العماد جوزيف عون هو الحل؟

مايكل يونغ*

لا يزال لبنان في الوضع نفسه الذي كان مُتَوَقَّعًا بعد الانتخابات النيابية في أيار (مايو) الماضي: لا توافق على خلَفٍ للرئيس ميشال عون. القوى السياسية تكافح من أجل تشكيل حكومة بدون ضمانات بأنها ستنجح. ومن المرجح أن يؤدي الفراغ/ الشغور إلى خلق وضعٍ جديدٍ وأسوإٍ قد يُسهّل انتخاب رئيس للجمهورية يمكنه تجاوز الانقسامات المستمرة في البلاد.

من المقرر أن يترك عون منصبه في نهاية تشرين الأول (أكتوبر). قبل أيام قليلة دخل البرلمان فترة العشرة أيام السابقة على رحيل الرئيس، والتي يلتزم خلالها دستوريًا بالانعقاد لانتخاب خَلَفٍ له. دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى جلسة في 24 تشرين الأول (أكتوبر)، لكن كما في الجلسات السابقة، فشل البرلمانيون في انتخاب رئيسٍ جديد.

اين نحن اليوم؟ الكتلتان المسيحيتان الرئيستان في البرلمان، الأولى بقيادة “القوات اللبنانية” والأخرى بقيادة “التيار الوطني الحر”، قامتا، كما هو متوقع، بتحييد بعضهما البعض. كلاهما يعرف أن أيَّ رئيسٍ جديد سيحتاج إلى موافقة واحدة على الأقل من الكتلتين المسيحيتين الرئيسيتين للتمتع بالشرعية، وهما يتصرفان وفقًا لذلك. يبدو أن سمير جعجع، رئيس “القوات اللبنانية”، وجبران باسيل، رئيس “التيار الوطني الحر”، قد خلصا إلى أنه ليس لدى أيٍّ منهما فرصة في أن يُنتخَب، لذا فإن كلاهما يمضيان في خطة احتياطية. بالنسبة إلى جعجع، العمل على انتخاب من يسميه مرشح “مواجهة” ضد “حزب الله”. بالنسبة إلى باسيل، الهدف هو ضمان قبول أي رئيس جديد بشروطه المُرهِقة إذا كان يريد الحصول على دعم “التيار الوطني الحر”. ليس من السهل تنفيذ أو إدامة أيٍّ من السيناريوهين في ظل استمرار تفكك الدولة والضغوط الخارجية.

من الضروري فهم اللغة المزدوجة للزعيمين الرئيسيين. عندما يقول جعجع إنه يريد مرشحًا للمواجهة، هناك أمور عدة في ذهنه. أولًا، يتخذ موقفًا متشددًا من أجل كسب النفوذ في أيِّ مفاوضات حول شخصيةٍ وسط. ثانيًا، يريد إرضاء رعاته السعوديين، من خلال إعلانه بصوتٍ عالٍ عن استعداده لمعارضة “حزب الله”. لكن من غير المرجح أن يحصل المرشح الذي يدعمه النائب ميشال معوض حتى على 65 صوتًا المطلوبة لانتخابه في جولة ثانية من التصويت البرلماني لمنصب رئيس الجمهورية. لذا، خلف كلام جعجع المتشدد، هناك استعدادات أكثر دقة لصفقة، وهو يعلم أنه يجب إجراؤها.

أما بالنسبة إلى باسيل، فقد ظهر كشخصيةٍ شرهة، بحيث أن القليل من المرشحين للرئاسة يريدون التفاوض معه للحصول على أصوات “التيار الوطني الحر”. لا أحد يشك في أن باسيل يهدف إلى التحضير لانتخابه في غضون ست سنوات، لذا فإن الأحمق وحده هو الذي سيُحوِّل نفسه عن طيب خاطر إلى نقطة انطلاق لطموحات باسيل، بينما يظل رهينة سياسيًا في هذه الأثناء. هناك الكثير من الحمقى في لبنان، لكن المشكلة هي أن البرلمان مُنَظَّم الآن بطريقة لا تسمح بأيِّ تحالفٍ برلماني كبير – حزب “القوات اللبنانية” وحلفاؤه من جهة، و”حزب الله” و”التيار الوطني الحر” وحلفاؤهما من جهة أخرى – يمكن أن يدفع وينجح من خلال مرشح لا يستفيد من إجماع واسع.

ولكن من هو الشخص الذي قد يظهر كشخصية توافقية؟ نظرًا إلى أن المرشحين الموارنة الأضعف هم أكثر عرضةً للوقوع في شبكة تحييد باسيل أو جعجع، فإن هذا الوضع يترك عددًا قليلاً من المرشحين الذين لا يقعون في هذه الفئة. يقود المجموعة قائد الجيش العماد جوزيف عون. وهو يرأس المؤسسة الوطنية الوحيدة التي تحافظ على الاحترام العابر للطوائف، ويُنظَرُ إليه على أنه خارج السياسة الحزبية، ويتمتع شخصيًا بتقدير أجنبي. التعليقات التي رافقت إمكانية انتخابه كانت أيضًا كاشفة تمامًا.

في تموز (يوليو) الماضي، ذكر جعجع أن العماد جوزيف عون سيكون مرشحًا ذا مصداقية للرئاسة وأن حزب “القوات اللبنانية” سيدعمه “إذا كانت لديه فرص جيدة”. ومن المفارقات أن هذا فُسِّرَ على نطاقٍ واسع على أنه محاولة لتقويض آفاق عون، لأن جعجع اعتقد أن أيَّ شخصٍ يؤيده ستكون لديه فرصة أقل لقبوله من قبل “حزب ا”لله و”التيار الوطني الحر”. من وجهة نظر جعجع، كان من المنطقي تقويض منافس على الرئاسة. يبدو أن عون كان حكيمًا في اللعبة، وأشارت تقارير غير مؤكدة في ذلك الوقت إلى أنه أوضح لجعجع أنه غير راضٍ عن تبنّيه ترشيحه.

نهجُ باسيل كان أكثر مباشرة. في وقت سابق من هذا الشهر، أعلن في مقابلة مع قناة “الجزيرة” القطرية أنه يعارض تعديل الدستور لانتخاب جوزيف عون رئيسًا للبلاد. مثل هذا التعديل ضروري لأن عون موظف مدني من الدرجة الأولى، ما يعني أنه مطلوبٌ منه الاستقالة قبل عامين من الترشح للمناصب العامة، ما لم يتم تعديل الدستور لاستيعابه. ومع ذلك، في المنطق المعقّد للسياسة اللبنانية، كان من الممكن أن يكون رفض باسيل الواضح أيضًا بمثابة فتح في المساومة النهائية مع عون حول دعم “التيار الوطني الحر” لترشيحه. في المخطط الأكبر، بينما يفضل باسيل مرشحًا ضعيفًا يكون أكثر عرضة لقبول شروط “التيار الوطني الحر”، فإن عون لا يهدد باسيل بالطريقة نفسها التي يهدد بها جعجع. ليست لديه قاعدة حقيقية خارج الجيش، لذلك يبقى من المتصور أن يغير باسيل رأيه بشأن عون إذا تكوّن الزخم وراء ترشيحه.

ولكن للوصول إلى مثل هذه المرحلة، سيتعيّن علينا أن نمر في فترة سياسية مدمّرة نموذجية، عندما يؤدي ضعف الطبقة السياسية إلى تفاقم الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي لم يعد محتملًا أصلًا. جعجع وباسيل ورئيس الوزراء نجيب ميقاتي و”حزب الله” ليس لديهم سببٌ لاتخاذ خطوة الآن، قبل أن يروا الاتجاه الذي تسلكه البلاد. سيتم تحديد ذلك من خلال تصاعد السخط العام، والمزيد من التدهور المالي والاقتصادي، والمزيد من المعاناة، وكلها ستزيد من حدة التوتر لدى الجميع لإيجاد حل.

ما إذا كان جوزيف عون سيخرج من هذا الوضع قويًا يبقى أمرًا غير معروف، والنتائج الأخرى ممكنة دائمًا، حتى لو كانت أقل احتمالًا. ومع ذلك، تشير الديناميكيات إلى أنه لن يظهر سوى شخص فوق الصراع، لديه الوسائل للرد على كلٍّ من جعجع وباسيل، ويحظى باحترام دولي، وقد لا يُزعج “حزب الله” لأنه قضى سنوات في التنسيق مع الحزب، كمُفَضَّل. في الوقت الحاضر، يبدو أن عون وحده يجمع كل هذه الخصائص.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى