدود إسرائيل. ومع ذلك، فإنَّ تركيا ليست خصمًا لإسرائيل: فالدولتان، وكلاهما حليفتان للولايات المتحدة، تشتركان في مصالح اقتصادية وأمنية قوية، وينبغي لإسرائيل ألّا تُزعج أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وهي تخوض حربًا متعددة الجبهات.
تكلفة الفرصة البديلة
يعكسُ موقفُ إسرائيل بالتأكيد عقليةَ البلاد الأكثر عدوانيةً خارجيًا بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر). لكن له أيضًا دوافع داخلية. فقاعدة نتنياهو السياسية تستمتعُ بمنشورات وسائل التواصل الاجتماعي التي تُظهِرُ دبابات الجيش الإسرائيلي وهي تجوب سوريا. علاوةً على ذلك، يأمل ائتلاف نتنياهو على الأرجح أن يجذب توفير الحماية للدروز في سوريا أفرادًا من الطائفة الدرزية الإسرائيلية، وهم مواطنون إسرائيليون موالون يخدمون في الجيش الإسرائيلي، لكنهم يعانون من التمييز مقارنةً بالأغلبية اليهودية في البلاد.
لكنَّ نهجَ إسرائيل في سوريا يأتي بنتائج عكسية بالفعل. في 2 شباط (فبراير)، صرّح وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة لصحيفة “واشنطن بوست” بأنَّ توغّلات الجيش الإسرائيلي هي “انتهاكٌ للشعب السوري”، وهو تحوُّل عن ممارسة نظام الشرع في البداية بعدم انتقاد إسرائيل. واشتكى من أنَّ إسرائيل لم تُظهِر امتنانًا يُذكَر لكيفية مساهمة استيلاء الشرع على السلطة في ردع إيران، العدو المشترك: “كانت لديهم مشكلة مع إيران؛ لقد أنقذناهم من إيران”. لأشهرٍ عدة، امتنعَ الشرع عن انتقادِ سلوك إسرائيل التصعيدي، وهو ما كان يمكن للقادة الإسرائيليين اعتباره بادرة أمل. لكن في آذار (مارس)، بدأ الشرع نفسه يُعرب عن غضبه، واصفًا تقدّم إسرائيل في الأراضي السورية بأنه “توسُّعٌ عدائي”.
في أواخر آذار (مارس) وأوائل نيسان (أبريل)، تعرّضت قوات الجيش الإسرائيلي في سوريا لإطلاقِ نارٍ من مسلّحين مجهولين. إذا واصلت إسرائيل موقفها العدواني، فقد يسمح الشرع -الذي دأب على التودّد للأقليات السورية- أو حتى يدعم هجمات هذه الجماعات المسلحة على قوات الجيش الإسرائيلي، مُنشِئًا نبوءة تُحقّقُ ذاتها. قد يزيد الاستياء من الجيش الإسرائيلي من احتمالية اندلاع تمرُّد، الأمر الذي من المرجح أن يجرّ الجيش الإسرائيلي إلى عمقٍ أكبر في الأراضي السورية.
إذا حافظت الحكومة السورية الجديدة على اعتدالها واستطاعت ترسيخ سلطتها، فسيكون الجانب الإيجابي لإسرائيل هائلًا. سيكون لها جارٌ مستقر غير تابع لإيران – يمتلك جيشًا فعالًا قادرًا على القيام بعمله لمواجهة تهديدات الجماعات المتطرفة. إسرائيل ليست متفرّجة على مسار السياسة السورية. يمكنها تشجيع اعتدال الشرع من خلال الترحيب بمبادرات دمشق، مثل اعتقال اثنين من كبار قادة حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية في 21 نيسان (أبريل). علاوةً على ذلك، ينبغي على إسرائيل أن تُعلن علنًا أنَّ تقدّمها الإقليمي مُصمَّمٌ ليكون مؤقتًا إلى حين تمكّن قوة مسؤولة من تأمين الجانب الآخر من الحدود. وإلى أن تمتلك دمشق هذه القدرات، ينبغي على إسرائيل تقليل الاحتكاك مع الشعب السوري وحكومته الجديدة من خلال تقليص وجودها العسكري المرئي والتواصل مع فريق الشرع عبر قنواتٍ خلفية. وفي الوقت نفسه، ينبغي على إسرائيل الاستفادة من المكاسب التي حققتها في تأمين الحدود الإسرائيلية-السورية بالمطالبة باتفاقٍ ديبلوماسي يضمّن حماية الدروز في سوريا ونزع السلاح من مرتفعات الجولان.
على إسرائيل أيضًا تغيير نهجها تجاه تركيا. ففي اجتماعٍ مع نتنياهو في وقت سابق من هذا الشهر، أشاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأردوغان ودعا البلدين إلى إصلاح علاقتهما. إلّا أن نيّة ترامب سحب القوات الأميركية من سوريا قد تترك إسرائيل وتركيا تتجادلان حول هذا البلد بدون إشرافٍ رسمي. في 9 نيسان (أبريل)، بدأت جولة محادثات بين إسرائيل وتركيا، بوساطة أذربيجان. ينبغي على إسرائيل استخدام هذه المناقشات ليس فقط لإنشاء آلية لفضِّ النزاع، بل لتهدئة التوترات تمامًا.
يشبه نهج إسرائيل الحالي في سوريا جهودها لإنشاء منطقة أمنية في جنوب لبنان في الثمانينيات والتسعينيات، والتي أسفرت عن حرب استنزاف عمّقت الاستياء اللبناني وسهّلت على “حزب الله” السيطرة على البلاد بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي في العام 2000. يجب على إسرائيل ألّا تُكرِّر هذا الخطأ. ينبغي على الحكومة الإسرائيلية العمل بشكل أوثق مع الشركاء الإقليميين والدوليين لمنع سوريا من الوقوع مجددًا في الفلك الإيراني، وكذلك لتعطيل وإزالة بقايا الأسلحة البيولوجية والكيميائية المتبقّية من عهد الأسد. يمكن لإسرائيل أيضًا تخفيف الأزمة الاقتصادية في سوريا من خلال المساعدة على توفير الطاقة والغذاء والمياه للبلاد. هذا -أكثر من مجرد توغلات عسكرية استعراضية بدون استراتيجية ديبلوماسية متكاملة- سيساعد إسرائيل على ترسيخ النفوذ الإقليمي الذي تريده حقًا.
- شيرا إيفرون هي مديرة الأبحاث في منتدى السياسة الإسرائيلية وزميلة أولى في مؤسسة ديان وغيلفورد غليزر.
- داني سيترينويكز هو زميل باحث في برنامج إيران في معهد دراسات الأمن القومي.
- يصدُرُ هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” توازيًا مع صدوره بالإنكليزية في “فورين أفّيرز” الأميركية.
- إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال لا تمثّل بالضرورة آراء “أسواق العرب”.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.